محمد عبدالسميع

يدخل الذكاء الاصطناعي في كلّ حياتنا، وهو ثمرة من ثمار الثورة الرقميّة التي يشهدها العالم، من خلال برمجيّات وخوارزميات جعلت ما كان يُنجز في مدد زمنية طويلة أصبح ينجز اليوم من خلال معاملة إلكترونيّة، فاستفادت التجارة والحكومات والشعوب وتواصل الجميع، ودخل «الروبوت» أيضاً صديقاً للأطفال، مثلما بات يحلّ ببساطة عمليات حسابيّة بالغة التعقيد.
وكانت دولة الإمارات العربيّة المتحدة في مقدمة المنطقة العربية في قيادة التحوّل الرقمي، فوظفته واستخدمته في مختلف المجالات، وبات جزءاً من معاملاتنا وتواصلنا وأعمالنا، إذ حققت الإمارات مؤشرات عالية في ريادته واستثماره في أكثر من مجال.
وفي سياق توسع دور وحضور الذكاء الاصطناعي، يطرح المهتمون بقضايا الثقافة والإبداع سؤالاً ثقافيّاً: هل يمكن أن يهيمن الذكاء الاصطناعي وبرامجه وخوارزمياته، على الفنّ والأدب، فيكون في مقدور البرمجة الإلكترونيّة أن تنتج مثلاً روايةً أو قصّةً أو قصيدةً أو لوحةً شعريّة بالمستوى ذاته الذي ينتجه شاعر أو فنان أو روائي أو قاص؟!
هذا التساؤل، كان هو محور هذا الاستطلاع مع أدباء وفنانين ومثقفين وإعلاميين، أكّدوا أهميّة «الكتالوج الإبداعي» في البيع والشراء والتجارة والمواصفات ومعرفة المنتج... ولكنّهم يقفون في بعض رؤاهم على الحياد، فالمشاعر، التي هي أمرٌ خاص بالمبدع ذاته، وانعكاس للحالة الاجتماعية أو التجربة والمشاعر الملهمة التي تجعله يفرّغ إبداعه في الفن والأدب.. ربما لا تتوافر في برمجيّات الذكاء الاصطناعي، وقد رأى بعضهم أنّ التكنولوجيا المتقدّمة إنّما هي عاملٌ معزّز فقط لحالة الإبداع الإنساني النابعة من الذّات.
ولكنّ منهم أيضاً من أُعجب بتسويق الأعمال الموسيقيّة لبيتهوفن على سبيل المثال وإنجاز السيمفونية العاشرة من سيمفونياته عن طريق التعاون ما بين العقل الإلكتروني والبشري، وهو ما يمكن أن ينسحب أيضاً على جوانب أخرى في كثيرٍ من مفردات الفن والأدب والإبداع. 
ورأى بعضهم أيضاً أنّ إبداعات الذكاء الاصطناعي ليست سوى إبداعات نمطيّة ومكررة تعتمد على ما نغذّيه نحن من معلومات «داتا» وقواعد بيانات لهذه البرامج التي ربما لا تستطيع التعامل الشعوري معها كما نتعامل نحن مع ما تستصحبه من مشاعر، بكلّ حواسّنا وانفعالاتنا النفسيّة قُبيل عمليّة الإبداع.

تقنية مذهلة
الكاتبة الإماراتية فاطمة المزروعي ترى أنّ تقنية الذكاء الاصطناعي أثّرت، ولابدّ أن تؤثّر، في أعمال إبداعيّة فنيّة تعتمد تصميم المجلات والمواقع والصور الفوتوغرافيّة أو الإعلانات أو اللوحات الفنيّة بجودة عالية، فهي كتقنية مذهلة ربما تسبب اختفاء بعض المهن المعتمدة على يد الإنسان وعقله بسبب العقل الإلكتروني. وتشعر المزروعي بالاطمئنان لأنّ يظلّ عالم الكتابة الإبداعيّة بعيداً عن التأثّر؛ لأنّ العالم اليوم بانتظار أفكار إبداعيّة ملهمة يكون مصدرها العقل البشري. وتلفت إلى قلّة تكلفة العمل الإلكتروني قياساً بسابقه اليدوي وما يحتاج إليه من وقت وجهد وتفكير.

الرتابة الافتراضيّة
وتتحدث الكاتبة والناقدة الإماراتية د. مريم الهاشمي عن استقلاليّة الإنسان وتواصله مع الآخرين بخصوصيّة موضوعيّة، معتبرةً الاستنطاق الافتراضي واقعاً موازياً يجمع مشاهِداً ومستمعاً وقارئاً، وقد نجحت هذه القنوات المتميّزة بالذكاء الاصطناعي وأثبتت قدرتها لتعكس واقع الحياة اليوميّة.
وتستدرك د. الهاشمي بأنّ الإبداع سلوك يعتمد التواصل الحقيقي مع الذات والآخر، كتعبير عن جوهر الإنسان المتميّز بالحلم الذي لا يمكن أن تدفنه الرتابة الافتراضيّة أو تلغي ما يتوافر عليه من خلق وثراء وتخييل وتجديد وعلاقات دافئة.

الأدب التفاعلي
وتؤكّد الباحثة المصريّة د. منى حواس، أنّ الإمارات قد تصدّرت ثورة الذكاء الاصطناعي، وأن كلّ الصناعات والخدمات في العالم بإمكانها الاستفادة من انتشار الذكاء الاصطناعي. أمّا الكتالوج الرقمي، فهو، كما ترى، نسخة عن الكتالوج المطبوع، ولكنّه أكثر من ذلك، لما يعرضه من مواصفات وأسعار وصور للمنتجات في التجارة الإلكترونيّة.
وترى د. حواس أنّ التحوّل الرقمي طال حتى مجال الإبداع الأدبي بظهور ما يعرف بـ«الأدب التفاعلي» بين الكاتب والمتلقي، وينسحب ذلك أيضاً على الفن، فقد بات كلّ ذلك حقيقة واقعة لا تُنكر.

التعبير الذاتي
ولكنّ الفنان العراقي مهند البدراوي يقول إنّه لا تزال هناك فعلاً حالة من عدم اليقين حول دور الذكاء الاصطناعي في عالم الفن، فهو وسيلة جديدة إلى حدٍّ ما، ومفهوم الفن يختلف من شخص لآخر، كما أنّ علينا أن نسأل أنفسنا ما الهدف من إنشاء العمل الفني، وهو بالتأكيد ليس من أجل الزخرفة أو إضفاء لمسات جماليّة فقط، بل شكل من أشكال التعبير عن الذات ومنصّة لتبادل الحوار والأفكار، فهو ذكاء معزز، باعتبار أن الفنان يعبّر بالفن عن صدمته وشغفه وأفكاره، وله كيانه الاجتماعيّ والمستقلّ.

الشعور الإنساني
ويؤكّد الصحفي والشاعر المصري جمال فتحي المقدار الذي وصل إليه الذكاء الاصطناعي والمسارات البعيدة التي حققها بتغذية إلكترونيّة في كلّ مجالات الحياة وخدماتها وقطاعاتها المختلفة. وفي المجال الفني يضرب مثالاً على ذلك، بالمنجزات الموسيقيّة والسيمفونية العاشرة لبيتهوفن، كإنجاز مشترك بين العقل البشري والعقل الاصطناعي، من خلال برامج وخوارزميّات، ولكنّه يرى أيضاً أنّ العقل الاصطناعي يظلّ عاجزاً عن إدراك الشعور والخيال والسياقات التاريخية والاجتماعية للإبداع. فعلى رغم نجاح التجربة إلا أنها تظلّ قاصرةً عن أن تزيح الإبداع الفطري من طريقها أو تكون بديلاً له في المستقبل.

الأفكار الجديدة
ويؤيّد د. مؤمن جمال من مصر، دخول برامج الذكاء الاصطناعي في كلّ مجالات الحياة، معدداً أوجه الاستخدام في الإمارات ودول خليجية وعربية عديدة، كما يؤكّد قيمة الكتالوج الرقمي في تسهيل الشراء ومعرفة الأسعار والمواصفات والصور والقيام بعمليات تجارية. ولكن حول الإبداع الرقمي، يقول إنّه يمكن لأي مستخدم أن يصبح فناناً ومهندساً معماريّاً وموسيقيّاً ومصمماً ويعرض منتوجاته على الإنترنت، ولكنّ ذلك يتطلّب رقابة وحذراً من انتشار أفكار قد لا تخدم قيم المجتمع ومنطلقاته الثقافية.

الكتالوج الرقمي
ويقول د. بهاء محمود من مصر، إنّ الذكاء الاصطناعي أصبح حقيقةً لابدّ منها، ذاكراً مؤشرات في الإمارات والخليج والدول العربيّة على الاستخدام والانخراط في هذا المجال، كما يتحدث أيضاً عن دخول التطبيقات الذكيّة لحياة الناس، ومزايا التجارة الإلكترونية، وأهميّة الكتالوج الرقمي الذي أوجدته الثورة الرقمية، وبالتالي فإنّ كلّ مجالات الحياة ستستفيد من ذلك، بما فيها المجال الفني والأدبي وعالم الإبداع.

تواصل الثقافات
وتقول الأديبة المصريّة د. روحية عبدالباسط، إنّه نظراً لدخول الذكاء الاصطناعي في كلّ أوجه الحياة ومجالاتها، فإنّ ميزة الخدمات المقدّمة أنّها موضوعيّة وتعتمد على منطق الأمور لا على العاطفة أو الواسطة، والأمثلة على ذلك كثيرة. وفي المجال الأدبي والفني، ترى أنّ بعض المبدعين لا يزالون يفتقرون إلى عملية استخدام الكتالوج الأدبي الرقمي، مثلما يتخوّفون من النقل المكرر وضعف المنتج الأدبي وهشاشته، ومع ذلك تؤكّد أنّه لا خوف طالما أنّ المبدع والمثقف يطّلع على كلّ جديد في الإبداع الأدبي والفني وأفكار الثقافات التي ينقلها هذا الإبداع.

الإبداع الرقمي
يؤكّد الشاعر عصام بدر من مصر قيمة الذكاء الاصطناعي واستعانة الشركات به لتطوير مستوى أدائها وخدمة عملائها، ودخول ذلك في حياتنا اليوميّة في التواصل الاجتماعي والتسوق الإلكتروني أو الكتالوج الرقمي. ويرى أنّ هناك استفادة من الإبداع الرقمي في تحوّل كثير من الهيئات والمؤسسات الحكومية والخاصة في استخدام الذكاء الاصطناعي وتوفير الفرص للعقول الخلاقة من المبدعين والمبتكرين والمبرمجين والمطوّرين لدعمهم في الابتكار، وهو ما نراه في الجامعات ودوراتها التدريبيّة فيما بات يعرف بـ«التحوّل الرقمي» في الفترة الأخيرة.