أبوظبي (الاتحاد)

قال الدكتور علي بن تميم، رئيس مركز أبوظبي للغة العربية، بمناسبة اليوم العالمي للشعر، الذي يوافق يوم 21 مارس من كل عام: إن أعظم ما ابتكره الإنسان "اللغة"، وأجمل ما صاغه "الشِعر". أسراب الكلمات المحلّقة في فضاء الجمال لتضيء على الكامن من التفاصيل، والمكشوف من الأحداث، والمدهش من المعاني والجماليات. صياغة بديعة للقول، وجزالةٌ في النظِمِ، وعمقٌ في الطرح. لهذا يتّخذ الشعُر دوماً موضعهُ الفريد من الآداب الإنسانية، فهو اللغة العالية والسامية التي تخاطب القلوب قبل العقول، وتدخل الروح بلا استئذان، وهو مستودع حكمة العربي، وملاذ آلامه وآماله.
في مارس من كلّ عام يحتفل العالم بالشِعر والشعراء، يحتفي باللغة وعذوبة القصيدة وجمالياتها. كما أن هذه المناسبة تشكّل اعترافاً ضرورياً بمكانة هذا الفنّ الأدبيّ الرفيع وحضوره المهمّ باعتباره لسان الشعوب والمعبّر الاستثنائي عن آمالها وطموحاتها، وانشغالاتها الفكرية والثقافية، وهمومها الإنسانية وقضاياها المصيرية.
وتُعد الثقافة العربية من الثقافات القليلة في العالم التي حافظت على تراثها الشعري، وتناقلته شفوياً، حتى استحدث أساليب ووسائل حفظ أخرى. ولا تكاد بيئةٌ من البيئات العربية المتعددة تخلو من الشعر روايةً وإنشاداً في المجالس والمحافل، وذلك لإدراكهم أهمية الشِعر، وروعة القصيدة فهي الفريدة التي تحمل على أجنحتها خيالات الأديب وواقعه، والنافذة الأجمل التي عرّفت بهوية وخصوصية الشعوب وفرادتها الأدبية والفكرية والثقافية. لهذا اهتمّت دولة الإمارات بالشعر مستندة إلى إرث كبير رسّخه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيّان "طيب الله ثراه"، الذي طالما اهتم بالشِعر واعتنى به؛ فما كان من مؤسسات وهيئات الدولة الثقافية إلا أن ترجمت ذلك إلى برامج نوعية على أرض الواقع أسهمت في أن تحظى الدولة بمكانتها البارزة وجهةً أساسية للشعِر والشعراء. 

إمارة الشِعر والثقافة
أضاف د. علي بن تميم: منذ تأسيسه دأب مركز أبوظبي للغة العربية على تحقيق تلك الاستراتيجيات الثقافية والتنموية التي وضعتها الدولة بما يصبّ في مصلحة الاهتمام بالشِعر والشعراء حتى باتت إمارة أبوظبي "إمارة الشِعر والثقافة والفنون"، ومنارة للإشعاع الثقافي والحضاري في المنطقة العربية والعالم، فهي الحاضنة لأهم مسابقات الشعر مثل "أمير الشعراء" و"شاعر المليون" وغيرها من المبادرات المهمّة على هذا الصعيد. وعليه قمنا بإطلاق "الموسوعة الشعرية" التي حرصنا من خلالها على أن نوثّق أعمال الشعراء، وننقل تجاربهم ورؤاهم لجميع المهتمّين بالأدب والثقافة والفنون، وأن نتركها إرثاً مضيئاً للأجيال المقبلة لتتعرف على مآثر من سبقوهم، حيث يعتبر هذا المنجز الضخم الذي نعتزّ به أحد أبرز البرامج والمشاريع لما يملكه من قيمة أدبية وثقافية، إذ تشكّل الموسوعة الشعرية نموذجاً لجهود دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، وتعد إنجازاً ضخماً استمر لما يزيد عن عقدين من الزمن، حماية وصوناً للإبداع الإنساني والجمالي المتجلّي في الشِعر. 
ولم تقف جهود المركز عند هذا الحد، بل حرصنا على ترسيخ سيرة القائد الشاعر الذي أسس لمسيرة البناء المنطلقة من المعرفة والإبداع الإنسانيّ، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيّان "طيّب الله ثراه"؛ فقمنا بإطلاق "موسوعة الشيخ زايد الشعرية" وهي تلخيص محكم لتجربة الأب المؤسس لدولة الإمارات، في ميادين الحكم، والشِعر، أردنا لها أن تكون نافذة تُعرّف الأجيال الجديدة بمآثر هذا القائد الاستثنائيّ، من رؤية إنسانية فذة، وقرب محبب من الناس، وبراعة في تحقيق رفاهية المجتمع المحلي، وصولاً إلى استلهام القيم والجماليات من أشعاره الفريدة التي تعد مرآة صادقة لشخصيته وحكمته، وتجسيدا بديعاً لعمق رؤيته للدولة وشعبها؛ فالموسوعة تحتضن روائع الشِعر من أعذب ما نظمه المغفور له الشيخ زايد وصاغه من قصائد في الحبّ الإنسانيّ السامي، وعشق الإمارات، باللغتين العربية والإنجليزية كمرحلة أولى يليها ترجمات عدة إلى لغات أخرى، لتكون بمثابة الكنز النفيس للأجيال المقبلة، والبوابة التي تكشف عن ثراء الثقافة الإماراتية وجمال لهجتها وشدّة صلتها باللغة العربية. 

عيون الشعر العربي
استطرد رئيس مركز أبوظبي للغة العربية قائلاً: في 100 كتاب، قمنا بإطلاق سلسلة شعرية جديدة تحت عنوان "عيون الشعر العربي" وهي موسوعة شعرية تعد الأكبر في تاريخ المختارات الشعرية، وتضمّ مختارات من روائع الشعر العربي منذ عصر ما قبل الإسلام وحتى يومنا هذا و تُقدّم للقرّاء موضوعات متنوّعة كالوفاء والعزّة والتسامح والمجد وغيرها، وهي سلسلة كتب أعدتها نخبة من الأكاديميين والباحثين والكتاب والمبدعين لتعكس رؤية المركز في إعادة إحياء التراث الشعري العربي وتوثيقه والحفاظ عليه، فكل كتاب تضمه الموسوعة يحتوي على مختارات شعرية تتناول مواضيع محددة، ومرتبة من الأقدم إلى الأحدث. وصدرت مطبوعة في نسخة ورقية أنيقة إضافة إلى توفرها في صيغ مسموعة ورقمية تناسب كافة فئات القراء. 
كلّ هذه الجهود أردنا لها أن تخدم الشِعر والشعراء، وأن تقدّم للأجيال المقبلة قيمة معرفية جليّة تعزز ارتباطهم بلغتهم وهويتهم الوطنية، وترسّخ لديهم قيم الإبداع، وتجعلهم قادرين على اكتشاف الجمال في أبسط التفاصيل؛ فالشِعر امتدادٌ حقيقيّ للوجود الإنساني، وربما هو التعبير الأجمل عن هذا الوجود، وهو نظمٌ استثنائيّ للغة، واحتفاءٌ طويلٌ بالحياة والجمال، وارتباط بديع بكلّ ما هو جميل وحقيقيّ في الوجود.