هويدا الحسن (العين)

تعرّف الفلسفة بأنها حب الحكمة والكلمة تتكون من مقطعين «فيلو» بمعنى محب و«سوفيا» بمعنى الحكمة، وقد ظهرت الفلسفة قديماً في بلاد الإغريق بداية القرن السادس قبل الميلاد نتيجة لعدة عوامل سياسية واجتماعية واقتصادية وفكرية. فعلى صعيد السياسة أدى تحول الحكم في بلاد اليونان قديماً إلى الديمقراطية بعد انهيار حكم ما يعرف بالنظام الأوليغاركي، وتحولت اليونان بذلك إلى نظام ديموقراطي يتيح مساحة من حرية التعبير وتبادل الآراء المختلفة ومناقشتها لطرح أفكار جديدة.
وكانت العوامل الاجتماعية نتيجة التغيرات السياسية التي أنشأت طبقة متوسطة حملت على عاتقها تبني أفكار جديدة بعيداً عن الأفكار التي كانت سائدة فيما قبل، وكذلك كان للعامل الاقتصادي دور كبير في ظهور الفلسفة، حيث إنه أينما وجد اقتصاد قوي وجدت نهضة فكرية، وتمثلت العوامل الفكرية في تحول الفكر اليوناني من الاعتقاد في الأساطير والخرافات إلى التفكير العقلاني الذي يتبنى الحقائق وروح المنطق.
وقد سعى الفلاسفة اليونانيون القدامى إلى البحث عن إجابات للأسئلة الوجودية الكبرى حول الحياة والعالم ونشأة الكون والأخلاق، ويعتمد التفكير الفلسفي على العقلانية أو المنطق في تفسير الأمور. ويعتبر المنهج إحدى سمات الفكر الفلسفي، وهو يشترك في هذا مع العلم، إلا أن كلاً منهما يختلف في استخدامه لفهم العالم. ويمكن القول إن كثيراً من الأسئلة الأساسية التي طرحها فلاسفة اليونان قديماً حول الكون لا تزال محل بحث من قبل علماء وفلاسفة عصرنا الحالي.
وقبل الفلسفة اليونانية، وجدت أيضاً كتابات فلسفية تعود إلى عام 3000 ق.م في حكمة مصر القديمة وبابل وآشور وبلاد فارس، وكذلك نشأت تقاليد فلسفية أخرى في الصين والهند.
وكانت الفلسفة اليونانية الأولى تتمحور حول العالم الخارجي ودراسة قضايا الطبيعة والفلك والجغرافيا قبل أن تتدرّج إلى التفكير في مقولات وموضوعات أخرى. وقد وضع فلاسفة اليونان الأوائل أمثال طاليس وأنكسمانس وفيثاغورس نظريات للإجابة على التساؤلات التي طرحوها، وتقرير طبيعة أساس الوجود ومادة العالم بحسب تصورهم. ثم انتقلت الفلسفة، بعد ذلك، لما يمكن تسميته بالعصر الإنساني في التفكير، وتتمحور تساؤلاتها حول الإنسان، وهل هناك حقائق ثابتة للأشياء، وطرحت تساؤلات عن قيم الحق والخير والجمال. وقد سلط ذلك العصر الضوء على قوى الإنسان الباطنة، فظهرت مبادئ القضايا الأخلاقية والمنطقية والفلسفية، ومن أشهر فلاسفة تلك الفترة سقراط وأفلاطون وأرسطو والسوفسطائيون.
وقد ارتبطت الفلسفة لاحقاً ارتباطاً وثيقاً بالمعتقدات الدينية لاسيما مع ظهور الديانة المسيحية في عصر الرومان، وعن ذلك يقول أستاذ الفلسفة الألماني فندلبند: «إن الفلسفة استخدمت نظريات علوم اليونان لفهم الآراء الدينية وترتيبها، لتقدم ضمن الشعور الديني فكرة عن العالم، فأوجدت مفاهيم فلسفية من قبيل ما وراء الطبيعة تتفق مع الأديان».
وخلال العصور اللاحقة تطور الفكر الفلسفي، وظهرت الفلسفة العربية الإسلامية وقادت الفكر الإنساني لقرون مديدة، وكانت لها إسهامات كبيرة مهدت لظهور الفلسفة الغربية في العصر الحديث التي تبنت أفكاراً مختلفة نتجت عنها مدارس فلسفية وفكرية متعددة ساهمت في تطور الفكر الإنساني وانعكست على كافة مجالات الحياة الأخرى.
ووفق تصنيف بعض مؤرخي الفلسفة الغربيين يعتبر طاليس هو أول الفلاسفة، وهو رأي قد لا يخلو من مركزية غربية، وبطريقة لا تضع في الاعتبار تراكم حكمة حضارات الشرق القديمة. وبلغت الفلسفة اليونانية نفسها ذروة ازدهارها خلال الفترة الكلاسيكية فقط على يد فلاسفة من أمثال سقراط وأفلاطون وأرسطو.