نكمل حديثنا الذي بدأناه الأسبوع الماضي عن طائفة «الأميش»، التي تعيش في أقوى دولة من دول العالم في انعزال شبه تام، عن كل مظاهر الحداثة بتناغم عجيب في التأقلم دون مخالفة أو مواجهة، متمسكين بمعتقداتهم دون إيذاء للآخرين أو تقليل من شأنهم، نواصل هنا التعرف على عادات الأميش، الشعب المسالم.
في زيارتي لهم في «لانكستر» في بنسلفانيا مررت ببيوتهم ذات النوافذ المعتمة، قلما تجدهم يخالطون من هم من غير طائفتهم، تواصلت وتحدثت معهم في أحد محالهم التي تبيع منتجاتهم الفريدة - وهي إحدى الطرق لمخالطتهم -، يتميز رجالهم باللباس الأسود والقبعات العريضة، وترتدي النساء أزياء محافظة فضفاضة ولا يسمح لهن بقص شعورهن إلا عند سن معين ويلبسن غطاءً أبيض للرأس إذا كن متزوجات وأسود إذا كن غير ذلك. تمنع كنائسهم التقاط صور لوجوههن ويستشهدن بالوصية الثانية من الوصايا العشر للكتاب المقدس: «لا تصنع... أي صورة منحوتة، تشبه أي شيء...» لا يتزوجون إلا من بعضهم البعض والطلاق ممنوع.
إنهم يعتمدون على الزراعة لتأمين احتياجاتهم، وستراهم يعملون في مزارعهم مع أبنائهم بكل جد، وكم حاولنا الابتسام والتواصل معهم عند رؤيتهم ولكن قلما حظينا بردة فعل، عند بلوغ الأبناء سن السادسة عشرة يخيّرون بين الخروج للعالم لمدة سنة كاملة لتحديد باقي نمط حياتهم، وهي مرحلة الـ Rumspringa، فإما أن يتغير «الأميشي» ويصبح English - وهو المصطلح الذي يطلق على من لا يعتنق معتقداتهم - أو يعود أدراجه إلى طائفته، علماً بأن النسبة الأكبر تعود دون تغيير إذ يفتقد فرد الأميش أدنى معايير وأساسيات التعايش مع العالم الخارجي ويفشل في مواكبة التطور الحاصل والاندماج مع المجتمعات الأخرى. 
في السنوات الأخيرة كثرت حالات الهروب أو shunning ولكن بعد العودة بكل ندم تمارس على العائدين «طقوس العار». كتجنب تناول الطعام معهم على نفس الطاولة في التجمعات، ونادراً ما يعيش المنبوذون في نفس المنزل بل يستقلون بأنفسهم وبالإمكان إنهاء هذه الطقوس بالتوبة في الكنيسة مع الوعد بعدم العودة للهروب، يعود بعدها «الأميش» إلى طائفته. وقد تساهلوا الآن في هذه الطقوس وأصبحوا يغضون الطرف عمن يهرب ويحاولون التعامل معه بتساهل أكبر. 
الأميش شعب مسالم، تكاد تنعدم عندهم الجريمة وزيارتهم بالنسبة لي كانت تجربة فريدة مع الوضع بعين الاعتبار أهمية احترامهم، فهم ليسوا مخلوقات فضائية بل هم أناسٌ  عاديون اختاروا العيش بنمط حياة مختلف فلا تحدق في وجوههم باستغراب ولا تبحلق في ملابسهم وتحاول لمس لحاهم أو قبعاتهم أو تصويرهم بدون استئذان ولا تطعم خيولهم واستغل المعاملات التجارية بزيارتهم في متاجرهم للتقرب منهم..
 صدقني ستعود من هناك بتجربة لن تنساها، فالأميش شعب خرج من فجوة زمنية سابقة ووجد نفسه بيننا. 
مع تمنياتي للجميع برحلة سعيدة.