محمد قناوي (القاهرة)

«أبو ضحكة جنان»، «الضاحك الباكي»، «أسطورة الكوميديا»، «كوميديان كل العصور»، «ملك الضحك الحزين».. ألقاب حصدها الفنان الكبير إسماعيل ياسين، الذي كان مصدراً لإسعاد الجميع ورسم البسمة على وجوه محبيه. ورغم مرور 47 سنة على وفاته، إلا أن أفلامه ما زالت تحظى بنسب مشاهدة كبيرة، عجزت الأعمال الحالية بكل إمكاناتها عن تحقيقها، فجمهوره كبير وعريض، ومن كل الأجيال، فأصبح رمزاً للكوميديا في مصر والعالم العربي، وتم إنتاج أفلام باسمه.

طفولة بائسة
ولد فنان الكوميديا الأول إسماعيل ياسين في 15 سبتمبر عام 1912م، توفيت أمه وهو طفل، وهو الابن الوحيد لصائغ ذهب وفضة بمدينة السويس، والتحق بالكتاب، وتابع في المدرسة حتى الصف الرابع الابتدائي. أفلس محل الصاغة الخاص بوالده نتيجة لسوء إنفاقه، دخل أبوه السجن نتيجة تراكم الديون، اضطر الفتى للعمل أمام محل لبيع الأقمشة، فقد كان عليه أن يتحمل مسؤولية نفسه. وعندما أتم السابعة عشرة، هجر المنزل هرباً من بطش زوجه أبيه وانتقل للقاهرة ليبدأ مشواره الفني وكان ذلك أوائل الثلاثينيات وعمل صبياً في مقهى بشارع محمد على وأقام بالفنادق الصغيرة الشعبية.

البداية الفنية
التحق ياسين بالعمل مع الأسطى «نوسة»، أشهر راقصات الأفراح الشعبية في ذلك الوقت، ولكن بعد فترة تركها ليعمل وكيلاً في مكتب محامٍ، ليوفر المال الكافي للمعيشة.
عندما ذهب «سُمعة» للقاهرة لم يكن يحلم أن يصبح ممثلاً، بل مطرباً، فقد كان يعشق أغاني الموسيقار محمد عبد الوهاب ويرددها ويحلم بأن يكون منافساً له.
ذهب إسماعيل إلى بديعة مصابني، بعد أن اكتشفه صديق عمره وشريك رحلة كفاحه الفنية المؤلف الكوميدي أبو السعود الإبياري، وكان شريكاً له في ملهى بديعة مصابني، وقام أبو السعود بترشيحه لبديعة لتعيينه بفرقتها. وانضم إلى فرقتها ليلقي المونولوجات في الملهى الخاص بها، ونجح في فن المونولوج، وتألق فيه لمدة عشر سنوات من عام 1935إلى 1945، ثم أصبح يلقي المونولوج في الإذاعة مقابل أربع جنيهات شاملة أجر التأليف والتلحين.

الثلاثي
عام 1955، كون هو وتوأمه الفني أبو السعود الإبياري مع المخرج فطين عبد الوهاب ثلاثياً من أهم الثلاثيات في تاريخ السينما المصرية، ولازمه في كثير من العمال الممثل رياض القصبجي الشهير بالشاويش عطية، وشاركته شادية في حوالي 23 فيلماً بين عامي 1949 و1954.

دخول السينما
في عام 1939، كانت بداية دخول ياسين السينما، عندما اختاره المخرج فؤاد الجزايرلي ليشترك في فيلم «خلف الحبايب»، وقدم العديد من الأفلام التي لعب فيها الدور الثاني من أشهرها في تلك الفترة «علي بابا والأربعين حرامي»، و«نور الدين والبحارة الثلاثة»، و«القلب له واحد».
وفي عام 1944، جذبت موهبة إسماعيل انتباه أنور وجدي فاستعان به في معظم أفلامه، ثم أنتج له عام 1949 أول بطولة مطلقة في فيلم «الناصح» أمام الوجه الجديد ماجدة الصباحي. ويُصنف ياسين بأنه النجم الأكثر عطاء للسينما المصرية، حيث قدم 24 فيلماً في عام واحد، بما يعادل ثلاثة أفلام كل شهرين، وبطيعة الحال هو رقم قياسي، ما أدى لوصفه بأنه فنان من الصعب بلوغ منتهاه وقد وصل رصيده السينمائي 400 فيلم، و61 مسرحية، و300 منولوج.

مواقف صعبة
في أوائل الخمسينيات، تعرض «سمعة» لموقف صعب بعد أن أصدر ملك مصر وقتها الملك فاروق قراراً بإدخاله مستشفى الأمراض العقلية، ففي إحدى الحفلات كان يؤدي مونولوجاً أمامه، وقال «مرة كان في واحد مجنون زي حضرتك»، فثار الملك ورد غاضباً «أنت بتقول إيه يا مجنون؟».
حاول إسماعيل أن يخرج من الموقف بالتظاهر بالإغماء وسقط مغشياً عليه بالفعل لينجو من غضب الملك، فأرسل فاروق طبيبه الخاص لفحصه، وكتب تقريراً للملك أكد فيه أنه تعرض لحالة عصبية سيئة دفعته ليقول ذلك، وأن هذه الحالة جعلته يفقد وعيه مؤقتاً.
ويبدو أن تقرير الطبيب وإن كان يحاول إنقاذ إسماعيل إلا أنه تسبب في زجه في مستشفى الأمراض العقلية، حيث أمر الملك بعلاجه، ومكث فيه 10 أيام.

زوجات
الزوجة الأولى في حياة إسماعيل ياسين كانت المونولوجست سعاد وجدي، واعترف بأنه وقع في حبها من أول نظرة، وعندما فاتحها في الزواج وافقت على الفور، ورغم مرور الأيام الأولى سعيدة إلا أنه قرر أن يطلقها بالثلاثة بعد أن اكتشف خيانتها في شهر العسل. والزيجة الثانية كانت من راقصة تدعى ثريا حلمي، وهي ليست المونولوجست ثريا حلمي، إنما تشابه أسماء، وانفصل عنها بعد أسبوع، بعد أن أرهقته بمطالبها المادية، وتتفوه بأبشع الألفاظ. وتزوج للمرة الثالثة والأخيرة من فوزية، أم ابنه الوحيد «ياسين»، ووقع في غرامها بعد أن رآها لأول مرة مع زوجة مدير المسرح وعلى الرغم من تحذير البعض لها بأنه زير نساء وتزوج وانفصل مرتين، لكنها بادلته الحب وكانت «وش السعد» عليه في حياته وكان يعاملها باحترام شديد.

المعاناة الحقيقية
شهدت فترة الستينيات بداية معاناة إسماعيل ياسين الحقيقية، حيث لم تصبح نوعية الكوميديا التي يقدمها جاذبة كما كانت مع تحولات المزاج العام لجماهير السينما، ودخول عالم الكوميديا أسماء جديدة أبرزها ثلاثي أضواء المسرح «سمير غانم وجورج سيدهم والضيف أحمد»، ونتج عن ذلك انصراف المنتجين والمخرجين عنه. وآخر فيلم قدمه إسماعيل كبطل «العقل والمال»، أمام مديحة كامل عام 1965، ولكن لم يحظَ بنفس نجاحات أفلامه وتراجعت أسهمه وعاد بعدها بسنوات، ليشارك بأدوار ثانوية في أعمال، منها «فرسان الغرام»، و«طريق الخطايا».

وكان آخر ظهور له في فيلم «عصابة النساء» مع صباح بدور صغير، مما اضطره للسفر إلى لبنان للعمل هناك في بعض الأدوار الصغيرة، وعمل مغني مونولوجات مرة أخرى، وعاد بعدها إلى مصر محطماً وقبل بأدوار لا تليق بتاريخه، بالإضافة إلى تقديم لبعض الإعلانات ومسلسل تلفزيوني. وفي محاولة لاستعادة بريقه أعاد إسماعيل نشاط فرقته المسرحية وقدم من خلالها مسرحية «اتفضل قهوة»، ولكنها فشلت، وبسبب ذلك حزن حزناً شديداً وتملكه الإحباط، وأصيب بالتهاب رئوي حاد دخل على إثره المستشفى، وتراكمت الديون وطاردته الضرائب.

«طرفة» أم كلثوم
إسماعيل ياسين له موقف شهير مع كوكب الشرق أم كلثوم، التي قابلته مصادفة داخل إحدى الصيدليات في الإسكندرية، وكان يقف بجوار الميزان وسألته عن وزنه، فقال 78 كيلو فقط، فقالت له مداعبة وهل الوزن يدخل ضمنه حجم فمك أم لا؟. فما كان من الفنان إلا أن قابل سخرية «الست» بسخرية مماثلة، وطالبها بأن تزن نفسها هي الأخرى قائلاً لها «أكيد الوزن هيبقى من غير صوتك لأن صوتك كبير وقوي».

الصدمة
كانت الصدمة الكبرى في حياة إسماعيل، عندما فوجئ بأن رصيده في البنك اختفى، حيث كان يمتلك 300 ألف جنيه، إلا أنه وجد جنيهين فقط، بعدما حجزت الضرائب على رصيده، وهو ما تسبب في إصابته بالشلل النصفي لأسبوع واضطر إلى العمل في الكباريهات من أجل كسب المال والمعيشة، وساءت أحواله أكثر، وأصيب بمرض في المعدة والنقرس.
وفي ظل كل ذلك، عرف الاكتئاب طريقه إلى ياسين حتى فارق الحياة يوم 24 مايو عام 1972، وانتهت مسيرته التي أضحكت الجميع بالحزن.