هناء الحمادي (أبوظبي) 

جدران بيوته لا تزال تنبض بأصوات سكانها الأوائل، فيما تفوح رائحة البخور التي تعبق في المكان الذي ارتفعت براجيله، المشيدة من الحجر المرجاني والجص وسعف وجذوع النخيل، كل ما في المكان يشهد على تاريخيه. 
البستكية حي تاريخي من أحياء دبي، حالياً يعرف باسم «حي الفهيدي التاريخي» شرقي المدينة في بر دبي.. كل من يزور حي الفهيدي التاريخي سيقف متأملاً الحياة التقليدية التي كانت سائدة في دبي .

  • عيسى البستكي يتحدث عن ذكرياته في الفريج (تصوير: أفضل شام)

رحلة إلى الماضي
الدكتور عيسى البستكي رئيس جامعة دبي، الحاصل على الدكتوراه من الولايات المتحدة الأميركية، والمتخصص في هندسة الاتصالات، يقول عن ذكريات فريج الفهيدي، إن الفريج أحد الفرجان التراثية القديمة التي تأخذ من يزور المكان حالياً في رحلة إلى الماضي، ما بين الشوارع التاريخية والمباني التقليدية والأجواء العربية الأصيلة، ويشعره بأنه في جولة داخل متحف في الهواء الطلق، لما يتميز الفريج من البيوت التقليدية  والأبواب الخشبية المنحوتة، التي ما زالت محافظة على طابعها.

أسرة واحدة
وعن الحياة قديماً والذكريات العالقة في ذاكرة البستكي في الفريج، أضاف:  أحن لهذه الأيام، التي ترجع بذاكرتي إلى طفولة المكان وأصدقاء الفريج  والحياة، التي مررت بها مع أفراد عائلتي، فالجميع في الفريج أسرة واحدة، ويظهر ذلك من خلال روح المحبة، التي تميز ساكني الفريج، الذي يتسم بضيق السكيك وتقارب البيوت، موضحاً أن ما  يميز الفريج مشهد «البراجيل» التي تستخدم للتهوية في الصيف. 
 وعن ذكرياته في شهر رمضان يذكر البستكي: كانت جدتي تشعل النار لإعداد السحور وكنا نجتمع بجانبها للتدفئة وتناول السحور  في جو مليء بروح الأسرة، التي تحث على أهمية تناول السحور برغم صغر سني، غير ذلك كنت أذهب إلى المدرسة وأنا صائم، وكان السؤال الذي يتكرر كثيراً مع أصدقائي في الصف هل أنت صائم؟ ليكون الرد نعم، ولكن للتأكيد كانوا يطلبون مني إظهار الدليل من خلال إخراج اللسان للتأكد من صحة كلامي، وهذه  كانت علامة الصيام عند جميع الأطفال في  ذلك الزمن. 

مجلس جدي 
ويضيف: في رمضان كان عدد غرف  بيتنا 10 ومن بينها غرفة خصصت لتكون  «مكتبة» وهي المكتبة الوحيدة التي يمكن لأهل الفريج زيارتها وقراءة الكتب فيها وكنت أفتخر بوجودها، كما كان يوجد مجلس جدي عبد الرزاق البستكي، الذي كان مفتوحاً للضيوف ولكل من يزوره من الرجال المعروفين من أهل الفريج، حيث كان يدار فيه الكثير من النقاشات والحوارات عن أمور الحياة وفي التجارة  وكان يستقبل الجميع في رمضان والأعياد والأيام العادية .. بينما نحن الأولاد، فبين السكيك كنت أنا وزملائي سواء في رمضان أو في الأيام العادية  نمارس الكثير من الألعاب  التراثية التي كان فيها التنافس بحماس بين الغالب والمغلوب،  وكانت من أهم الألعاب التي نمارسها نحن الصبيان مثل لعبة التيلة، والزبوت، ولعبة قليلي ماطوع، ولعبة المسطاع، ونظراً لقرب بيتنا من «البراحة» بمعنى ساحة كبيرة خالية من البيوت، كنا نمارس كرة القدم مع عيال الفريج أو الفرجان الأخرى، مشيراً إلى أن كل ذلك ذكريات عالقة في الذهن، رغم مرور السنين وتغير المكان والزمان.