طه حسيب (أبوظبي)

لطالما شكّلت الإذاعة وعي الأجيال وقدمت المعلومة والخبر والترفيه والتوعية، وارتبطت ولا تزال بمخيلة الجماهير، خاصة عند أحداث كبرى ومحطات مفصلية في حياة الشعوب. ولا تزال أيضاً رافداً إعلامياً مهماً قادراً على الصمود أمام التقدم التقني الهائل في وسائط الاتصال، واستطاع المطور التقني توفير حواضن رقمية جديدة للمادة المسموعة، من أهمها تطبيقات البودكاست التي تسمح للمتلقي سماع المحتوى في أي مكان وفي الوقت الذي يريده، لتضمن بذلك استمرار الإذاعة رغم الطفرة الرقمية المتسارعة.
وإيماناً بأهميتها في بناء وعي المجتمعات، أعلنت الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم «يونسكو» عام 2011 تخصيص يوم 13 فبراير يوماً عالمياً للإذاعة، واعتمدت ذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2012. وتؤكد اليونسكو أن «الإذاعة تواصل مسيرتها كونها واحدة من أكثر الوسائط الموثوقة والأكثر استخداماً في العالم. وبالتالي فإن شعار نسخة 2022 من اليوم العالمي للإذاعة هو: الإذاعة والثقة».

إكسبو..بودكاست الشباب
الحدث العالمي الأبرز في الشهور الخمسة الماضية، «إكسبو2020 دبي» بشعاره الملهم «تواصل العقول وصنع المستقبل»، احتفى بـ«البودكاست»، ففي الرابع من ديسمبر الماضي، انطلقت من «جناح الشباب» في إكسبو فعاليات «البرنامج التدريبي لبودكاست الشباب العربي»، بمشاركة مواهب شبابية من الإمارات والسعودية والبحرين وسلطنة عُمان ومصر والمغرب والجزائر وتونس، وموريتانيا، والصومال، وجزر القمر، ولبنان، والأردن، والسودان، والعراق، وسوريا وفلسطين واليمن، ضمن خطوة تعكس اهتماماً قوياً من «مركز الشباب العربي»، ومن معالي شما المزروعي، وزيرة الدولة لشؤون الشباب، التي أشارت خلال الفعاليات إلى أن «البودكاست يتميز في عالم المحتوى الرقمي الهائل اليوم كونه وسيطاً مباشراً يخاطب فكر المستمع وعقله، ويعتمد في نجاحه على المحتوى القوي، المبني على المعرفة والمصداقية والتنوع والشمول والانفتاح على مختلف الآراء في الطرح. وهذا يجعله، منبراً للشباب العربي لإيصال صوته والتعبير عن نفسه من جهة، وتحقيق دخل ومسيرة مهنية من جهة ثانية». 

إذاعة على الشبكة العنكبوتية
التدوين الصوتي بات الآن أشبه بإذاعة خاصة على الشبكة العنكبوتية، تسمح للمستمع بالوصول إلى المحتوى والرجوع إليه وقتما يريد، بما يحفز طاقات صُناع المحتوى ويضعهم أمام تحديات الجودة، كونها الكفة التي ترجح جاذبية هذا النوع من التطبيقات، خاصة في ظل التزاحم في المنتجات الإعلامية الأخرى المرئية، والتي تحمل عناصر الجاذبية البصرية والصوتية معاً. وفي الواقع أضاف «البودكاست» زخماً جديداً للإذاعات، وجعل محتواها قادراً على الوصول للجمهور بأدوات جديدة ومبتكرة، خاصةً لجيل الشباب.
 
نمو المتابعين
وترصد شركة «ماركتيرز» البريطانية المتخصصة في العلاقات العامة الإذاعية نمو متابعي تطبيقات البودكاست، مشيراً إلى أنه في عام 2016، استمع حوالي ثلاثة ملايين شخص في المملكة المتحدة إلى بودكاست واحد في الأسبوع، وفي عام 2018 كان ما يقرب من خمسة ملايين. الآن، تشير الإحصائيات إلى أن 11 بالمائة من سكان المملكة المتحدة يستمعون إلى بودكاست واحد على الأقل كل أسبوع.
 وحسب موقع «إي ماركتير» المتخصص في بيانات العالم الرقمي، تتصدر الولايات المتحدة العالم في مستمعي البودكاست عبر كل فئة. ويرصد تقرير نشره الموقع أنه في عام 2021، كان 117.8 مليون أميركي مستمعين شهرياً للبودكاست، وهو ما يمثل 40.0% من جميع مستخدمي الإنترنت. تحتل السويد المرتبة الثانية من حيث الانتشار، حيث سيستمع 34.6% من مستخدمي الإنترنت إلى البودكاست هذا العام. سيكون التبني واسع الانتشار بالمثل في النرويج وأستراليا وكندا وإسبانيا. من حيث القيمة المطلقة، ستحتل الصين والبرازيل المرتبة الثانية والثالثة في إجمالي مستمعي البودكاست (85.6 مليون و39.2 مليون شخص، على التوالي)، ويرجع ذلك أساساً إلى عدد سكانهما الضخم.
التقرير الذي شمل 18 دولة في أوروبا وآسيا والأميركيتين، (الولايات المتحدة الأميركية وكندا والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والدنمارك وفنلندا والنرويج والسويد وأستراليا والصين واليابان وكوريا الجنوبية والأرجنتين والبرازيل والمكسيك)، استنتج أن عدد مستمعي البودكاست في هذه الدول ازداد شهرياً خلال عام 2021 بنسبة 15.5%، ليصبح المجموع 383.7 مليون. وتوقع التقرير ارتفاع عدد المستمعين مرة أخرى خلال العام الجاري إلى 424.2 مليون مستمع.
ويعد اتحاد إذاعات الدول العربية من أعرق مؤسسات العمل العربي المشترك التابعة لجامعة الدول العربية، وينظم سنوياً المهرجان العربي للإذاعة والتليفزيون، فعالية مهمة تساهم، حسب هدف المهرجان، في تطوير الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني العربي ورصد الاتجاهات المبتكرة والجادّة في الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني العربي وتشجيعها في سبيل تنمية الطاقات الإبداعية العربية في هذا الميدان. ويكتسي المهرجان أهميته من خلال مشاركة ممثّلي الهيئات المنضوية في عضوية الاتحاد، وما تتضمنه من تخصصات في مجالات الإخراج والإنتاج وإعداد البرامج، إضافة إلى شركات الإنتاج العربية الخاصة ووكالات الأنباء والمحطات الإذاعية والتلفزيونية الأجنبية الناطقة باللغة العربية، وأيضاً الشبكات الإذاعية والتلفزيونية الخاصة والاتحادات الإذاعية والتلفزيونية العالمية.‎ 

  • لبنى الخولي

حضور قوي في «مهرجان الإذاعة»
وشهدت الدورة الحادية والعشرون لمهرجان العربي للإذاعة والتليفزيون، حضوراً للبودكاست، حيث كانت الجائزة الفضية، عن فئة «برامج الخدمة العامة» لبرنامج «نفسيتي» من إنتاج قناة «سكاي نيوز عربية»، التي يتم بث حلقاته على المنصة الإذاعية للقناة وأيضاً تتم إعادة بثه كاملاً على تطبيق «بودكاست»، وتعده وتقدمه الإعلامية لبنى الخولي، وحصل البرنامج على هذه الجائزة لتميز إحدى حلقاته التي تناولت الطرق الممكنة للحفاظ على الصحة النفسية بعد سن التقاعد، وتركز حلقات البرنامج على الاهتمام بالإنسان والعوامل التي تؤثر عليه نفسياً واجتماعياً، من خلال متخصصين، وعبر تفاعل مع الجمهور، الذي يستطيع الاستفادة من التوصيات والنصائح السريعة من خلال متابعة البرنامج. 
وأكدت لبنى الخولي مقدمة برنامج «نفسيتي» الحاصل على الجائزة الفضية في مهرجان الإذاعات الغربية في نسخته الأخيرة، أن  الإذاعة مازالت  تتربع على عرش وسائل الإعلام وتتجدد وتحدث من نفسها وفق المعطيات الجديدة فالإذاعة تخترق الوجدان. 
البودكاست مولود جديد من رحم الإذاعة،   نَفسٌ جديدٌ خرج للنور، وجاء ليكمل مع  للإذاعة مشوارها الإعلامي فهو مكتبة صوتية متاحة في أي وقت وفي أي مكان في كل التخصصات.​

تاريخ عريق
يقول ماريو مانيفيتش، مدير«مكتب الاتصالات الراديوية في الاتحاد الدولي للاتصالات»، إن اليوم العالمي للإذاعة، الذي يحل في 13 فبراير من كل عام يحتفي بمساهمة الإذاعة في مجتمعنا وقدرة الإذاعة على التأثير في الحياة، وهو فرصة لزيادة الوعي بأهمية البث الإذاعي ودعم الوصول إلى المعلومات. وطوال تاريخه البالغ 157 عاماً، لعب الاتحاد الدولي للاتصالات دوراً حاسماً في النهوض بالإذاعة، عبر تحديث اللوائح والمعايير الدولية بشأن استخدام طيف الترددات الراديوية. ويرصد لنا «مانيفيتش» محطات مهمة في تاريخ ظهور البث الإذاعي، الذي بدأ عندما أرسل الروسي ألكسندر بوبوف واستقبل إشارة لاسلكية عبر مسافة 600 متر في عام 1895. وفي عام 1901، أرسل العالِم الإيطالي غوغليلمو ماركوني أول إشارة راديو عبر المحيط الأطلسي. وفي عام 1906، قام المخترع الكندي- الأميركي أوبري فيسيندين بأول بث صوتي وموسيقي في العالم. تطور البث الإذاعي إلى شكل فريد من أشكال وسائل الإعلام منذ نشأته مع الدور الاجتماعي المهم المتمثل في نشر المعلومات والمواد الترفيهية والتعليمية لجمهور واسع.