أحمد شعبان (القاهرة)

تعتبر صناعة الصدف أو «التصديف» من أشهر الفنون التراثية وأجود الصناعات اليدوية وأعرقها في مصر منذ آلاف السنين، حيث برع الفنانون المصريون في صناعة الصدف بطريقة أذهلت العالم أجمع.
و«التصديف»، هي إحدى الحرف التراثية التي لها أصول مصرية وفرعونية قديمة، ويعتبر الفراعنة سادة هذه الصناعة، وتؤكد التوابيت الفرعونية الخشبية المُطعّمة بالأصداف التي عثر عليها منذ نهايات القرن التاسع عشر، وتضمنت نقوشاً مُبهرةً، لا تزال تحتفظ بألوانها الزاهية رغم تعاقب العصور.

والصدف عبارة عن قشور حيوانات أو قواقع بحرية يتم استخراجها من البحار والأنهار، وبعد إزالة اللؤلؤ يتم إزالة القشور التي تكون موجودة على سطح الصدف، وبعدها يتم العمل على قصه بواسطة ماكينة خاصة وتشكليه بطرق مختلفة ليتم استخدامه بعدها، ويأتي الصدف الطبيعي من العديد من الدول أهمها: أستراليا وسلطنة عمان واليابان، ويتم استيراد الصدف الأخضر من نيوزلندا. 
وتتواجد الآن المُنتجات المُطعمة بالصدف بكثرة في حياتنا اليومية، حيث دخلت في صناعة الأثاث كحلية في غرف النوم والصالونات والصناديق الخشبية «الشكمجية» والبراويز والطاولات، بالإضافة إلى تزيين الأبواب والنوافذ في دور العبادة المساجد والكنائس.

ويتم صنفرة الصدف بعد استخراجه حتى يصبح ذا ملمس ناعم، ثم يُقطّع إلى شرائح رفيعة تسمى الواحدة منها «مبرزة»، ويصل سمكها إلى 2 و3 ملم، ثم توضع إلى القطع المطلوبة بأشكال معينة سداسية أو ثمانية أو أي أشكال أخرى على حسب التصميم الذي يسعى المزخرف إلى تزيينه.

أنواع
هناك عدة أنواع من التصديف تختلف من حيث أحجام الصدف أو أشكاله أو طريقة تزيينها، فهناك التصديف العربي والمشجر والهندسي، وفي هذا التصديف الهندسي لا يتم استعمال أصداف كبيرة، وإنما يتميز هذا النوع بصخر أحجام القطع الصدفية التي تزين العلب.

وبالنسبة للتصديف المشجر نجد أنه يُستعمل في تزيين القطع الكبيرة مثل الصناديق، ويقصر استعماله عليها فقط أي تزيين الكراسي والقطع الخشبية الكبيرة والتي عادة ما تصدر إلى الخارج بأسعار خيالية، نظراً لحاجة السوق الأجنبية لهذه الحرف اليدوية.

«ساقية منقدي»
من أشهر القرى المصرية التي يعمل أغلب سكانها بحرفة التطعيم بالصدف قرية «ساقية منقدي» في مركز أشمون بمحافظة المنوفية شمال مصر، وتضم العشرات من الورش الخاصة بهذه الحرفة التي توارثها الأبناء عن الأجداد هناك، حيث يُشارك فيها الكبار والصغار بمهارة وحرفية عالية، للحفاظ عليها كمهنة تراثية وباب رزق لكثير من أهل القرية.

وأطلق على قرية ساقية منقدي «قلعة الصدف»، حيث يقصدها الكثير ممن يحبون صنع أجمل القطع الخشبية المشغولة بالصدف، وأصبحت القرية مزاراً للسُياح للشراء والتمتع بمشاهدة هذه المنتجات الحرفية الفنية أثناء تصنيعها في الورش المنتشرة بالقرية.

رَبع السلسلة
في رَبع السلسلة بخان الخليلي في العاصمة المصرية القاهرة، وهي منطقة على بعد خطوات من شارع المعز لدين الله الفاطمي، وتشتهر بإنتاج المصنوعات والمشغولات الفرعونية والفضية والنحاسية، تقع ورشة وجيه يوسف صاحب ورشة صناعة وتطعيم الأنتيكات والعلب بالصدف.

ويروي وجيه لـ «الاتحاد الأسبوعي» قصة هذه الورشة العتيقة مع فن صناعة الصدف فيقول: «توارثت هذه الصناعة التراثية والفنية عن والدي، رحمه الله، في هذه الورشة التي كان يمتلكها، ونقوم بإحضار المادة الخام من الصدف سواء كان طبيعياً من البحار، وهو غالي الثمن يتم استيراده من الخارج، أو صناعياً من البلاستيك وهو المنتشر الآن بكثرة لرخص ثمنه، ثم نُصنع التحفة الخشبية المُراد تطعيمها وتزيينها بالصدف، سواء كانت قطعة أثاث أو بروازاً أو علب مجوهرات ومصاحف». ويقوم وجيه بعد ذلك بتشكيل ورسم الصدف على هذه المنتجات الخشبية بأشكال هندسية جميلة تُعبر عن الفن الإسلامي والعربي الأصيل أو أشكال فرعونية، ويُثبت الصدف عليها بواسطة مادة لاصقة، ثم يقوم بصنفرتها وتلميعها وتنجيدها إذا كانت علباً حتى تخرج بهذه الصورة النهائية والتحفة الفنية الرائعة.

ولفت وجيه إلى أن معظم المنتجات التي تُصنعها ورشته يتم توزيعها على بازارات ومحلات خان الخليلي، وكذلك يتم ترويجها في بعض الفنادق السياحية بالقاهرة وبمدينة شرم الشيخ والغردقة، حيث يُقبل عليها السياح العرب والأجانب بصورة كبيرة.