يريد جميع الآباء تقريبًا أن يتصرف أطفالهم بشكل جيد وأن يكونوا سعداء. وتكمن المعضلة في أن المهمة في بعض الأحيان تبدو مستحيلة. يتغير الأطفال يومًا بعد يوم ومن سنة إلى أخرى.

وتتطور احتياجاتهم، وكذا احتياجات وقدرات الأبوين، تتغير بمرور الوقت، ومن ثم فإن المطالب الملقاة على عاتق الآباء والأمهات جميعًا والموارد المتاحة لديهم لتلبية تلك المطالب في حالة تغير مستمر، بخاصة في الفترات التي ينتشر فيها التوتر والقلق والاكتئاب بين الأطفال والبالغين لأسباب متعددة سواء مشتركة أو فردية، وفقا لما ورد في تقرير نشره موقع "Psychology Today".

وعلى الرغم من أن أساليب التربية والتنشئة والأبوة والأمومة تتطور بوتيرة مستمرة، إلا أن هناك ثلاث ركائز تعود إلى القرن الماضي ولم تتغير واحتفظت بنفس الإجماع من قبل الأبحاث حول الأسرة، وهي كما يلي:

• الأبوة والأمومة الفعالة توازن بين الدفء والطلب
• التربية الجيدة ليست قسرية
• من المرجح أن يتبع الأطفال القواعد التي يعتقدون أنها عادلة وشرعية 

 
التوازن بين الدفء والمطالبة
يشير أسلوب الأبوة والأمومة إلى الجو العام الذي يستخدمه الآباء لكسب تعاون أطفالهم. تتكيف الأبوة والأمومة الفعالة مع الطفل - فنحن لا نربي طفلنا البالغ من العمر عامين مثلما نفعل عندما يبلغ سن 12 عامًا. كما تساعد الأبوة والأمومة الفعالة الطفل على التكيف مع احتياجات الآخرين. يتعاون الأطفال السعداء والناجحون مع الآخرين ويتصرفون بشكل مختلف في الفصل عن الملعب.

 

     
تجمع الأوصاف الأكثر استخدامًا لأسلوب الأبوة بين بعدين أساسيين:

1. يشير الدفء أو الدعم إلى شعور الطفل بأن الأبوة والأمومة موجودة من أجله. ويمكن الصياغة بعبارة أخرى ملخصة هي "الحب غير المشروط"، إذا يعرف الطفل أن والديه يحبونه لنفسه وسوف يدعمونه ويحمونه من الأذى. إن جميع الدراسات العلمية على الإطلاق، في كل قارة وفي كل ثقافة، تُظهر أن الأطفال يبلون بلاءً أفضل عندما يشعرون بأنهم محبوبون دون قيد أو شرط.

2. إن المطالبات هي بناء أكثر تعقيدًا، حيث تشير إلى فكرة أن الآباء لديهم توقعات لسلوك الطفل الذي يعلمونه أو يعززونه باستمرار. ويجب ملاحظة أن الطلب يعني أن الآباء يعلمون وينقلون المعايير إلى الطفل وأنهم يفرضونها، فهم يوضحون للطفل عندما يكونون في حالة جيدة وعندما لا يفعلون ذلك.

إن الآباء الموثوقون داعمون ومتطلبون. يميلون إلى أن يكون لديهم أطفال يثقون بأنفسهم ويحبهم أقرانهم والبالغون ويحسنون أدائهم في المدرسة ولا يواجهون الكثير من المشاكل. أما الآباء المتساهلون فهم يتمتعون بدفء مرتفع، لكنهم منخفضون في الطلب. يريدون أن يتصرف أطفالهم ولكن لا يعلمونهم بشكل فعال التصرف أو فرض السلوك الجيد. في المقابل يكون الآباء الاستبداديون مرتفعون في الطلب ولكنهم منخفضون في الدعم.

يميل أطفالهم إلى الامتثال للقواعد ولكن لديهم ثقة أقل بأنفسهم وأكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب.
ومن المثير للاهتمام أن الأطفال يصفون والديهم الموثوق بهم بأنهم الأكثر دعمًا. على الرغم من أنهم لا يحبون دائمًا قواعدهم، إلا أنهم يرون أن القواعد علامة على قيام والديهم بعملهم وأن والديهم يهتمون بهم. إن الآباء الموثوقون هم أكثر دعمًا من الآباء المتساهلين. ومن المألوف أن ينفصل الآباء المتساهلون إلى حد ما. إنهم يريدون أيضًا أن يُحسن أطفالهم التصرف، ولكن لأنهم لا يعملون بشكل فعال لتحقيق ذلك، يمكن أن ينزعجوا أو يغضبوا عندما لا يتبع أطفالهم القواعد والسلوك المناسبين.

         
وبالمثل، يضع الآباء الموثوقون قواعد أقل إلى حد ما من تلك التي تفرضها الأسر الاستبدادية، لكنهم في الواقع أكثر صرامة، لأنهم يفرضون القواعد التي يضعونها.

ويخلص الخبراء إلى أنه من المرجح أن يتبع الأطفال القواعد في حالة:
• توصيل ماهيتها بوضوح
• ترك مساحة للأطفال كي يعرفون متى يتابعونهم ومتى لا يتابعونهم
• التأكد من أنهم يعرفون أن الآباء والأمهات يحبونهم مهما حدث

التربية الجيدة ليست قسرية
إن البعد الثالث المستخدم لوصف أسلوب الأبوة والأمومة هو منح الاستقلالية، لأن منح التحكم الذاتي هو الوجه الآخر للأساليب القسرية. على الرغم من أنه تم دراسة هذا التوجه منذ ثلاثينيات القرن الماضي ودراسته فيما يتعلق بأسلوب الأبوة والأمومة منذ الستينيات، إلا أن الباحث براين باربر قد قام بإبراز هذه الفكرة بالفعل من خلال عمله على الأبوة والأمومة القسرية.

يحاول الآباء القسريون السيطرة على أطفالهم من خلال التلاعب بإحساس الطفل بذاته. إن هناك عدة طرق يقترفها الآباء وجميعها خاطئة وسلبية، مثل:
• "إذا كنت تحبني حقًا، فستفعل ما أقوله."
• "الأولاد الطيبون لا يتصرفون هكذا."
• "إذا قمت بذلك مرة أخرى، فلن أحبك".

إن التحريض على الشعور بالذنب أمر شائع بين الآباء الذين يمارسون الإكراه. كما أن هناك العديد من الطرق الدقيقة التي تجعل من الوالدين الموافقة والحب والاحترام الإيجابي مشروطة بالتصرف بطريقة معينة. يمكن تعريف كل منها على أنها أحد أساليب الأبوة والأمومة القسرية.

     
في أساليب التربية القسرية، يكون استحقاق الحب أو أن يكون الطفل شخصًا صالحًا مرتبطًا بالامتثال للوالدين. لكن في حقيقة الأمر إن الأبوة القسرية هي عملية تلاعب، ولا يكون من المستغرب أن يميل الأطفال، الذين يعانون من الأبوة القسرية، إلى الشعور بالسوء تجاه أنفسهم، حتى عندما يبدون ظاهريًا وكأنهم بخير.

الأبوة الفعالة شرعية ومحدودة
إن الآباء الموثوقين صارمون، لكنهم يضعون قواعد أقل مما هو عليه الحال مع الآباء الاستبداديين. إن قواعدهم أكثر استهدافًا وإنفاذًا بشكل أكثر اتساقًا. على وجه التحديد، يميل الآباء الموثوقون الفعالون إلى ممارسة السلطة الشرعية.

يعتقد جميع الأطفال تقريبًا أنه يجب على الآباء وضع قواعد تحافظ على سلامتهم (لا تلعب بالكبريت!)، وتساعدهم على أن يكونوا أفضل، وأكثر أخلاقية ( لا تضرب أختك!)، وتهدف إلى تعليمهم التكيف مع الثقافة الكبيرة (ارتدِ ملابس مناسبة!). يرى الأطفال وضع القواعد في هذه المجالات - التحوطية والأخلاقية والتقليدية - كجزء من عمل والديهم، وهو ما يسمى مساحات "السلطة الشرعية".

لا يعتقد الأطفال (وأولياء أمورهم) في كثير من الأحيان أن للآباء الحق في التحكم في المجالات الشخصية البحتة في حياة الأطفال مثل: لونهم المفضل أو من هم أصدقاؤهم أو ما يفعلونه خلال أوقات اللعب في متنزه أو نادي.

ومن المثير للاهتمام أن وضع القواعد الشرعية يجعل الأطفال أكثر عرضة للاستماع إلى الوالدين وطاعتهم. ويكون لهذا النهج فوائد عديدة على المدى الطويل. من المرجح أيضًا أن يتفق الأطفال مع والديهم عندما يضعون قواعد شرعية، لذلك لا يتعين على الآباء الجدل والنقاش باستمرار حول مشكلة ما لأن الآباء وأبنائهم، بخاصة المراهقين، يكون لديهم مساحة من التفاهم والثقة المتبادلة.