سلطان الحجار (أبوظبي)

تندرج رواية «الباب المفتوح» للكاتبة والأديبة المصرية لطيفة الزيات، ضمن قائمة أفضل 100 رواية عربية، تُعد البداية الفعلية التي فتحت الطريق أمام الرواية الواقعية للكاتبات المصريات، تمثل بشكل كبير الواقع الذي كان موجوداً في مصر خلال فترة الخمسينيات في القرن العشرين، وكشفت مدى ترابط الشعب المصري في ذلك الوقت أمام الاحتلال الإنجليزي، وقد تم إنتاج الرواية كفيلم سينمائي للمخرج هنري بركات.
تُعد الرواية، التي طبعت عام 1960، ضمن تصنيف الروايات الرومانسية السياسية، وتدور أحداثها خلال الفترة بين 1952 و1956، والبطل الحقيقي في القصة هي المرأة، لتظهر الرواية كانعكاس للواقع والأوجاع التي تعاني منها النساء، فقد ناقشت فكرة الحرية على أنها حق من حقوقها سواء الحرية الفكرية أو الحرية الثقافية أو الحرية العاطفية، فالمرأة، من وجهة نظر الكاتبة، لها الحق في اختيار مصيرها لأنها هي وحدها ستعيش فيه وليس أحد غيرها، وقد ربطت الكاتبة بين الوطن والمرأة حيث كان مصير البطلة (ليلى)، مرتبطاً بتحرير الوطن والرغبة في الحرية والذي لن يتحقق إلا بالنضال. 
الرواية أعيد نشرها مرة أخرى عام 2015، وفي بداية نشرها لم تحقق نجاحاً كبيراً، ولكن تم اقتباس القصة الخاصة بالرواية وتحويلها إلى فيلم سينمائي، وسرعان ما بدأت في الانتشار بشكل تدريجي، وتعد هي الرواية الأولى في مصر التي تتولى كتابتها روائية مصرية.

تبدأ أحداث الرواية مع مظاهرات عام 1946، مروراً بدور الحركة الوطنية، وشباب الفدائيين، وقيام ثورة 1952، وما تبعه من أحداث العدوان الثلاثي، وأخيراً معركة بورسعيد، وتحطيم تمثال ديليسبس كرمز للانتصار على الاحتلال، الذي جاء بعد تأميم قناة السويس.
ومع الأحداث، قدمت الكاتبة قصة حب بين (ليلى) و(حسين)، وفيها يود الطرفان السمو بها وبأنفسهما، حب ترغب الكثيرات في إيجاد مثله، للارتقاء إلى مستويات أعلى في بستان العشق والعاطفة الصادقة.
نرى «ليلى» متوهجة وهي تقود مظاهرة تمتزج فيها بالجماهير الثائرة، ثم يأتي حريق القاهرة 1952، متزامناً مع انهيار «ليلى» الشخصي عند اكتشافها زيف منْ حولها، ولكن عند انتهاء حكم الملك فاروق، ثم تأميم القناة، تستعيد «ليلى» بوصلتها الاجتماعية، فتعيد إضاءة الشمعة المُطفأة بداخلها، والتي تسطع بقوة عند محاربتها العدوان الثلاثي بالقناة.

ثراء الشخصيات
وتمتاز الشخصيات في «الباب المفتوح» سواء الرئيسة أو الثانوية بوجه عام، بالتنوع والثراء والصدق والإقناع في المواقف التي يتخذونها وفقًا لتصوير الكاتبة لفلسفتهم الخاصة تجاه الحياة، هذا فضلاً عن التوافق مع الأحداث والحركة الدرامية.
(ليلى) الشخصة الرئيسة جاء كلامها ينبض بالجرأة، صادقة العاطفة، مقبلة على الحياة، قادرة على الحب والعطاء، ثم جاءت محنتها التي حولت الدفة، فغرقت تائهة وسط الأمواج، تبحث عن خلاصها، عن معنى لوجودها، فغرقت في نفسها، حتى اكتشفت أن النجاة في الانصهار في قضية أكبر، قضية الجموع، قضية الوطن.
عثرت (ليلى) على هدف أكبر من الدائرة الصغيرة الخانقة التي تطبق عليها، وما أن عثرت على هدفها وتمسكت به ودافعت عنه بالحيلة في بداية الأمر، حتى وجدت نفسها تتحرر في دائرتها الصغيرة، وتحقق هدفها الصغير مع هدفها الأكبر، لتخرج من سجن الأصول والعادات والتقاليد البالية، وتشعر بذاتها الحقيقية، وتتخلص من خوفها، عبر «الباب المفتوح»، في اتجاه مواز يجمع بين تحرر المرأة وتحرر الوطن.

غربة وخوف
خلال أحداث الرواية تعيش «ليلى» تحت سيطرة العادات والتقاليد والتسلط الأسري والمجتمعي، هي نشأت مثل باقي الفتيات، تعاني من الغربة والخوف الداخلي مع أسرتها المتوسطة الحال، وهي تتطلع دائماً إلى أن تستقل بحياتها ولا تريد أن تكون مثل البقية من الفتيات، بعيداً عن أفكار الأسرة التي ترى أن الفتاة ليس لها الحق في الاختيار، حتى ولو كان شريك الحياة.
يحدث اصطدام بين ليلى ووالدها الذي يريد أن يضيق عليها الخناق، وأخيها الذي يتظاهر بالمساواة ولكنه دائماً ما يراها أقل منه في كل شيء، وها هو حبيبها الذي لا يراها إلا جسداً فقط، تحاول ليلى أن تتحرر من هذه القيود، وأخيراً تجد طوق النجاة في حسين الذي أحبها بشدة، والذي يحاول أن يحررها ويخلصها مما هي فيه، يريد لها أن تكون حرة مستقلة بكيانها، وبالفعل تنجح في التحرر والانضمام مع حسين في المقاومة الشعبية.
والرواية بحق أنثوية الوجهة، حيث إن بطلتها والمحرك الرئيس للأحداث فيها امرأة، لذا جاءت تنبض بمشاعر النساء وأوجاعهن في مواجهة كُل ما يدور حولهن، والغريب أنه بعد كُل تلك السنوات، مازلنا نكافح ضد المعتقدات والتقاليد التي جعلت من الخضوع صفة للمرأة.
وعبر سطور الرواية قدمت لنا الكاتبة مفهوم الحرية بصوره المختلفة، من خلال الربط بين حرية الفرد وحرية الوطن، بين قضية ونضال (ليلى) من أجل حريتها، وبين قضية مصر والنضال ضد المحتل.

تجارب مؤلمة
جاءت الشخصيات النسائية من أرض الواقع، مُعبِّرة بقوة عن الأوضاع والطبقات الاجتماعية المتعددة، وكانت أولى هذه الشخصيات «ليلى»، وهي صورة للفتاة المتعلمة من الطبقة الوسطى في النصف الأول من القرن العشرين، والتي تتذبذب بين الإيمان بما تعتقده وتؤمن به من قيم عليا، وبين ما تختبره من تجارب اجتماعية مؤلمة.
تتصادق ليلى مع نقيضيها، «سناء»، الفتاة القوية التي تحارب من أجل ما تؤمن به، «وعديلة»، الفتاة المنساقة تماماً للمجتمع بعاداته وأصوله، ومن الطبقة الوسطى أيضاً نجد والدة ليلى وخالتها، واللتين تقفان موقف الدفاع عن الأصول والتقاليد التي نشأتا عليها، متسلحتين بأدوات الخنوع والنفاق، أمّا ابنة خالة ليلى «جميلة» فهي أدركت أن جسدها هو ثروتها لتبيعه لمنْ يحقق لها غرضها، فتمثل الثمرة الفاسدة نتاج العادات والتقاليد البالية للطبقة الوسطى.
ومن الطبقة العليا نرى «سامية هانم» و«دولت هانم»، وهما سيدتان تتمتعان بنفوذ وقوة منحتها لهما مكانتهما الاجتماعية العالية، فعملتا على استخدام نفوذهما وقوتهما لكي تسيطرا على من هم أقل منهما شأنًا، ولذلك فهما على استعداد لفعل أي شيء، في سبيل عدم اهتزاز مكانتهما أمام المجتمع.
أما «سيدة»، فهي رمز للطبقة الأدنى في الرواية، وتعمل خادمة عند خالة ليلى، وبالتالي حدود طبقتها الفقيرة تُكبِّلها، وتُجرِّدها من فرديتها، وتجعلها مجرد جسد، يتمتع به من يمتلكها.

صور مُلوّثة
تحاول «ليلى» الخروج من هذه الصورة المُلوّثة، من خلال حبها النقي لـ«عصام» ابن خالتها، ولكنها تصطدم مع نظرته الشهوانية للمرأة واحتقاره لها وحصرها بمجرد جسد، فترتد على أعقابها مُنهارة، لا حائط لتستند إليه، ولا مأوى لتسكن به، لذلك تلوم نفسها، وتؤثر أن تلتزم بما يفرضه عليها المجتمع، فترتبط بـ«رمزي» أستاذها الجامعي الذي يرى أن المرأة صنفان، صنف يتم اشتهاؤه واللعب به ثم رميه جانباً، والصنف الآخر هو المرأة المطيعة المستسلمة بلا شخصية.
ومن خلال رحلة «ليلى» نرى أن للمجتمع طرقه في ترويض الأنثى، تبدأ بنظرات الازدراء والتباكي والتأنيب على البلوغ، ثم يتولّى رجال العائلة مسؤولية وضع القيود الحديدية حول عنقها، ولا يهم إذا كان من بين هؤلاء الرجال منْ يؤمن بالحرية والمساواة، مثل «محمود» الأخ الأكبر لـ«ليلى».

ابتزاز
هناك أيضاً الابتزاز العقلي والعاطفي الذي مارسه كل من «عصام» و«رمزي» على «ليلى»، لكي يحصلا منها على مرادهما، «عصام» باشتهائه جسدها، و«رمزي» برغبته بكائن أضعف يتزوجه لكي يمارس عليه سلطانه.
نتيجة لكل هذا تقع «ليلى» فريسة للتذبذب، بين ما تؤمن به من قيم عليا، وما يفرضه عليها المجتمع من عادات مبتذلة تافهة، بين نظرتها البريئة لنفسها، ونظرة المجتمع الملوثة لكينونتها كأنثى، وبين رفضها لتبعية الرجل، والإعجاب الدفين به، وبالأخير تقع فريسة لكراهية الذات، وترتبط بـ«رمزي» ذي الأفكار الضاربة في رجعيتها وتخلفها واستبدادها، كعقاب ذاتي.
تبدأ «ليلى» في الخروج من هذه الدائرة الفاسدة في نهاية الرواية، وهي تقاوم العدوان الثلاثي في منطقة القنال، عندما تدرك أنها كفرد أصغر من الكل، وأن لها دورها الاجتماعي والقومي الذي يعلو على فكرة النوع البشري.

على شاشة سينما
تدور أحداث الفيلم السينمائي «الباب المفتوح»، إنتاج عام 1963، حول «ليلى» (فاتن حمامة) التي تعيش في أسرةٍ متوسطة، وتحاول أن تثور وتشارك في المظاهرات، لكن يكبحها والدها بعنف ويعاقبها بشدة.. تقع في حب ابن خالتها لكن سرعان ما تكتشف أنه لا يختلف عن أبيها كثيراً، فتتركه وتفقد ثقتها في المجتمع، وتقابل فيما بعد صديق أخيها الثوري والمنفتح (حسين) فتُعجب به، لكن تتعقد الأحداث بسبب الأحداث السياسية والاجتماعية، فتبدأ رحلتها من أجل إيجاد ذاتها بعيداً عن أفكار المجتمع المناقضة لما تؤمن به. 
الفيلم من ﺇﺧﺮاﺝ هنري بركات، سيناريو وحوار يوسف عيسى ولطيفة الزيات، ومن بطولة فاتن حمامة (ليلى)، حسن يوسف (عصام)، شويكار (جميلة)، محمود مرسي (د. فؤاد )، صالح سليم (حسين)، ومحمود الحديني (محمود). 
وبالرغم من خطابية الفيلم ومباشرته الشديدتين إلا أنه في الوقت الذي أنتج فيه يعتبر نقلة في التاريخ، وعلامة من علامات السينما النسوية، وفاز بجائزة أفضل فيلم في مهرجان جاكرتا السينمائي.

الكاتبة الثائرة
لطيفة الزيات (1923-1996)، كاتبة روائية كانت تعمل كأستاذة للأدب الإنجليزي في جامعة القاهرة، اشتهرت بكتابتها المناصرة والمنصفة للمرأة، استطاعت تحقيق شهرة كبيرة بروايتها «الباب المفتوح»، عندما قامت من خلالها بعرض أهم القضايا التي تواجهها النساء، حيث أرادت أن يتم فتح الباب لها وعرضها ومناقشتها، وترجمت روايتها إلى الإنجليزية، وفازت بأول دورة عن جائزة نجيب محفوظ للأدب في سنة وفاتها.
كان للطيفة الزيات العديد من المواقف في حياتها الشخصية من خلال مشاركتها في الحركة الوطنية، وتم انتخابها كأمين عام للجنة الوطنية وهي طالبة في عام 1946، قامت أيضا بالمشاركة في المقاومة الشعبية ضد الاحتلال البريطاني، تم اعتقالها عام 1981 أثناء تولي محمد أنور السادات الحكم، وقامت بكتاب يعرض ما تعرضت له أو بمعنى أدق سيرة ذاتية باسم «حملة تفتيش»، وفي عام 1996 توفيت الكاتبة الروائية تاركة وراءها إرثاً أدبياً كبيراً.
ومن أهم أعمالها الأدبية (مجموعة قصصية 1986)، وتتكون من «بدايات، الممر الضيق، الرسالة، على ضوء الشموع»، و«حملة تفتيش» (سيرة ذاتية 1992)،
ورواية «صاحب البيت 1994»، وغيرها.