حين تنظر لأحد الناجحين المتألقين في مجالهم، كبطل رياضي أو عبقري تكنولوجيا أو فنان بارع، يخطر ببالك فوراً فكرة الفروق الفردية.. هذا عبقري ولا شك، وهذا يتمتع بجينات تجعله أكثر تميزاً بيولوجياً عن غيره.. بل إن هناك من ولدوا ليجدوا الظروف مهيأة والفرص متاحة لنجاحهم.. هناك أمور لا يد للإنسان فيها، ولها دور لا يمكن إنكاره في تفوقهم.
كان الفنان العالمي الراحل «عمر الشريف»، يكرر دائماً أن نجاحه يعود للحظ.. فقد ولد ليجد نفسه وسيماً، من عائلة ميسورة، ألحقته بمدرسة جعلت لغته الإنجليزية جيدة، ما جعلهم يختارونه لفيلم لورانس العرب الذي فتح له أبواب «هوليوود» لاحقاً! فهل الحظ هو اسم اللعبة؟
«عبدالحليم حافظ» صادف في الشارع إعلامية شهيرة تسجل برنامجها الإذاعي، استضافته ليغني أغنية كانت السبب في اكتشاف موهبته.. فهل انفتحت له أبواب الشهرة بالحظ؟
«مايكل فيليبس» بطل أبطال العالم في السباحة ومحطم الأرقام القياسية.. هناك دراسات تتحدث عن تكوينه الجسماني وطول ذراعيه الذي أعطاه ميزة تنافسية تفوق أي سباح آخر.. هل نجح هو الآخر بالحظ؟
«بيل جيتس» كان والده محامياً ساعده في تسجيل حقوق ملكية ابتكاراته.. «مارك زوكبرج» قرر والده تعليمه البرمجة وهو في العاشرة من عمره.. «إيلون ماسك» والده مهندس ثري يمتلك منجم زمرد في زامبيا.. «آينشتاين» حرص والداه على أن يحظى بتعليم ممتاز، وفي سن المراهقة كان أستاذه الخصوصي هو عالم البصريات «ماكس تالماي» الذي عرّفه على فيزياء الضوء، التي أوصلته لاحقاً لجائزة نوبل!
ماذا عن الذين بدؤوا من الصفر؟
حين كان «محمد علي كلاي» في الثانية عشرة، سُرقت دراجته، فذهب لإبلاغ الشرطة.. وهناك هدأ الشرطي من روعه، ودعاه لممارسة الملاكمة في صالة الألعاب التي يمتلكها، كي يستطيع الدفاع عن حقه.. هناك تعرف - لأول مرة - على الملاكمة.. وهو ما يثير التساؤل: لو لم تسرق دراجته، هل كانت مسيرة حياته لتتغير؟
تزدحم الحياة بالأحداث المختلفة والظروف المتشابكة، ما يجعل كل موقف مفترق طرق يقود لمسار مختلف تماماً.. ماذا لو لو تقابل زوجتك؟ ماذا لو ولدت لأبوين مختلفين في بلد آخر؟ لكن ما الحظ إلا فرصة تجعل نقطة انطلاقك أكثر تقدماً من غيرك.. لكنك لو لم تثابر وتستمر في بذل الجهد، فلن يستمر نجاحك طويلاً.. لو لم تكن مستعداً ومؤهلاً أساساً لاستقبال هذه الفرصة والبناء عليها، فلن تكون ذات فائدة تذكر.. لو لم تكن مثل «آينشتاين» فلن تشعر بالاستمتاع لمدرس خصوصي يحدثك عن فيزياء الضوء.. لو لم تكن مثل «عبدالحليم حافظ»، فلن تغني بثقة وبراعة لأول مرة في حياتك أمام الملايين دون أن ترتبك.. لو كان الحظ هو السبب وحده، لانتهت الحكاية عند هذه المواقف التي ذكرتها..
من المهم أين بدأت.. لكن الأهم أين وصلت! مجرد تسجيل الحقوق الفكرية لـ «بيل جيتس» ليست السبب الوحيد لنجاحه.. ونجاح «محمد علي كلاي» ليس سببه تعرفه على الملاكمة فقط، بل المواظبة على التدريبات الشاقة المضنية التي قال عنها - هو نفسه - إنه كره كل لحظة فيها، لكنه استمر مثابراً في سبيل أن يعيش بطلاً لبقية حياته! هل يقوى كل شخص على ذلك؟
هناك فرص تأتي بالحظ فعلاً.. لكن هناك من يهدرها، وهناك من يكتفي بها، وهناك من يقتنصها ويبني عليها نجاحاً أكبر.
قد لا نتساوى في نقطة الانطلاق وتوافر الموارد.. إلا أن الفرص وحدها لا تحدد المآلات، فمنا من توافرت لهم الظروف وتكاسلوا، ومنا من أخلص في تطوير نفسه حتى أصبح مؤهلاً - أكثر من غيره - لاقتناص أدنى فرصة قد يلتقيها في طريقه كي يبني عليها نجاحاً أكبر.
باختصار..
ليس النجاح نقطة بدء، بل أسلوب حياة.