لكبيرة التونسي (أبوظبي)
البخور والعطور جزء لا يتجزأ من الثقافة الإماراتية والذاكرة الجمعية، وعنوان للكرم لا يخلو منه بيت. يزداد الإقبال عليهما خلال الأعياد والمناسبات السعيدة، وهما طقس متجذر وتقليد متوارث منذ القِدم لم يتغير إلى اليوم في المجتمع الإماراتي.
خامات
قالت خديجة الطنيجي، صانعة بخور وعطور: مارست هذه المهنة منذ أكثر من 40 عاماً، وهي تشكل جزءاً أساسياً من عادات وتقاليد المجتمع قديماً، لافتة إلى أن العطور تحتل مكانة كبيرة بين أهل الإمارات وارتبطت بحياتهم ارتباطاً وثيقاً، وهي دلالة على الذوق الرفيع، حيث صنعت المرأة عطورها بنفسها، واستغلت ما توفر لديها من خامات لتصنيع الأفضل.
خشب العود
أوضحت الطنيجي أنه في السابق كانت المواد المستعملة في صناعة البخور بسيطة وتقتصر على بعض الأنواع المتوفرة. كان خشب العود يُدق بطريقة يدوية باستخدام «المنحاز» و«الرشاد»، ثم يُنخل للحصول على مسحوق العود، ويضاف له ماء الورد ويعجن ويوضع في صوانٍ كبيرة، ويترك 3 أيام ليتماسك ويتخذ الشكل المطلوب، ثم يُضاف إليه المسك ويُقطع إلى مربعات، ويُغلف بورق الإسمنت ويربط بخيط، ليتم بيعه في الأسواق أو يهدى إلى الجيران والأصدقاء.

تدخين البيوت
أشارت خديجة الطنيجي إلى أن المرأة الإماراتية دأبت على تدخين بيتها وتعطيره، حيث كانت الجدات والأمهات يحرصن على تعطير ملابسهن وبيوتهن بشكل يومي، ويزيد الاهتمام به في المناسبات السعيدة مثل الأعراس والأعياد، أو خلال زيارة الضيوف في شهر رمضان. وهذه العادة مستمرة حتى اليوم، وذلك للحصول على الرائحة الطيبة المريحة للنفس، موضحة أن شهر رمضان الكريم كان يشهد تصنيع خلطات البخور والدخون لاستعمالها في تطييب البيت وتبخيره مباشرة بعد الإفطار، حيث يجتمع النساء والرجال في المجالس العائلية ومجالس الأصدقاء.
وقالت الطنيجي إنه مع التطور وازدهار التبادل التجاري بات استخدام دهن العود والعطور المركزة يتواصل طوال أيام السنة. ويُعتبر البخور في الإمارات من أهم الصناعات العطرية التقليدية التي برعت فيها الجدات واهتمت بإنتاجها وتطويرها، إذ يقبل الإماراتيون على العود وخلطاته ودهنه المركز، أي روح العود، ودهن العود يبقى في المقام الأول. وتُعتبر هذه العادة متوارثة عن الأجداد، حيث تعبر عن كرم الضيافة وحسن الاستقبال، كما تُعتبر من مظاهر الأناقة والوجاهة.

مهارة الجدات
أوضحت الطنيجي أن الجدات تميزن بصناعة أنواع مختلفة من البخور ومزجه بعدة أصناف من العطور والمسك والهيل ودهن العود والعنبر والعطور الفرنسية، حيث يخضع اختيار الروائح لذوق الصانعة، مع الحفاظ على روحه الأصلية. فهناك بخور يتم تحضيره من عجينة مكونة من حطب العود والمسك والعنبر، ويضاف إليها دهن العود وبعض العطور المميزة، وهناك أنواع على شكل أقراص مستديرة منها الجافة والسائلة، وأنواع عادية تعتمد جودتها على كمية العطور المستخدمة، وفق الطرق التقليدية.
«المخمرية»
ذكرت خديجة الطنيجي أنها ما زالت تواصل صناعة البخور بالطرق التقليدية، مؤكدة أن هذه الحرفة تنشط في المناسبات السعيدة والأعياد، حيث يرتفع الطلب على منتجاتها المختلفة التي يعبق بها البيت الإماراتي. وتستعمل العطور لتطييب البيت والملابس والمفروشات، كما كانت المرأة تبدع في صناعة أجمل «مخمرية»، وهي العطر الخاص بالشعر، وتتألف من المسك الأبيض والزعفران السائل ودهن العود والزباد وعطر الحناء والقليل من الملح، وسواها من المواد حسب ذوق كل سيدة. وأوضحت أن «المخمرية» الأصلية يتم تخميرها ودفنها تحت التراب أو وضعها في مكان مظلم مدة 40 يوماً، وكلما طالت المدة تميزت بالرائحة النفاذة، ويكثر الإقبال عليها في الأعراس.