آسبن (الاتحاد)
في إطار الاهتمام المتزايد بالقصص الإخبارية التي تتعلق بالمناخ، تستثمر مؤسسات إعلامية عملاقة، موارد ضخمة لتأهيل أطقم العاملين لتقديم تغطيات مميزة للتغيرات النوعية في أحوال الطقس بكل مكان في العالم. ويتابع الجمهور الآن بشغف هذا التطور الكبير والتحول الاستثنائي في التغطيات الإعلامية لظاهرة لم تكن تحظى باهتمام كبير من قبل.
وتقدم صحيفة واشنطن بوست بقيادة رئيسة التحرير سالي بوسبي تجربة رائدة ونموذجية في توسيع نطاق التغطيات الخاصة بالمناخ بطريقة مميزة جداً.
فالصفحة الأولى والواجهة الرئيسة للمنصة الرقمية، تذخران على الدوام بتغطيات غير تقليدية للمناخ باعتباره أولوية قصوى. 
وقبل أيام استضاف مهرجان آسبن للأفكار بولاية كولورادو الأميركية مجموعة من الصحفيين النافذين، لتبادل الأفكار والمقترحات بشأن كيفية تطوير التغطيات الإعلامية للقضايا المناخية.
قالت بوسبي رئيسة تحرير واشنطن بوست خلال المنتدى: ظلت القضية في السابق «كرة قدم سياسية» لفترة طويلة.. الآن نحن نحاول في الواقع التقاط ما نراه تغييراً في اهتمامات الجمهور ودفع ذلك إلى الأمام لإنجاز ما تحتاجه الصحافة الآن.

 وكانت «واشنطن بوست» قد أسست قسماً صحفياً جديداً للحلول المناخية ضمن أقسام الجريدة العريقة. بل قامت أيضا بتعيين »مدرب مناخي« للمساعدة في اطلاع المحررين إلى أفضل السبل في معالجة القضية. والهدف جعل القصص الإخبارية الخاص بالمناخ وتداعياته أكثر سهولة. قالت بوسبي خلال المنتدى: «لا يمكننا التحكم في اللحظات التي يهتم فيها الناس بموضوعات معينة.. ما نحاول القيام به هو، أنه في تلك اللحظات التي يتزايد فيها الاهتمام بقضايا محددة، علينا أن نكون حاضرين بمعلومات توضيحية جيدة». يتزامن ذلك، مع تصاعد الاهتمام في الصحافة الأوروبية أيضاً بقضية المناخ التي نجح اليسار الليبرالي في الدفع بها لصدارة الأولويات في خضم معركته مع اليمين المحافظ.
والمفارقة أن الزيادة في مساحة التغطيات المناخية جلب لبعض الصحف المزيد من الإيرادت، في ظل حرص الجمهور على متابعة القضية التي صارت هماً حياتياً للملايين عبر العالم. في هذا السياق، قامت بعض الصحف بتعيين محررين متخصصين في المناخ ، بل وعينت أيضا مراسلين خاصين في مناطق مثل الأمازون. وتشعر الصحف الغربية ببعض الرضا في هذا الصدد مع تزايد تعليقات القراء وردود فعل الجمهور بشأن التغطيات. 
وأجمع حضور المنتدى على أن تغير المناخ يؤثر على كل جوانب الحياة اليومية حولنا، من السيارات التي نقودها إلى الملابس التي نرتديها إلى الطعام الذي نتناوله. وبالتالي، فإنه يتعين أن يدرك الصحفيون أن كل حدث مهم لابد وأن له زاوية او تداعيات مناخية ومن ثم يتعين دوماً وضع النقاط على الحروف وربط الأحداث بالظواهر حتى يفهم الجمهور ما يحدث. وقالت المذيعة فانيسا هوك إنه حتى صناعة الأزياء مسؤولة عن نحو 10% من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية، مؤكدة أن »القطاع الذي يلوث الأنهار، ويجفف مصادر المياه، ينتهي الأمر ب 85% من جميع المنسوجات في القمامة كل عام».

 وقد أجمع الحضور على أن القيام بتغطيات جيدة لقضايا المناخ مازال يمثل تحديا للصحفيين على رغم الأهمية الملحة للقضية في العالم الآن. ويقول موقع «بوينتر» للصحافة في تقرير عن المنتدى إنه ربما كانت الصعوبات التي تواجه الإعلام في هذا الشأن سببها الأساسي أن تغطيات المناخ لا تقوم على رواية أحداث تقليدية فيها أبطال وأشرار، بل الموضوع في العادة ينطوي على تناول قضايا علمية وأرقام واحصائيات وبيانات قد تبدو معقدة للبعض. لذلك، تعاني بعض المؤسسات الإعلامية عندما تتصدى لتغطية أخبار المناخ بطريقة يسهل على القراء فهمها. وهذا بالتحديد ما حاول الحضور في منتدى الأفكار بآسبن تحقيقه من خلال حوار جدي بين الصحفيين والخبراء والباحثين لوضع أفكار جديدة بشأن أفضل التغطيات لضمان زيادة اهتمام وفهم ووعي الجمهور بمختلف أبعاد القضية.
شارك في المنتدى مدونون ومراسلون لمحطات التلفزيون ومحررون صحفيون وقيادات إعلامية، قدموا جميعاً أفضل أفكارهم ونصائحهم. وأكد الخبراء في نصائحهم على ضرورة أن تؤكد كل قصة إخبارية على نقاط مهمة أبرزها أن التغير المناخي حقيقي وأنه يمس الجميع وأنه لا خلاف بين العلماء بهذا الشأن وأن التداعيات خطيرة لو لم يتم مواجهة التحدي بقوة.. وأن هناك أمل بالتأكيد.

العلماء يعودون 
على مدى عقود طويلة، لم تبد الصحافة ولا الإعلام عموماً اهتماماً كبيراً بالمناخ .. ظلت أخبار الطقس في أفضل الأحوال سجينة شريط  صغير أسفل صفحة داخلية أو خبر سريع في ختام نشرة الأخبار، لبيان درجات الحرارة أو حالة الطقس المتوقعة غداً.. ليس أكثر من ذلك، خاصة في المنطقة العربية، حيث تقلبات الطقس والأعاصير والعواصف والفيضانات والسيول لا تتكرر كثيراً.
الآن تغير الوضع تماماً .. صار تغير المناخ بتداعياته قصة رئيسية تحتل مانشيتات الصحف وتتصدر نشرات الأخبار. أصبح كل خبر يتعلق بالطقس رئيساً على كل منصة. لم تعد أحوال الجو مجرد قضية ثانوية في الصحف ومحطات التلفزيون. تحول التهاب المناخ لقضية سياسية بامتياز خاصة بعدما تسببت موجات الجفاف الناجمة عن الارتفاع الشديد المتكرر لدرجات الحرارة، في اضطرابات سياسية عنيفة بمناطق عدة في العالم. ومع هبة المجتمع الدولي لمواجهة الظاهرة، عبر حشد
 الجهود العالمية بفعاليات ومؤتمرات كبرى، اتسعت مساحات التغطية بطريقة لم تحدث من قبل. وزاد اهتمام الجمهور الذي أصبح مهووساً بمصطلحات جديدة كانت محصورة فقط في المعامل وقاعات المحاضرات .. الهيدروجين الأخضر وثاني أكسيد الكربون والانبعاث الحراري. 

وتنبهت الميديا العربية في جزء كبير منها، إلى أن أخبار السياسية والفن والرياضة والمجتمع، أخذتها بعيدا لفترة طويلة عن العلم وقضاياه.. وتبين أن المحررين المتخصصين القادرين على تقديم تغطيات موضوعية للقضايا العلمية، بطريقة بسيطة يفهمها الجمهور قليلين للغاية أو غير موجودين على الإطلاق. 
الآن تسعى الميديا العربية بجهد كثيف لتعويض ما فات، بتقديم تحقيقات ومقالات وبرامج موسعة حول القضية بكل أبعادها ، مع تأهيل كوادرها لمواجهة التحدي الجديد. لكن يحتاج الأمر إلى تغطيات نوعية تمنح العلماء في مختلف المجالات مساحات أكبر. 
فالسنوات العشر الأخيرة، كشفت بجلاء كيف يمكن أن تتغير حياة الناس بسرعة وبقوة بفضل تطور العلم ، لأن الاختراعات لم تعد سجينة جدران المعامل .. بالتالي لابد من تلبية الطلب المتزايد بعدما صارت شهية الجمهور أكبر للعلم ومبتكراته. يتحقق ذلك، ليس فقط، بعرض وجهات نظر العلماء ضمن مقالات أو تحقيقات، بل أيضاً بالاهتمام أكثر بالأبحاث والاكتشافات الجديدة في كل مجال، خاصة عندما يتعلق الأمر بالحاضر والمستقبل. فالقراء والمشاهدين أكثر وعياً وشغفاً  الآن بأهمية ما يقوله العلم وأهله، لضمان رفاهيتهم ورخائهم. وهذه مسؤولية أخلاقية ينبغي أن يتصدى لها الإعلام بكفاءة وجدية، ولو حساب تغطيات أخرى، تدخل في باب التسالي والترفيه.