لكبيرة التونسي (أبوظبي)
كانت هيا علي، طالبة متميزة في المواد العلمية خلال المرحلة الثانوية، وحازت مجموعاً عالياً أهّلها لدخول جامعة مرموقة في الدولة، وكانت سعيدة وهي تتابع التخصص العلمي الذي اختارته، لكن مع تعمقها في الدراسة، بدأت تشعر بالملل والرتابة، ففكرت في تغيير تخصصها بعد سنتين من الدراسة. واجهت معارضة الأهل، لأن أقساط هذه الجامعة أثقلت كاهلهم، ولم يكن من السهل عليها إقناعهم بتغيير تخصصها وضياع الوقت، لتجد نفسها مجبرة على استكمال دراستها في التخصص نفسه. 

افتقاد التوجيه
ليست هيا علي وحدها التي عانت تبعات عدم اختيار التخصص المناسب لميولها، إنما هناك الكثير من طلاب الجامعات، يفتقدون إلى التوجيه الصحيح لاختيار ما يناسبهم، ما ينعكس سلباً على تحصيلهم الدراسي، لينتهي بهم الأمر إلى تغيير التخصص بعد سنوات من الجهد، أو الانسحاب من الدراسة والدخول في حالة اكتئاب، ما قد ينعكس على مستقبل الطالب سلباً.

خطوة مهمة
اختيار التخصص الجامعي المناسب، أمر مثير للتوتر والخوف في معظم الأحيان، كونه خطوة مصيرية ستحدّد مستقبلهم إلى الأبد. والبعض ينشغلون بالتحضير لامتحانات الثانوية العامة، وما تتطلبه من متابعات، ليجدوا أنفسهم ملزمين باختيار تخصص معين، دون أن يستغرق وقتاً كافياً في التفكير، ما يجعل الأمر أكثر تعقيداً في الجامعة، حيث يكتشف الطالب أن التخصص الذي اختاره، قد لا يتناسب مع ميوله وقدراته ومهاراته العلمية. ولتسليط الضوء على هذه المشكلة وتقديم حلول ناجعة تجنِّب الطلاب السقوط في عدم حسن اختيار التخصص المناسب، يتحدث تربويون وأكاديميون عن أهمية اختيار التخصص الملائم للطالب، وتداعيات الاختيار غير المناسب الذي قد يزج بالطالب في متاهات تنتهي بعدم استكمال دراسته الجامعية.

قدرات ومهارات
د. عبداللطيف العزعزي المؤسس والرئيس التنفيذي لمركز التميز، قال، إن الطالب يقضي في الدراسة سنوات طويلة قبل وصوله إلى المرحلة الجامعية، التي تُعتبر بوابته نحو المستقبل، من حصوله على وظيفة مرموقة أو مناسبة، وما يتبعها من علاوات وترقيات، إضافة إلى الوضع الاجتماعي. لذا لابد من تجهيز الطالب لهذا الأمر أثناء المرحلة الثانوية لاختصار الوقت والجهد.
وأضاف العزعزي: من الأفضل لأولياء الأمور وإدارات المدارس القيام بما يظهر قدرات ومهارات وشخصية الطلبة، لتساعدهم في اختيار التخصص بالكليات أو المعاهد، بما يتوافق مع متطلبات سوق العمل، آخذين في الاعتبار الوظائف المستقبلية. وهذه الخطوة تجعلنا نوجه الطلبة إلى دورات تدريبية تخصصية تهيئهم للتخصصات التي تناسبهم، ولا مانع من القيام بزيارات للجامعات والمعاهد أو المصانع ومراكز الأبحاث، للتعرف من قرب على المجالات والتخصصات التي يرغب الطلبة بدراستها، حتى لا يضيّع وقته في التنقل من تخصص لآخر بحثاً عما يناسبه.

مخرجات التعليم
وذكرت ليلى كروما، مدير أول قسم القبول والتسجيل والعلاقات الدولية بجامعة أبوظبي، أن تعزيز الوعي من الأمور المهمة التي يحتاج إليها الطلبة في المرحلة الثانوية، موضحة أن جامعة أبوظبي تبذل جهوداً كبيرة في وضع برامج تسهم في توجيه وإرشاد الطلبة من الناحية النفسية والاجتماعية والأكاديمية، ومساعدتهم على صقل مهاراتهم واكتشاف ميولهم في وقت مبكر، قبل الانخراط في تخصصات التعليم العالي. وأوضحت أن غياب التوعية يؤثر سلباً في مخرجات التعليم العام، ولا يُمكِّن المنظومة التعليمية من تحقيق أهدافها التي تتمثل في تقليص الفجوة بين مخرجات التعليم المدرسي والتعليم العالي، مؤكدة أن جهود هذه البرامج تصل إلى تعريفهم بالتخصصات الجامعية الجديدة والمطلوبة في سوق العمل، ما يعزز من القيم الإيجابية للتعلم وتوفير بيئة جاذبة وقادرة على سد احتياجات الطلبة الفكرية والمعرفية وتحقيق طموحاتهم بما يتناسب مع تطلعات المجتمع.

إرشاد وتوجيه
قالت ليلى كروما، رئيسة قسم القبول والتسجيل في جامعة أبوظبي: نبدأ في إرشاد الطلبة منذ المرحلة الثانوية، وتوجيههم للتعرف على التخصصات الجديدة المناسبة لهم، من خلال المعارض التعليمية. ونقوم ببعض الأنشطة لمساعدة الطالب على معرفة ميوله الدراسية، عبر مسابقات غير مباشرة، كما نقدم محاضرات للوصول إلى أكبر شريحة ممكنة. وتفتح الجامعة أبوابها لزيارات لأولياء الأمور، حيث يستقبلهم أكاديميون واختصاصيون ليجيبوا عن أسئلتهم، مع استخدام الذكاء الاصطناعي لتسهيل اختيار التخصص المناسب، وبعد التحاقهم بالجامعة نتابعهم لتطوير مهاراتهم.

شغف
بدوره، أكد د. محمد شوقي المرسي أستاذ الهندسة الكهربائية وعلوم الكمبيوتر، نائب مدير مركز القوى والطاقة المتقدمة بجامعة خليفة، أهمية تعزيز الوعي والتركيز على بناء المعرفة لدى الطلاب منذ المرحلة الثانوية، ومواكبة متطلبات سوق العمل، موضحاً أن التوجيه والتثقيف والتمكين والإرشاد، أمور تجنِّب الطالب ضياع الوقت وتختصر عليه الطريق، لتحقيق أعلى درجات الاستفادة والنتائج الإيجابية. وأضاف: بحكم عملي، ألتقي مع طلاب السنتين الأولى والثانية، وغالباً ما أركز أولاً على درجة وعي كل طالب ورغبته الحقيقية، فالهندسة مثلاً متنوعة ومتشعبة، ودراسة هندسة الكمبيوتر أو علومه على سبيل المثال تتطلب مهارات عالية وشغف نحو البرمجة، إلى جانب الموهبة. ونحن وخلال هذه المرحلة، نصحح بعض الأمور الخاصة بالضغوط الخارجية، كأن يختار الطالب بناءً على ما سمعه من الأصدقاء أو من الأهل، بينما يجب أن نراعي مؤهلات الطالب وكذلك مستقبل الوظائف والمهن التي تتطور بشكل سريع، بحيث يتم الابتعاد عن التخصصات المحدودة.

ويجب على الطالب نفسه أن يكون حريصاً على معرفة كل ما يدور حول التخصص المناسب له، والتركيز على بناء المعرفة والتحاور مع أساتذته، ليواصل تعليمه بشغف.

تجارب حية
يعتقد بعض الآباء أن هواية الطالب أو ممارسته لأمر ما قد يصب في مجال تخصصه الجامعي، لكن الأمر فيه مدخلات عدة غير الهواية والممارسة، ومن خلال تجربته الشخصية أكد د. عبداللطيف العزعزي المؤسس والرئيس التنفيذي لمركز التميز، قائلاً: مررت في هذا السياق مع اثنين من أبنائي، الأول سألني عن التخصص الجامعي الذي له علاقة بالمال والتجارة، ليصبح رجل أعمال، فوجهته لعمل اختبار تحليل الشخصية والقدرات عند أحد الأصدقاء المعتمدين في هذا المجال، وبعد التحليل ظهرت النتيجة توافق رغبته، فكان التخصص الأكثر مناسبة لشخصيته وقدراته المالية، فدخل هذا التخصص وتخرج وتوظف ونجح في مجال تخصصه. أما ابني الثاني، فكان يمارس عملية التشفير في مجال الحوسبة بحرفية، فظننت أن هذا المجال يتماشى مع ميوله، فالتحق بهذا التخصص، لكنه لم يواصل دراسته، واختار تخصصاً آخراً كان أكثر توافقاً مع ما يدور في عقله. وليس شرطاً أن يكون ما يحب الشاب القيام به صالحاً لمجال تخصصه، فالبعض قد يحبون مجالاً معيناً كهواية، وليس كتخصص دراسي.