حسن الورفلي ( بنغازي - القاهرة) 

بعد عشرة أعوام على ثورة الـ17 من فبراير التي أطاحت بنظام العقيد الراحل معمر القذافي الذي استمر لمدة 42 عاماً في الحكم، لا يزال أبناء الشعب الليبي يبحثون عن الحلم الضائع، رافعين مطالبهم الأولى بتحسين الوضع المعيشي والاجتماعي، وتوفير الخدمات الأساسية التي تفتقدها البلاد، وخاصة في قطاعات الصحة والتعليم. لكن أضيفت إليها مطالب بتضميد جراح الانقسام والمعارك العسكرية، وعودة الأمن والاستقرار، ورحيل المرتزقة، وتفكيك الميليشيات الإرهابية، وإجراء انتخابات، وإنهاء التدخل الأجنبي، لاسيما التركي؛ والأهم من ذلك كله الحفاظ على وحدة الأراضي الليبية. 
وقبل عقد كامل، اندلعت الاحتجاجات في مدينة بنغازي شرق البلاد في 15 فبراير 2011، والتي واجهها نظام القذافي بكل عنف وحزم، وذلك قبل أن تمتد التظاهرات إلى مدن أخرى، وهو ما أدى إلى اندلاع مواجهات عنيفة بين القوى الأمنية، وعدد من المتظاهرين، وأدى لسقوط مئات القتلى والجرحى.
ونجح التحالف الدولي، الذي قادته الولايات المتحدة وفرنسا، في استهداف الأسلحة الثقيلة التي يمتلكها نظام القذافي، فمكنت الكتائب المسلحة التي انضوى عدد كبير من المتظاهرين والمسلحين تحت رايتها، من الانتشار في المدن كافة، والسيطرة على معاقل قوات القذافي، الأمر الذي دفع الأخير للهروب حتى تمكنت تشكيلات مسلحة من القبض عليه وقتله في 20 أكتوبر 2011.

بداية الصراع
ظن الليبيون أن بسقوط نظام القذافي ستعيش البلاد في أمن واستقرار وسلام، إلا أن تشكيل ميليشيات وكتائب مسلحة تقودها عناصر من «الإخوان» والجماعة الليبية المقاتلة وتنظيم «أنصار الشريعة» الإرهابي شكّل بداية جديدة في الصراع الليبي بين الراغبين في دولة المؤسسات النظامية وبين التشكيلات والميليشيات التي تتلقى تمويلاً خارجياً وتحارب على أسس أيديولوجية متشددة.
وعملت التشكيلات والميليشيات المسلحة التي تم تشكيلها في ليبيا على حلّ الأجهزة الأمنية والعسكرية، وتنفيذ حملات اغتيال ممنهجة ضد كل المنتسبين لهذه الأجهزة، وذلك كي تتمكن من بسط السيطرة الكاملة على المشهد الليبي، وفرض نفسها كواقع في البلاد.

وبسبب ممارسات التشكيلات المسلحة، ومع تنظيم أول انتخابات تشريعية في ليبيا أسقط الناخبون الليبيون جماعة «الإخوان»، وأعطوا أصواتهم للتيار المدني، ممثلاً في تحالف القوى الوطنية، الذي كان يقوده رئيس الوزراء الأسبق محمود جبريل. إلا أن الميليشيات المسلحة كانت تعمل على تمرير القرارات التي تخدم مصالحها، عبر ترهيب أعضاء المؤتمر الوطني العام، الذين كانوا يجتمعون في طرابلس، وذلك عبر حصار مقر المؤتمر وحمل «التوابيت» لإجبار أعضاء المؤتمر على تمرير قرارات تخدم الميليشيات.

تغول الميليشيات
بدأ نفوذ التشكيلات والميليشيات المسلحة يتنامى، بعد تشكيل آلاف الميليشيات التي كان عددها 17 تشكيلاً مسلحاً عقب إسقاط القذافي، وعكفت دول إقليمية ودولية على تمويل تلك التشكيلات المؤدلجة، لعددٍ من الأسباب السياسية والعسكرية والاقتصادية، فقد بسطت هذه التشكيلات سيطرتها الكاملة على مؤسسات الدولة الليبية.
ومع تغول الميليشيات الإرهابية في الأراضي الليبية، تعرضت السفارتان الأميركية في سبتمبر 2012 والفرنسية في أبريل 2013 لهجومين تسببا في مقتل أربعة أميركيين، بينهم السفير كريستوفر ستيفنز، وإصابة عنصرين فرنسيين من الحرس، فأغلقت غالبية السفارات الأجنبية أبوابها.
واستخدمت الميليشيات الإرهابية سطوتها على طرابلس، وأقدمت على اختطاف دبلوماسيين أجانب وعرب لاستخدامهم ورقة ضغط للإفراج عن متشددين محتجزين في عدد من الدول العربية، ولعل أبرز مثال هو اختطاف 4 دبلوماسيين مصريين للمطالبة بالإفراج عن الإرهابي أبو عبيدة الزاوي الذي تم اعتقاله في مصر، وهو ما دفع الخارجية المصرية لتعليق العمل بالسفارة في طرابلس يناير 2014.

تحرير بنغازي
ومع تعالي الأصوات التي تنادي بتشكيل جيش وطني ليبي لردع سلوك الميليشيات، أعلن اللواء المتقاعد، حينها، خليفة حفتر بدء عملية شارك فيها مئات العسكريين المنتسبين للمؤسسة العسكرية ضد جماعات متطرفة مسلحة في شرق البلاد، وهي العملية التي دعمتها القبائل الليبية شرق وجنوب البلاد.وجاء الإعلان عن العملية العسكرية بالتزامن مع تولي مجلس النواب المنتخب لمهامه في 2014، بعد إسقاط أبناء الشعب الليبي «المؤتمر الوطني العام» المنتهية ولايته، وهو ما دفع أعضاء «المؤتمر» لرفض تسليم السلطة، فأدى ذلك إلى انقسام البلاد إلى سلطتين وحكومتين الأولى في الشرق والثانية في الغرب.
ودفعت بنغازي على مدار 3 سنوات فاتورة ثقيلة قدمها أبناء المدينة لتحريرها من قبضة المتطرفين، حتى أعلن الجيش الوطني تمكن قواته من تحرير بنغازي في يوليو 2017 بعد معارك عنيفة، استمرت 3 سنوات.
ومع استمرار الحملة العسكرية، التي قادها حفتر، منحه رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، باعتباره القائد الأعلى للجيش، رتبة «مشير»، ودعم تحركاته وجهود تشكيل مؤسسة عسكرية ليبية، بتحفيز أبناء القبائل على الالتحاق بالجيش، وتوفير سبل الدعم اللازم لهذه المؤسسة، التي مثّلت حائط الصد في مواجهة المتطرفين والميليشيات المسلحة.

السيطرة على درنة
تمكنت قوات الجيش الوطني الليبي، في أواخر يونيو 2018، من السيطرة على درنة أحد أبرز معاقل المتطرفين والمتشددين في شرقي ليبيا، إضافة إلى تأمين عدد كبير من مدن المنطقة الشرقية وتأمين المنطقة الوسطى، وتطهير مدن الجنوب الليبي من العناصر الإرهابية، التي كانت تنشط جنوب البلاد لعدم وجود سلطات أمنية وعسكرية رادعة.
ومع تعاظم نفوذ الميليشيات المسلحة، التي كانت تسيطر على طرابلس وحصولها على مليارات الدولارات من حكومة «الوفاق»، المدعومة تركياً، برئاسة فايز السراج، فضلاً عن الدعم الخارجي من أطراف لها مصلحة في زعزعة الأمن والاستقرار في ليبيا، أعلن قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر عن عملية عسكرية، في أبريل عام 2019، لتحرير طرابلس ومدن الجنوب من قبضة المتطرفين.

مرتزقة تركيا
مع استمرار العملية العسكرية، التي قادها الجيش الليبي في طرابلس والتي دعمها عدد من القبائل، أقدمت حكومة «الوفاق» على توحيد الميليشيات والتشكيلات المسلحة في غرب البلاد للتصدي لقوات الجيش الوطني، وأبرم رئيس حكومة «الوفاق» فايز السراج اتفاقاً مع الجانب التركي يسمح للأخير بإرسال مرتزقة ومستشارين عسكريين أتراك إلى الأراضي الليبية.
وفي الخامس من يناير 2020، أعلنت أنقرة رسمياً بدء نشر جنود أتراك، دعماً لحكومة «الوفاق»، على الرغم من أن تقارير عدة كانت أفادت في وقت سابق بنقلها للمرتزقة السوريين إلى الأراضي الليبية، وتوافدت مئات الرحلات الجوية لطائرات الشحن العسكري إلى قواعد عسكرية في غرب ليبيا.
وفي 23 أكتوبر الماضي، وقّع طرفا النزاع اتفاقاً لوقف دائم إطلاق النار «بمفعول فوري»، بعد محادثات استمرت خمسة أيام في جنيف برعاية الأمم المتحدة، وهي المباحثات التي دعمها «الجيش الوطني»، بعد مبادرة رئيس مجلس النواب الليبي المستشار عقيلة صالح، وإصداره بياناً مشتركاً مع السراج.

المسار السياسي
بالتزامن مع المسار العسكري والتوقيع على وقف إطلاق النار، عملت البعثة الأممية على تفعيل مخرجات مؤتمر برلين للسلام، الذي عقد في يناير 2020، وعملت على تفعيل المسار السياسي حتى أعلنت الأمم المتحدة في نوفمبر الماضي، أن المندوبين الليبيين المجتمعين في تونس توصلوا إلى اتفاق على إجراء انتخابات عامة في 24 ديسمبر المقبل.
وأسفرت الاجتماعات التي عقدت في جنيف عن انتخاب سلطة تنفيذية جديدة في ليبيا مكونة من «مجلس رئاسي»، يضم رئيساً ونائبين، ورئيس حكومة وحدة وطنية، من المنتظر أن يقدم تشكيلته الحكومة إلى البرلمان الليبي خلال أيام، وستركز السلطة الجديدة على تفعيل خريطة الطريق التي وضعها أعضاء الملتقى الحوار، وأبرزها توحيد المؤسسات والتجهيز للانتخابات.
ويترقب أبناء الشعب الليبي التحركات المستقبلية التي من المفترض أن تقوم بها السلطة التنفيذية الجديدة، معربين عن أملهم في توحيد مؤسسات الدولة وتقوية المؤسستين الأمنية والعسكرية في البلاد، والتنظيم للانتخابات التشريعية والرئاسية في البلاد.

تضحيات الشعب
أكد المحلل السياسي الليبي أحمد المهداوي، أن الشعب الليبي قدم كثيراً من التضحيات خلال ثورة 17 فبراير من أجل التغيير والتحول من الديكتاتورية إلى الديمقراطية والحرية، موضحاً أن الشعب مارس حقوقه في الانتخابات لأول مرة منذ 42 عاماً، متهما تيار الإسلام السياسي بسرقة الثورة والانحراف بمسارها.
وأشار المهداوي في تصريحات خاصة لـ«الاتحاد» إلى سيطرة الإرهابيين على مقاليد الحكم في البلاد، وسط انتشار السلاح، وتنامي الجماعات الإرهابية، وإهدار للمال العام العام، مؤكداً وجود شعور عام لدى المواطن الليبي بأن الأمن بات شبه منعدم وسط ظروف معيشية صعبة.
ولفت المحلل السياسي الليبي إلى وجود تغير في حياة الليبيين بعد هزيمة «الجيش الوطني» للإرهابيين وسيطرته على حوالي 80 في المئة من مساحة البلاد، مشيراً لوجود تغير ملحوظ في الخدمات تحت إشراف القوات المسلحة، فضلاً عن تعليق الشعب الليبي الآمال على الحكومة الجديدة والمجلس الرئاسي.

من يتحمل مسؤولية الخراب؟
يرى الدكتور يوسف الفارسي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة عمر المختار الليبية، أنه رغم سقوط نظام القذافي منذ عشر سنوات، إلا أن ليبيا لا تزال تشهد صراعاً وتدخلات خارجية بين قوى متصارعة، وهو ما أثر سلباً وأدى لانهيار الاقتصاد، ودخول البلاد في مزيد من الفوضى والسرقة والقتل.
وحمّل الفارسي في تصريحات خاصة لـ«الاتحاد» جماعات الإسلام السياسي، مسؤولية تشكيل ميليشيات مؤدلجة للسيطرة على الحكم خلال المراحل الانتقالية منذ المجلس الانتقالي ثم المؤتمر الوطني العام، مروراً بمجلس النواب الليبي، وصولاً لحكومة الوحدة الوطنية.
وأشار إلى أن هناك بريق أمل يلوح في الأفق لطي الصفحة التي امتلأت بالعنف والقتل والتشريد، وذلك بعد الاتفاق على تشكيل حكومة موحدة، واختيار رئيس وزراء لشطري البلاد، وترقب الشعب الليبي لإجراء انتخابات نهاية العام الجاري، عقب تحقيق اختراق سياسي بعد سنوات من الحروب والأزمات وانسداد الأفق.
وأوضح الفارسي أن ليبيا تشهد نزاعات عنيفة معقدة منذ التدخل العسكري الدولي، الذي قاده حلف شمال الأطلسي في مارس 2011، حتى الأول أكتوبر من العام نفسه مع وفاة القذافي قرب مسقط رأسه في مدينة سرت، مؤكداً أن ذلك أدى لتدمير البنية التحتية في بلد أصبحت تتحكم فيه الميليشيات، وتنتشر فيه المرتزقة ويسوده الفساد، معتبراً أنه «بعد عشر سنوات على الثورة، باتت ليبيا دولة هشة أكثر مما كانت عليه في عهد القذافي».

هدر الأموال
اتهم يوسف الفارسي حكومة «الوفاق» بهدر الأموال وبالعمالة لدول أجنبية، ودعمها لدول إقليمية منها تركيا بأموال الشعب الليبي التي حرم منها، مؤكداً أن السراج دعم الأتراك بالتوقيع على اتفاقية أمنية غير شرعية، لأنها غير معتمدة من مجلس النواب الليبي وغير مسجلة في المكتب القانوني لمنظومة الأمم المتحدة لقانون البحار والمحيطات، مشيراً إلى أن تركيا وظفت إمكانياتها العسكرية المتطورة والتي حصلت عليها عبر عضويتها في حلف «الناتو»، لاستهداف الجيش الوطني الليبي، بدعم من تيار الإسلام السياسي، وميليشياته، والذي يرفض قيام دولة المؤسسات.
وأعرب الفارسي عن تفاؤله عقب الإعلان عن تشكيل سلطة تنفيذية جديدة في ليبيا مهمتها تنظيم الانتخابات في البلاد نهاية العام الجاري، مشدداً على ضرورة أن تعمل على خروج المرتزقة الأتراك من ليبيا بالكامل، لتسهيل مهمة الانتخابات البرلمانية والرئاسية، مشدداً على ضرورة أن تشرف الهيئة التنفيذية التي انتخبت أخيراً، وأبرز أركانها رئيس الحكومة المكلف عبدالحميد دبيبة، ومحمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي، على المرحلة الانتقالية التي يفترض أن تقود إلى انتخابات ديمقراطية.

الاقتصاد الليبي رهين الانقسام والحروب
تقاس قوة الدولة بمدى قدرتها الاقتصادية ودخلها القومى وهو ما تأثرت به ليبيا، بشكل كبير جداً، خلال العقد الأخير بسبب اعتمادها بشكل رئيسي على النفط، ونهب قادة المليشيات المسلحة مليارات الدولارات واستخدموا تلك الأموال في تعزيز نفوذها داخل البلاد، وترهيب أبناء الشعب الليبي، الذين يعجزون عن تصريف أمورهم الحياتية بسبب نقص السيولة والوقود وأزمة الكهرباء المستمرة منذ سنوات.
وعانت ليبيا على مدار سنوات من انقسام المصرف المركزي لمصرفين مركزيين الأول هو مصرف ليبيا المركزي في طرابلس والآخر موازٍ له في مدن الشرق، الأمر الذي أعاق السيطرة على سياسة البلد النقدية بينما ينهار الدينار الليبي، واحتلت ليبيا المرتبة 186 من أصل 190 في تصنيف ممارسة الأعمال التجارية.
وتمكنت السلطات الليبية من تحقيق انتعاش اقتصادي بوصول إنتاج ليبيا من النفط ليبلغ 1.3 مليون برميل يومياً في ديسمبر الماضي، أي عشرة أضعاف، ما كان عليه في الربع الثالث من عام 2020، لكنه لا يزال أقل من 1.6 مليون برميل، كما كان قبل عشر سنوات.
وتسببت الانقسامات السياسية في ليبيا بين سلطتين في الشرق والغرب، بحدوث صدام وتحركات من الجانبين للسيطرة على منطقة الهلال النفطي، الواقع في منتصف الطريق بين طرابلس وبنغازي، وذلك باعتباره المنطقة التي تضم احتياطات ضخمة من النفط الليبي.
ويقول الخبير الاقتصادي الليبي على الصلح: إن ليبيا منذ عام 2012 مرت بمنعطف خطير، وفقاً للإشارة التي وضعها صندوق النقد الدولي في تقريره، موضحاً أنه على الرغم من ارتفاع أسعار النفط وزيادة الإنتاج، إلا أن الحكومة الليبية عملت على زيادة النفقات الاستهلاكية لأغراض تتعلق بالتعويضات وسياسة التوظيف العشوائية ورفع المرتبات دون الاهتمام باستكمال مشاريع التنمية. 
ولفت إلى انعكاس الصراع فيما بعد على الموارد والمطالبة بالتوزيع العادل في عام 2013، وهو ما أدى إلى إغلاق موانئ النفط حتى تتحقق مطالب الأقاليم.
وأشار الصلح في تصريحات لـ«الاتحاد» إلى أنه بمجرد انتخاب لجنة الدستور ومجلس النواب الليبي وتوليه قيادة البلاد بدأت ملامح الانقسام تظهر في الأفق، مؤكداً أن الانقسام استمر بشكل واضح إلى أن تم الاتفاق السياسي في الصخيرات وبدء عمل المجلس الرئاسي.
وعلى صعيد الناتج المحلي الإجمالي، أشار إلى انخفاض معدلات نمو الناتج المحلي بسبب إغلاق آبار النفط لفترات مختلفة، وتقدر خسائر الناتج المحلي بين الناتج الفعلي والمتوقع خلال عشر سنوات بحوالي 500 مليار دولار.

وأما على صعيد النفقات العامة، فأكد الخبير الاقتصادي الليبي علي الصلح أنه نتيجة للانقسام الحكومي تزايد حجم النفقات الاستهلاكية، بشكل كبير، حيث ارتفعت نسبة الإنفاق الاستهلاكية لأكثر من 80 في المئة من إجمالي النفقات العامة، وانخفاض حجم النفقات الاستثمارية بشكل كبير وصلت إلى أقل من 15 في المئة، خلال الفترة المذكورة ذاتها، موضحاً أن حجم النفقات العامة يقدر بـ700 مليار دينار خلال الفترة نفسها، من دون استثمار أو مشاريع تذكر.
وحول البطالة والتضخم، لفت إلى أن المؤشرات تعكس حالة عدم الاستقرار والمواجهات العسكرية التي شهدتها ليبيا خلال العقد الأخير، حيث ارتفعت معدلات البطالة على الرغم من ارتفاع حجم التوظيف الحكومي، وهو دليل إضافي على الفساد، حيث بلغ حوالي مليوني موظف عامل بالدولة، ورغم ذلك، معدلات البطالة بين 17 في المئة و20 في المئة، وذلك يدل علي ضعف إنتاجية القطاعات الأخرى مقارنة بقطاع النفط.
وأوضح أن التضخم تسبب في أزمة معيشية وظهور مستويات مختلفة في المجتمع، وذلك بسبب فجوات المرتبات وفشل السياسة النقدية في المحافظة على قيمة العملة، والمحافظة على مستويات الأسعار.
وأكد أن ذلك نتج عنه زيادة عرض النقود، بسبب طباعتها بمعدلات أكبر من نمو الإنتاج وارتفعت خلالها الأسعار إلى 25 في المئة عام 2017، ويعد هذا المؤشر أكبر الكوارث الاقتصادية، مشيراً إلى أن استخدام ضخ النقد الأجنبي دون دراسة لمعالجة الخلل ساهم في توغل الفساد وخلق اقتصاد موازٍ.
وأكد الصلح ظهور فوضى المقربين واستغلال المناصب، ودفع ذلك بالاقتصاد الليبي إلى الانهيار، وأدى للعبث بمقدرات الشعب، موضحاً أن مستويات الدين وصلت لمستويات مرعبة، حيث شكل الدين العام نسبة 200 في المئة من الناتج، وزاد العجز إلى أكثر من 30 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي.
وشدد الصلح على أن ليبيا تحتاج فريقاً من المختصين لمعالجة الوضع الاقتصادي، بشكل عاجل، بعيداً عن المحاصصة والتدليس.