دينا محمود (لندن)
ما إن ودعنا 2023، «عام التحولات الاستثنائية»، بالنظر إلى ما ماجت به شهوره من أحداث متلاحقة وتغيرات متسارعة، حتى استقبلت البشرية عاماً، تصبح فيه الكلمة العليا، على ما يبدو، لحسم المصائر والمسارات، وتحديد الاختيارات، في كثير من بقاع المعمورة. فالعالم خلال 2024، سيصبح أقرب إلى مسرح تدور على خشبته الممتدة من شرق الكرة الأرضية إلى غربها، وقائع عدد قياسي من عمليات الاقتراع البرلمانية والرئاسية، التي يُجرى بعضها في عدد من عواصم صنع القرار الكبرى، ما قد يفضي إلى إعادة صياغة المشهد الدولي، سياسياً واقتصادياً وأمنياً. 
كما أن عام 2024، الذي ستوجه خلاله الإنسانية بوصلتها بقوة صوب الفضاء استكشافاً لمزيدٍ من آفاقه، سيستهل أيامه بإسباغ الطابع الرسمي، على خطوة حاسمة قُطِعَت في أواخر العام الماضي، على طريق تعزيز أواصر شراكة عابرة للقارات، لا ينشد أطرافها سوى خير البشرية ورفاهية بنيها واستقرارهم.
فاتحة الخير
بحلول أول أيام 2024، تنضم الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، رسمياً، جنباً إلى جنب مع مصر وإيران وإثيوبيا والأرجنتين، إلى مجموعة «بريكس»، التي تضم عدداً من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم. 
ويُتوِّج نيل الدولة عضوية هذا التجمع الاقتصادي المحوري، الذي وُلِدَ بشكله الحالي عام 2010 على يد روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، شراكة طويلة الأمد جمعت بين الجانبين. كما أن هذه الخطوة، تفتح الباب أمام خلق فرص اقتصادية وتجارية واستثمارية ضخمة، من شأنها إحداث تحول على صعيد المشهد الاقتصادي، سواء بين دول المجموعة، أو على الساحة العالمية ككل.
المدافع الصامد
تحت هذا الاسم، ستُجري دول حلف شمال الأطلسي «الناتو» مناورات عسكرية، في فبراير ومارس من العام الجاري، بمشاركة أكثر من 40 ألف جندي. 
ويُنتظر أن تكون هذه التدريبات، التي ستستضيفها ألمانيا وبولندا ودول البلطيق بالتزامن مع استمرار الأزمة الأوكرانية، الأكبر من نوعها منذ انتهاء الحرب الباردة، ما أثار حفيظة دوائر مختلفة في موسكو، لا سيما في غمار تقارير تفيد بأن المناورات، ستشمل عشرات السفن الحربية ومئات المقاتلات، وذلك بمشاركة السويد الطامحة للانضمام إلى «الناتو».

«الثلاثاء الكبير»
في الرابع من مارس 2024، تبدأ محكمة اتحادية في واشنطن محاكمة دونالد ترامب، الرئيس الأميركي السابق والمرشح المحتمل للسباق الرئاسي المقبل، بتهمة محاولة قلب نتائج انتخابات 2020. 
وتشمل التهم الموجهة، في إطار هذه القضية، التآمر ضد الدولة الأميركية والتآمر لعرقلة إجراء رسمي، على خلفية اقتحام مئات المحتجين مقر الكونجرس في السادس من يناير 2021، لمقاطعة جلسة المصادقة على فوز بايدن بالانتخابات الأخيرة. 
وستنطلق المحاكمة، عشية إجراء الغالبية العظمى من الولايات الأميركية، انتخاباتها التمهيدية بين الطامحين الجمهوريين والديمقراطيين، للترشح للاقتراع الرئاسي المزمع أواخر العام الجاري.
الشمس تحتجب
في الثامن من أبريل 2024، ستشهد دول أميركا الشمالية، الولايات المتحدة وكندا المكسيك، كسوفاً كلياً للشمس، سيشمل كذلك أجزاء من المحيط الهادئ وشمال المحيط الأطلسي. 
أما في الثاني من أكتوبر، فسيرصد قاطنو بعض مناطق قارة أميركا الجنوبية، «كسوفاً حلقياً»، وهو ذاك الذي يكون فيه القطر الظاهري للقمر أصغر من قطر الشمس، ما يحجب معظم ضوئها، ويتسبب في ظهورها على شكل دائرة تُسمى «حلقة النار».
مسبار صيني
في مايو 2024، تعتزم الصين إطلاق المسبار القمري «تشانغ آه - 6»، بهدف جمع عينات من الجانب المظلم من القمر، وهو الشطر الأبعد عن الأرض فيه. 
وسيحمل المسبار على متنه كذلك أدوات علمية من دول مثل فرنسا وإيطاليا والسويد ووكالة الفضاء الأوروبية. 
ومن المقرر أن تطلق الهيئة الوطنية الصينية للفضاء في النصف الأول من العام الجديد، قمراً صناعياً يحمل اسم «تشيوتشياو - 2» أو «جسر العقعق - 2»، لدعم الاتصالات بين الأرض والجانب المظلم من القمر.
«حماية المستقبل»
على مدى يوميْ 22 و23 سبتمبر 2024، يحتضن مقر الأمم المتحدة بنيويورك، مؤتمراً دولياً رفيع المستوى، تحت اسم «قمة المستقبل»، يرمي لتعزيز التعاون بين دول العالم، بغية مواجهة التحديات الأساسية في عصرنا الحالي، وسد الثغرات التي تشوب منظومة الحوكمة العالمية، فضلاً عن إعادة تأكيد الالتزامات الدولية القائمة، بما في ذلك تلك المتعلقة بتحقيق أهداف التنمية المستدامة. 
وتأمل الأمم المتحدة في أن تَخْلُصَ القمة إلى مصادقة رؤساء الدول والحكومات المشاركين فيها، على وثيقة تحمل اسم «ميثاق المستقبل»، تهدف لتمهيد الطريق أمام إيجاد نظام متعدد الأطراف، قادر على التعامل مع التحديات الحالية، ومواجهة التهديدات المستقبلية المحتملة.
«بريكس بلس»
في أكتوبر 2024، تستضيف مدينة قازان عاصمة جمهورية تتارستان الروسية القمة الأولى لمجموعة «بريكس»، بعد أن عززت صفوفها بانضمام دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية إلى عضويتها، بجانب 4 دول أخرى من بينها مصر. 
وبدأت هذه المجموعة مسيرتها، تحت اسم «بريك»، حينما أسستها روسيا والبرازيل والهند والصين عام 2009، قبل أن تصبح «بريكس» في العام التالي مع ضم جنوب أفريقيا، ثم تغير الاسم للمرة الثالثة إلى «بريكس بلس»، إثر انضمام الدول الست الأحدث إلى عضويتها بشكل رسمي في مطلع العام الحالي.

أرتميس» نحو القمر
بعد 52 عاماً من آخر مهمة مأهولة أطلقتها وكالة «ناسا» الأميركية للفضاء باتجاه القمر، سترسل الوكالة أول فريق بشري صوبه في نوفمبر 2024، على متن المركبة «أوريون». 
وتحمل المهمة اسم «أرتميس 2»، وسيضطلع بها 4 رواد الفضاء، بينهم للمرة الأولى، أول أميركي من أصل أفريقي، وأول امرأة، وكذلك أول رائد فضاء أجنبي، بعدما كانت هذه المهام تقتصر في السابق، على رواد أميركيين بيض البشرة. 
وتتمثل مهمة «أرتميس 2»، التي تستمر 10 أيام وتقطع خلالها مسافة 2.3 مليون كيلومتر، في التحليق حول القمر ثم العودة من دون الهبوط على سطحه. 
وتهدف إلى التحقق من أن جميع أجهزة «أوريون»، المتعلقة بدعم الحياة وغيرها من الأنظمة الأخرى، ستعمل على النحو المنشود، مع وجود رواد الفضاء على متنها في الفضاء السحيق.
رحلة إلى «الزهرة»
وبعد أسابيع من الموعد المزمع لانطلاق المهمة الأميركية نحو القمر، يُنتظر أن تطلق الهند مسباراً فضائياً يحمل اسم «شوكرايان» صوب كوكب الزهرة، في أول تحرك من نوعه، منذ إطلاق اليابان مسباراً آخر باتجاه الكوكب نفسه، في عام 2010. 
وفي حين تمثلت مهمة المسبار الياباني «أكاتسوكي» في دراسة مناخ الزهرة، سيُعنى «شوكرايان» بالتركيب الكيمياوي للغلاف الجوي لـ«الزهرة»، الذي يُوصف أحياناً بـ«توأم الأرض الشرير»، لتماثلهما في الحجم واختلافهما في نواحٍ أخرى عديدة. 
كما سيبحث المسبار الهندي، عن أي مؤشرات على وجود «الفوسفين»، أو «الفوسفان»، وهو مركب كيمياوي، عبارة عن غاز قابل للاشتعال عديم اللون، يُعتقد أنه موجود على كوكب الزهرة. ويربط العلماء بين وجود هذا المركب، وإمكانية وجود حياة.
محاربة الملاريا
في وقت ما من عام 2024، سيبدأ توزيع جرعات أول لقاح مضاد للملاريا، على سكان 12 دولة أفريقية، في محاولة للقضاء على هذا المرض، الذي يفتك بقرابة نصف مليون شخص سنوياً، من أبناء دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بينهم أكثر من 260 ألف طفل دون سن الخامسة. ويُنتظر أن يبلغ عدد هذه الجرعات نحو 18 مليوناً، وذلك في إطار برنامج تجريبي لمكافحة هذا المرض، الذي يتخوف كثيرون من تزايد مقاومته للعقاقير الدوائية، ويُصنَّف كأحد الأسباب الرئيسة للوفاة في القارة الأفريقية.
انتخابات في كل مكان
لن يخلو شهر تقريباً من شهور 2024، من عملية اقتراع هنا أو هناك، إما لتحديد صورة الأغلبية والمعارضة في مجلس تشريعي، أو حسم المنافسة في سباق رئاسي، أو لرسم ملامح برلمان، يمثل تكتلاً قارياً بحجم الاتحاد الأوروبي. 
وتكتسب عمليات الاقتراع المختلفة، التي ستُجرى خلال العام الجديد أهميتها، من أن اثنتين منها ستميطان اللثام عن هوية شاغل المنصب الأبرز والأرفع في دولتين بوزن الولايات المتحدة وروسيا، كما أن بينها ما سيُنظم في بُلدانٍ ذات تأثير ليس بالقليل في محيطها الإقليمي.
بداية هادئة
ويبدأ قطار انتخابات 2024 السريع، الذي يمر بدولٍ يصل عددها بحسب بعض التقديرات إلى 50 بمشاركة نحو نصف سكان العالم، رحلته هادئاً بعض الشيء، مع اقتراع برلماني تشهده بنجلاديش في سابع أيام العام، قبل أن يعقب ذلك في اليوم الـ28، منافسةٌ على رئاسة فنلندا، ستتكرر في الرابع من فبراير، ولكن في مالي والسلفادور هذه المرة.
وفي الثامن من الشهر نفسه، ستكون باكستان على موعد مع انتخابات تشريعية، يُنتظر أن يتنافس فيها حزبا «الشعب» و«الرابطة الإسلامية - جناح نواز شريف»، بعد حملات دعائية ستستمر 54 يوماً.
وبعد أقل من أسبوع، وفي الـ14 من فبراير، سيتوجه الناخبون في إندونيسيا، إلى صناديق الاقتراع، لانتخاب رئيس جديد للبلاد ونائب له، وذلك في انتخابات لا يُسمح للرئيس الحالي جوكو ويدودو بخوضها. 
كما سيختار الناخبون الإندونيسيون، أعضاء الجمعية الاستشارية الشعبية المؤلفة من مجلسيْن، وكذلك أعضاء المجالس المحلية في بلادهم، التي تحتل المركز الرابع على قائمة الدول الأكثر سكاناً في العالم.
وفي الـ25 من فبراير، سيصل قطار الانتخابات الرئاسية إلى السنغال، ليختار الناخبون هناك للمرة الـ12 في تاريخهم، الرئيس الخامس لوطنهم الواقع في غرب أفريقيا، والذي عُرف باستقراره السياسي، رغم تعدد الانقلابات والحروب الأهلية في محيطه.
اقتراع الغرماء
وبعد أسبوع واحد من انتخابات تشريعية مقررة في البرتغال في العاشر من مارس، سيتوجه الناخبون الروس إلى مراكز التصويت بدورهم، للإدلاء بأصواتهم في اقتراع رئاسي، تفيد مختلف المؤشرات بأن الرئيس الحالي فلاديمير بوتين، هو الأوفر حظا للفوز به. 
والانتخابات الرئاسية الروسية المقبلة، هي الأولى منذ استفتاء شهدته البلاد على إصلاحات دستورية، أُقِرَت بالأغلبية عام 2020، وتسمح لبوتين بالاستمرار في السلطة لدورتيْن رئاسيتيْن أخرييْن حتى عام 2036.
لكن عام «الماراثون الانتخابي»، لا يخلو من مفارقات كذلك، فقبل أن يُسدل الستار على شهر مارس، وفي اليوم الأخير منه تحديداً، يُفترض أن يتجه الأوكرانيون الذين تنخرط حكومتهم في أزمة متصاعدة مع الجار الروسي منذ أواخر فبراير 2022، إلى مراكز التصويت في انتخابات رئاسية، تبدو مثيرة للجدل.
فالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، اعتبر قبل أسابيع، أن «الظروف ليست ملائمة» لإجراء العملية الانتخابية، وهو ما أبدى دعمه له وزير الخارجية دميترو كوليبا، الذي قال إن الانتخابات «تطرح على السلطات تحديات غير مسبوقة». 
غير أن هذه الرؤية لا تحظى برضا الحلفاء الغربيين لحكومة كييف، الذين يدفعون باتجاه إتمام الاقتراع في موعده.
منافسة نسائية
وفي وقت ما خلال أبريل أو مايو 2024، ستُفتح مراكز التصويت في الهند، لانتخاب أعضاء الغرفة الأدنى للبرلمان، المعروفة باسم «لوك سابها»، أو «بيت الشعب». 
وعقب الانتخابات، سيتولى الحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية أو الائتلاف الحائز عليها، اختيار رئيس الحكومة، وذلك وسط توقعات بأن يتمكن رئيس الوزراء الحالي ناريندرا مودي، من البقاء في منصبه لولاية ثالثة، ليواصل الإمساك بزمام الأمور، في بلد يبلغ عدد سكانه 1.4 مليار نسمة، ويتحدث أبناؤه أكثر من 100 لغة.
أما المكسيك، فمن المحتمل أن تشهد في منتصف العام الجديد مواجهة هي الأولى من نوعها في تاريخها، وذلك على ضوء تصدر مرشحتيْن لسباق الانتخابات الرئاسية، المقرر في الثاني من يونيو، ما يرجح وصول امرأة إلى كرسي الرئاسة في هذا البلد. 
وتمثل إحدى المتنافستيْن أحزاب المعارضة، فيما تخوض الأخرى الانتخابات عن الحزب الحاكم، بعدما شغلت منصب رئيس بلدية العاصمة الاتحادية مكسيكو سيتي من قبل.
وفي الفترة ما بين السادس والتاسع من يونيو، ستُجرى انتخابات البرلمان الأوروبي، وهي الأولى منذ خروج بريطانيا من الاتحاد قبل سنوات قليلة. ويحق لأكثر من 400 مليون أوروبي التصويت في الانتخابات، ما يجعلها ثاني أكبر عملية اقتراع في العالم، بعد نظيرتها في الهند.
ومن المقرر أن يختار ناخبو الدول الأعضاء الـ27 في الاتحاد الأوروبي، 720 عضواً في البرلمان التابع له، لفترة تستمر بين عاميْ 2024 و2029. 
وتتركز الأنظار على نسبة الإقبال على التصويت، بعدما شارفت في الانتخابات الأخيرة عام 2019 نحو 51%، وهو ما شَكَلَّ آنذاك المعدل الأعلى منذ ربع قرن. 
كما يتساءل مراقبون عما إذا كانت الانتخابات الأوروبية المقبلة، ستمنح الفرصة للأحزاب الشعبوية، للحصول على مزيد من المقاعد في البرلمان الأوروبي، من عدمه.
جانبا الأطلسي
في وقت يُتوقع فيه على نطاق واسع أن تشهد بريطانيا انتخابات برلمانية خلال 2024، على اعتبار أن ولاية مجلس العموم الحالي ستنتهي في الـ17 من ديسمبر المقبل، فإن هذا الاقتراع على أهميته، لن يخطف الأضواء غالباً، من السباق الضاري المتوقع صوب البيت الأبيض، على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي. 
ففي الخامس من نوفمبر، ستتجه الأنظار إلى الولايات المتحدة، لمتابعة انتخاباتها الرئاسية، التي يُتوقع أن تصبح تكراراً لمواجهة عام 2020، بين الرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن وسلفه الجمهوري دونالد ترامب، وذلك رغم المشكلات القانونية التي تواجه الأخير. 
ومن المنتظر أن يكون الاقتراع المقبل الأكثر تكلفة في التاريخ الأميركي، في ظل تقديرات بأن يشهد إنفاق أكثر من 10 مليارات دولار على الدعاية الانتخابية. وبالإضافة لتحديد هوية الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة، ستشمل انتخابات الخامس من نوفمبر، التنافس على جميع المقاعد الـ435 لمجلس النواب، بجانب ثلث مقاعد مجلس الشيوخ، ومنصب الحاكم في 13 ولاية أميركية.