يكشف وضع لبنان وانفجار مرفأ بيروت الضخم والقاتل والمدمر- الذي قدرهُ بعض المختصين بعُشْر قنبلة هيروشيما، بينما الآخر عادلهُ بزلزال قوته 4.5 على مقياس ريختر- عن الخطر المحدق بالإنسان والحياة، مع تزايد عدد الدول شبه الفاشلة، والتي تحمل عوامل ومؤشرات عجزها عن تحقيق وظيفتها الأساسية، وهي التمتع بالسيادة والأهلية الدولية وحماية إقليم الدولة والمنظومة الاجتماعية، إلى جانب تحقيق المستوى المقبول من متطلبات الشعب من الأمن والتنمية والعدالة والمشاركة السياسية. فالدول شبه الفاشلة قد تصبح دولاً فاشلة، عندما يكون فيها النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي قد انهار بالفعل. فعلى الرغم من تعدد مؤشرات الدول شبه الفاشلة، فإننا نجد مسألة «المواطنة والولاء» تُمثل عاملاً محورياً في هذه المعضلة، والتي سنشرحها هنا عبر سياقين.
أولاً: العلاقة بين الشعب والنظام السياسي. تمثل الأنظمة الحاكمة المتعددة نتاجاً لتفاعل وارتباط المجتمعات البشرية بإقليم ما، حيث تأتي التشريعات والقوانين والأعراف، أو ما يطلق عليه البعض «العقد الاجتماعي»، لتحديد إطار العلاقة من الحقوق والواجبات بين المجتمع والنظام السياسي للدولة. وعليه، يصبح المواطنون يحملون هوية الانتماء إلى دولة/وطن ما، في ظل أنظمة تتمتع بالشرعية والسيادة وتنفيذ القانون، مع تحقيق مطالب وتطلعات شعوبها.
ثانياً: الحراك الاجتماعي بين الانتماء والولاء. قطعاً، أعلى درجات الانتماء إلى الوطن هو الولاء، الذي يعتبر حالة فكرية وعاطفية ومعنوية ينتج عنها سلوكيات وأفعال وأفكار قد تتلاقى مع المواطنة القانونية، وفي حالات أخرى، ربما تتعارض لدرجة تصل إلى الخيانة الوطنية. فمسألة الولاء تحولت إلى معضلة في بعض الأقطار العربية، خاصةً مع الجماعات الدينية التي لا تؤمن بالدولة القومية القطرية، وتجعلها عرضةً للتدخلات والصراعات الإقليمية والدولية، كما أن بعض الجماعات العرقية لا تشعر بالانتماء، فكيف بالولاء؟! بل تتصادم في أحيان كثيرة مع منظومة الدولة. وهناك أيضاً في هذه المعضلة، جماعات المصالح الفاسدة، والذين يستغلون مناصبهم وأعمالهم الخاصة في نهب مُقدرات ومستقبل أوطانهم.
فهذه الحالات من فقدان الولاء الخبيثة تقود إلى حالات يمكن تسميتها «فقدان الولاء الحميد»، في الدول شبه الفاشلة، حيث تمرض ولا تموت روح الولاء لدى الكثير من أفراد المجتمع، فبينما يفقد البعض قوة العزيمة نحو الإصلاح لفترة ما، يجنح البعض إلى شراء تذاكر الرحيل والهجرة إلى بلدان أخرى. 
حقيقةً، تقضي جميع الدراسات بأن الدول أحياناً لا تستطيع تحقيق الولاء التام لها في جميع مواطنيها لأسباب تعدد وتنوع المعتقدات الدينية والأيديولوجية والأبعاد العرقية والثقافية، التي تصعد وتهبط وتتغير في حراك اجتماعي له تأثيراته المتفاوتة على السيادة الوطنية بين فترة وأخرى. رغم ذلك، فالحكومات المتمتعة بالشرعية والسيادة وسلطة تنفيذ القانون، تستطيع وضع سياسات تقود إلى حالة عالية من الولاء للدولة، عبر التنشئة السياسية في المدارس والإعلام، وتمثيل جميع فئات الشعب، مع تحقيق العدالة ومستويات من التنمية الشاملة والمشاركة السياسية، إلى جانب مكافحة وتقويم الأفكار العابرة للأقطار، المتصادمة مع أمن وهوية الدولة القطرية/ القومية.
فمازال دخان انفجار بيروت يرسم في سماء منطقة الشرق الأوسط، والعديد من المناطق، مدى المعاناة الإنسانية في ظل استمرار وتزايد الدول شبه الفاشلة والفاشلة على حد سواء.