وقت ظهور هذه الكلمات للنور، يكون المتبقي ثلاثة أسابيع على الثالث من نوفمبر، أي الموعد الرسمي للانتخابات الرئاسية الأميركية، وإن كانت الآلاف وربما الملايين من الأميركيين قد ساروا في درب الاقتراع المبكر. حكماً أميركا والعالم أمام انتخابات غير مسبوقة، لاسيما إن تدافع الأحداث فيها أمر لم تجر به المقادير من قبل، ولا يعرف المراقب القريب من الشأن الأميركي، أي مفاجآت تحملها الأسابيع الثلاثة القادمة، وما مدى تأثيرها على الناخب الأميركي.
باختصار، غير مخلّ وحتى لا يضيع القارئ في متاهة ما يجري، يمكننا القطع بأن الانتخابات سوف تجري موعدها، وأن فكرة تأجيل الانتخابات جراء إصابة ترامب بفيروس كورونا تراجعت وتوارت، إن لم يطرأ جديد على صحة الرجل.
تالياً، يبدو الصراع ضار حول الكتلة الانتخابية الصامتة، لا سيما في الولايات المتارجحة، ومن سيقدر له دفع تلك المجموعات ناحيته سيكون ولا شك في الفوز نصيبه.
في السياق نفسه، يمكننا القول إن المناظرة الرئاسية الأولى قد أخفقت في إحداث تغيرات جوهرية في توجهات الناخب الأميركي، فلا يزال مناصرو ترامب مصرون على دعمه، وفي الوقت عينه تبقى كتلة بايدن ماضية قدماً في زخمه.
الحديث عن مفاجآت أكتوبر في انتخابات 2020 لا يزال في إطار التنظير الكلامي فحسب، وقد خيّل للكثيرين أن مرض الرئيس ترامب هو المفاجأة القدرية غير المتوقعة، إلا أن تعافيه المبكر أفشل المشهد، وعليه فإن هناك كثيراً من التحليلات تمضي في طريق آخر، وهنا ربما تكون المفاجأة الحقيقية، الساحقة الماحقة، التي لا تصد ولا ترد، أي إعلان إدارة ترامب عن عقار شافٍ بدرجة مذهلة من فيروس كورونا الذي يعاود الآن وبضراوة هجوماته على صحة الأميركيين، وهو إعلان إن جرت به المقادير سيضمن للرجل أربع سنوات مريحة جديدة في البيت الأبيض.
قبل ساعات من كتابة هذه السطور، كان ترامب يرفع السرية عن الوثائق المتصلة بأزمة البريد الإلكتروني لهيلاري كلينتون، والتي أدت إلى تحول الأميركيين عنها في انتخابات 2016، فهل جاء توقيت الرفع عشوائياً، أم أنه أمر مخطط له ضمن سياق الربع ساعة الأخيرة، ولكي يثبت ترامب للشعب الأميركي من الذي عرض الأميركيين للخطر، ومن كان له علاقة مع الروس، «الجمهوريين» أم «الديمقراطيين»؟ على أن ما يشغل أميركا بشكل كبير هذه المرة، فكرة الانتخابات عبر البريد الإلكتروني، وهل ستكون هذه الآلية أداة موفقة أم حجر عثرة في طريق توحيد الأميركيين؟
الشكوك كثيرة، لاسيما أن مسالة فرز أصوات أكثر من أربعين مليون ناخب، تشوبها مخاوف ومخاطر جسيمة، وفي مقدمها التزوير والتلاعب. والأخطر هو قدر الوقت المطلوب للفرز، ثم التدقيق، وعليه كيف يكون الحال إذا قام أحد المرشحين، وهو السيناريو المرجح، بالتشكيك في العملية برمتها، وساعتها لن تكون إلا المحكمة العليا الملجأ والمفر.
على أن هذه المحكمة تحتاج إلى تصرف سريع لإقرار ترشيح القاضية «إيمي باريت» من عدمه، وإصابة أعضاء من مجلس الشيوخ بـ«كورونا»، ربما تجعل مسألة حسم هذا الترشيح في الأسابيع الثلاثة القادمة أمراً غير مرجح. سؤال أكثر إثارة في الأيام المتبقية: هل ستكون هناك مناظرة ثانية بين المرشحين للرئاسة؟
ترامب يقول إنه جاهز، وبايدن يبدو أنه يخشى المقابلة خوفاً على صحته. مهما يكن من أمر، يحتاج الأميركيون إلى قدرة استثنائية لتجاوز هذه المرحلة، حيث التشظي هو العنوان، والعنف خلف الباب مهدد الجميع.
*كاتب مصري