يحظى العنصر البشري في رؤية دولة الإمارات العربية المتحدة باهتمام خاص؛ وهذا الاهتمام لا يقتصر على المواطنين فحسب؛ بل يشمل كل مقيم على هذه الأرض الطيبة. وكما تحرص القيادة الرشيدة، وتعمل ليل نهار من أجل راحة المواطن وتوفير كل سبل الرفاه له؛ فهي كذلك بالنسبة إلى المقيم؛ حيث لا تتردد في اتخاذ كل ما من شأنه أن يحقق له الاستقرار والعيش الكريم ويشعره، قولاً وفعلاً، أنه في بلده الثاني. وفي هذا السياق، جاءت توجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة -حفظه الله- بتعديل بعض الأحكام المرتبطة باللائحة التنفيذية للقانون الاتحادي في شأن الجنسية وجوازات السفر، حيث يجيز التعديل منح الجنسية الإماراتية للمستثمرين وأصحاب المهن التخصصية وأصحاب المواهب وعائلاتهم وذلك استناداً إلى عدد من الضوابط والشروط.
وتنطوي هذه الخطوة على أهمية كبيرة لاعتبارات عدة: أولاً، هي الأولى من نوعها في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية؛ وربما المنطقة كلها. فبالرغم من وجود برامج لمنح الجنسية في العديد من دول المنطقة، لكنها محدودة جدًّا؛ وليست عامة أو مفتوحة؛ بينما يُمثل القرار الجديد الذي اعتمده مجلس الوزراء برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، أول نظام جنسية مفتوح لأكبر عدد ممكن من المقيمين؛ بحيث يشمل معظم الفئات المنخرطة في العملية التنموية في الدولة؛ فضلاً عن تبسيط الإجراءات وفتح المجال واسعاً للمؤسسات الاتحادية للترشيحات.
ثانيًّا، تُظهر تقدير الدولة لدور المقيمين في مسيرة النهضة التي تشهدها الدولة؛ وهذا بدوره ينعكس إيجابيًّا على منظورهم لهذا الدور وأهميته، ويشعرهم بأنهم شركاء أساسيون في هذه المسيرة؛ وفي الوقت نفسه يضع على عاتقهم مسؤولية مضاعفة الجهد ومواصلة العمل للمحافظة على وتيرة التقدم الذي تشهده الدولة، وضمان التنمية المستدامة فيها. وثالثاً، تؤكد أن الإمارات أرض الفرص ومركز جذب للمميزين في العالم؛ والتعديل الجديد يضعها في طليعة الدول المستقبِلة للمواهب وأصحاب العقول والكفاءات من مختلف دول العالم. وهذا ينسجم بالمقابل مع نظرة هذه الكفاءات إلى دولة الإمارات؛ حيث حلّت الدولة في المرتبة الأولى عالميًّا في مؤشر القدرة على استقطاب المواهب وفقاً لتقرير مؤشر الازدهار العالمي 2019 الصادر عن معهد «ليجاتم»؛ بينما جاءت في المرتبة الثالثة عالميًّا في مؤشر الأجانب ذوي المهارات العالمية، ضمن تقرير الكتاب السنوي للتنافسية الصادر عن المعهد الدولي للتنمية. ولا شك أن مردَّ هذا أيضاً هو القوانين والسياسات بما فيها كذلك الامتيازات؛ وهو ما خلق بيئة جاذبة للكفاءات والمستثمرين وأصحاب المواهب.
رابعاً، يؤكد نهج الدولة في المحافظة على تنوّع المجتمع الذي يعدّ من أهم مصادر قوتها؛ ودليلاً على سيادة ثقافة التسامح فيها. فالإمارات بلد متعدد الثقافات؛ ومثل هذا القرار يرسخ هذا التنوع، ويعزز قيم التسامح داخل الدولة، ويمكّنها من مواصلة دورها الريادي في نشرها وتعزيزها عالميًّا. وخامساً، التعديل يخدم الاقتصاد الوطني بشكل كبير؛ حيث يسهم في استقرار رؤوس الأموال الأجنبية، ويساعد على جذب المزيد منها؛ لأن الاستقرار الذاتي أو الشخصي لأصحاب رؤوس الأموال وعائلاتهم، والاستقرار الأمني هما أهم عنصرين في المحافظة على رأس المال في الدولة.
أخيراً وليس آخراً، هذا القرار ينسجم أيضاً مع الرؤية العالمية لحقوق الإنسان؛ فبرغم أن مسألة منح الجنسية حق سيادي تام للدولة، أي دولة، فهي في الحقيقة تمثِّل أحد أهم المظاهر العملية لاحترام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. إذًا الإمارات تخطو خطوة أخرى نحو الريادة والتميز؛ فبعد أن أعلنت عن الإقامة الذهبية لأصحاب المواهب وعائلاتهم؛ ها هي تؤكد مرة أخرى أنها سباقة في رؤاها، وكذا في قرارتها؛ لتبقى النموذج والقدوة في هذه المنطقة من العالم؛ تماماً كما أرادها المؤسس المغفور له، الشيخ زايد طيب الله ثراه.
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية