في غمرة المعاناة الإنسانية نتيجة جائحة فيروس كورونا، أدرك عدد من الدول، خاصة في آسيا وأفريقيا، أن الخصومة المريرة في مناطقهم تضر بمصالحهم القومة الأكبر وتؤدي إلى تعثر اقتصادي كان من الممكن تفاديه. وبدأت هذه الدول أيضا تدرك أنها إذا استمرت في تبني مواقف متصلبة في نزاعاتها السياسية الثنائية مع الدول المجاورة، فلن يؤدي هذا إلا إلى الفقر والمعاناة الإنسانية. وأدركت أيضاً أن هذا يدفعها إلى موقف سيكون الخروج منه وتحقيق النمو والرخاء لمواطنيهم عسيراً للغاية. 

وفي الأسابيع القليلة الماضية، شهدت الهند وباكستان تخفيفاً في مواقفهما المتشددة المتبادلة وتحركاً فيما يبدو نحو تخفيف التواترات المتصاعدة فيما بينهما. وكان البلدان النوويان قد وصلا إلى ما قد يوصف بأنه أخطر مواجهة في العالم. وبدأت أحدث جولة من التوترات قبل عامين حين قُتل 40 جندياً هندياً في هجوم انتحاري. واتهمت الهند متشددين يتخذون من باكستان مقراً بتنفيذ الهجوم الذي ردت عليه بتنفيذ ضربات جوية داخل باكستان. ومنذئذ، تقلبت ميول زعيمي البلدين، رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ونظيره الباكستاني عمران خان، بين الإقدام والإحجام، لكنهما حققا القليل من التقدم نحو السلام. 
وهناك الآن حركة ملموسة تجلت في بيانات الهند وباكستان في أعقاب إعلان البلدين اعتزامهما تنفيذ إطلاق نار على امتداد الحدود. فقد أعلن قائد الجيش الباكستاني في الآونة الأخيرة أن الهند وباكستان يجب أن «يدفنا ماضيهما» ويمضيا قدماً إلى الإمام. وجاء هذا التصريح بعد إعلان مفاجئ، مفاده أن الجانبين وافقا على احترام اتفاقهما لإطلاق النار لعام 2003 على امتداد الحدود القائمة فعلياً في كشمير فيما يعرف بـ «خط التحكم». وكل هذا عزز الإحساس بأن البلدين قررا تبني نهج المرونة في مواقفهم المتصلبة في القضايا التي تعترض العلاقات. 

وبعد إعلان وقف إطلاق النار بقليل، حدثت تحركات على مستوى أدنى فيما يتعلق بقضايا ثنائية معلقة مثل إجراء محادثات بشأن «معاهد مياه نهر السند» لتقاسم مياه الأنهار المتدفقة من الهند إلى باكستان، كما وصل وفد من باكستان إلى الهند. ويتوقع أن يعلن البلدان تبادلاً للسفراء في نيودلهي وإسلام آباد، وإصلاح العلاقات التجارية بين البلدين المتنافسين. وكل هذه التطورات تشير إلى بعض الجهود لتهدئة التوترات والخلافات في علاقات البلدين. 

وهذه الانفراجة المهمة بين الخصمين اللدودين لم تأت من العدم. لقد كانت هناك جهود مكثفة من دول عربية خليجية لها علاقات ودية مع باكستان وعلاقات استراتيجية مع الهند. ونصحت هذه الدول للقيادة في البلدين بأن يخففا التوترات على الأقل للحد الذي يفسح للبلدين مساحة للمناورة ومناقشة الموضوعات الأساسية لإدارة العلاقات فيما بينهما. ومن خلف المسرح كان هناك التحالف الاستراتيجي الوثيق مع الخليج العربي، مع وجود علاقات تجارية واقتصادية قوية مع كلا البلدين. فالخليج العربي منطقة بها ملايين العمال الهنود والباكستانيين. وهذا الدور الخليجي ساعد المستشارين البارزين لزعيمي البلدين على الجلوس سوياً والتفاوض المباشر واستكشاف إمكانية التوصل إلى نقاط مشتركة لتخفيف التوترات بين البلدين. 
وفي الوقت نفسه، بدأت بنجلادش والهند تعزيز العلاقات الودية أصلا فيما بينهما. فقد قضى مودي يومين في بنجلادش، في أول زيارة خارجية له منذ بداية الجائحة العام الماضي. واجتمع مودي مع نظيرته البنجلادشية شيخة حسينة واجد و«عبر عن رضاه عن الحالة الممتازة للعلاقات الثنائية» بين البلدين. واتفق الزعيمان على التعاون في طائفة من مجالات العمل المشترك، امتدت من تطوير خطوط النقل وإقامة محطة لتوليد الطاقة النووية ونقل تكنولوجيا الفضاء، إلى التعاون في الذكاء الاصطناعي. ومنحت الهند بنجلادش أيضاً 1.2 مليون جرعة من لقاح أسترازينيكا المضاد لفيروس كورونا، في وقت تعطي فيه نيودلهي الأولوية للحاجة المحلية على الطلب العالمي. 

وتمتعت الهند وبنجلادش بعلاقات وثيقة مدعومة بصداقة الشيخة حسينة القوية مع الهند. فقد ساعدت بنجلادش الهند في الحملة ضد متمردي الشمال الشرقي، الذين كانوا ينفذون هجمات في شمال شرق الهند ويختبئون في منطقة الحدود مع بنجلادش. وقدمت بنجلادش معبراً لنيودلهي إلى الولايات الشمالية الشرقية الهندية التي تتصل بباقي شبه القارة بشريط رفيع يعرف باسم «عنق الدجاجة». ويتوقع أن تعزز زيارة مودي العلاقات بين البلدين اللذين أثارا اهتمام العالم بإنجازاتهما الاقتصادية. ومازالت الهند تشارك بنجلاديش في قضية اللاجئين الروهينجا القادمين من ميانمار، الذين أصبح عددهم في بنجلادش يقرب من المليون لاجئ. 
والتحسن في العلاقات مع باكستان والتعاون الوثيق مع بنجلادش يمثل تطوراً جيداً في جنوب آسيا. وإذا حافظت الهند وباكستان على العلاقات وركزتا على تحسين اقتصادياتهما، فهذا سيمثل مكسباً للجميع. وباكستان تسعى للتركيز على الاقتصاد، بينما تسعى الهند لتهدئة التوترات على الحدود بعد معالجة التوترات مع الصين العام الماضي. وهذه الجهود من شأنها أن تدعم جنوب آسيا حتى في الوقت الذي تكافح فيه جائحة كوفيد-19.