لم يعد سراً على أحد، أنه نتيجة الهدر والفساد وسوء الإدارة، وصلت المنظومة السياسية الحاكمة في لبنان إلى المنحدر الاقتصادي والنقدي والمالي والاجتماعي والسياسي والأمني، وتقود حالياً البلد والشعب إلى المجهول، بعدما خسرت «ثقة» المجتمعين العربي والدولي، وفقدت شرعيتها الخارجية، وهي اليوم تفقد «ثقة» اللبنانيين، وشرعيتها الداخلية. وكذلك يعرف جميع اللبنانيين أين هو الفساد، ومن هم الفاسدون، لكنهم يرضخون للأمر الواقع، إما بسبب شعور البعض بالعجز، وإما لأن البعض الآخر مستفيد من الفساد، لكن الأشد مرارةً هو أن الغالبية يبررون الفساد لزعيمهم. وكل طرف يختار الكلام عن النظافة، حيث يناسب مصالحه، ثم يتراشق السياسيون التهم بالفساد، ويتبرؤون منه.
ورغم الإجماع العربي والدولي، على ضرورة تشكيل حكومة اختصاصيين من غير الحزبيين، تكون قادرة على تنفيذ الإصلاحات، وتكافح الفساد وتعالج الخلل القائم، وتضع الاقتصاد اللبناني على طريق التعافي واستعادة «الثقة».. يلاحَظ أن المسؤولين عن تشكيل الحكومة غير مهتمين بالأوضاع المتدهورة، والتي تنزلق بسرعة إلى كارثة تطال وجود الدولة اللبنانية وكيانها. وهو الأمر الذي رفع قلق الفرنسيين إلى «ذروته»، وأصبحت باريس تدرك جيداً أن ثمة «مزيجاً قاتلاً» بين التعقيدات الإقليمية والمصالح الشخصية الداخلية، ويبدو «عصياً» على الحلول الخارجية، لذلك قرر الرئيس إيمانويل ماكرون رفع سقف الإجراءات واللجوء إلى عقوبات أوروبية. وقد تم تشكيل لجنة من القصر الرئاسي الفرنسي ووزارة الخارجية، وبمشاركة جهاز المخابرات الذي يرأسه برنار إيمييه السفير السابق في لبنان، مهمتها دراسة ملف العقوبات على سياسيين ومستشارين لبنانيين، متهمين بعرقلة ولادة الحكومة، على أن تبحث المجموعة الأوروبية لائحة الأسماء وإقرارها في اجتماع يعقد الإثنين المقبل في بروكسل. لكن ما هي طبيعة هذه العقوبات؟.. وما أهدافها؟ وما مدى تأثيرها على أصحاب الشأن؟
تطبِّق المجموعة الأوروبية عادةً عقوبات لتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي، أو لتعزيز أهداف السياسة الخارجية والأمنية المشتركة، كدعم الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان، والدفاع عن مبادئ القانون الدولي. وتستند في ذلك إلى المادتين 30 و31 من معاهدة الاتحاد. وهناك مجموعة واسعة من الإجراءات التقييدية التي يمكن أن يفرضها الاتحاد الأوروبي، وتشمل عقوبات ديبلوماسية كقطع العلاقات، وتعليق الزيارات الرسمية، أو عقوبات تجارية عامة، أوقيود الدخول كمنع السفر، وعقوبات مالية كتجميد الأموال، وغيرها.. وسبق للاتحاد أن اتخذ عقوبات شبيهة بالتي ستفرض على مسؤولين لبنانيين. ففي يناير 2011 اتخذ جراءات تقييدية ضد المسؤولين عن اختلاس أموال الدولة التونسية من أجل استردادها. وفي أكتوبر 2015 فرض إجراءات هادفة ضد الذين يقوضون الديموقراطية، أويعرقلون البحث عن حل سياسي في بوروندي. 
ولمعرفة مدى تأثير العقوبات الأوروبية على اللبنانيين الذين ستشملهم، يمكن الاستعانة بتقارير بنك التسويات الدولية التي تشير إلى أن الالتزامات الخارجية تجاه القطاع اللبناني غير المصرفي (الأفراد والشركات غير المالية) زادت قيمتها بنحو4 مليارات دولار، وبلغت 15.3 مليار دولار في العام الماضي، موزعة في خمس دول أساسية هي: سويسرا (9.3 مليار دولار)، وفرنسا 2 (مليار دولار) واللوكسمبورغ (مليار دولار)، وبريطانيا (746 مليون دولار) والولايات المتحدة (416 مليون دولار). 
وإذا كانت أسباب العقوبات تعود إلى «تهمة» عرقلة ولادة الحكومة اللبنانية، فهل ستدفع السياسيين إلى تأليفها أم إلى واقع أسوأ، ليبقى الفراغ سيد الموقف؟
ويستشهد بعض المراقبين بالعقوبات الأميركية التي زادت الوضع تعقيداً وتأزماً، فيما المطلوب «أكل العنب لا قتل الناطور»، حرصاً على المبادرة الفرنسية.

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية