مع اقتراب «اليوم الدولي للتسامح» الذي يصادف 16 نوفمبر من كل عام، ويشكل مناسبة للتوقف عند ما آلت إليه العلاقات بين أمم العالم ودوله وشعوبه، والعمل على صوغ مواثيق جديدة لها تعزز التعايش المشترك، وتعظّم ما يجمع الناس ويؤلّف بينهم، وتحجّم وتقزّم ما يفرّقهم ويثير الكراهية في صفوفهم، فإنه يحق لدولة الإمارات أن تحتفل أيّما احتفال بهذه المناسبة، ذلك أنها من السباقين إلى نشر هذه الفضيلة وتعظيم هذه القيمة، وهي في مقدمة الساعين إلى جعلها أساساً للعلاقات بين الناس، وقاعدة للتعامل بين الإنسان وأخيه الإنسان، بصرف النظر عن أي عوامل أو عناصر أخرى.

نقول هذا والعالم يدرك أهمية تأصيل قيم التسامح، لدورها في الارتقاء بالعلاقات على النحو الذي يذيب الفوارق ويقضي على نوازع التمييز والعنصرية والتعصّب الأعمى ضد الآخر. وفي تعريفها للتسامح تقول منظمة «اليونسكو» إنه يعني الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا ولأشكال التعبير وللصفات الإنسانية لدينا، أي أنه بكلمات أخرى يجسّد الاقتراب من الفطرة السوية التي خلق الله الناس عليها، والتي تقوم على أساس أنّ الناس من أصل واحد، وقد وُلدوا لأب واحد وأم واحدة، وتكاثروا وانتشروا في الأرض ليصبحوا شعوباً وقبائل تتعارف وتتواصل وتتعاون على جعل الحياة أفضل وأكثر جودة على هذا الكوكب، وتتبادل المودة والإخاء من جانب، والمعرفة والإبداع من جانب ثانٍ، بما يمكّنها من التغلب على الصعوبات والتحديات التي قد تهدد وجودها أو مسيرتها.

نعم، الاختلاف سُنَّة من سنن الكون وطبع يغلب على الإنسان بحكم عوامل متعددة، غير أن تزيينه بالتسامح سيجعله بلا شك وسيلة تقارب وتحابّ وتوادّ، وليس أداة فرقة وتنافر وتباغض، ومنطلقاً لقبول الآخر واحترام قيمه وقناعاته، وسبيلاً للحوار الذي يفضي إلى تعزيز الأخوّة الإنسانية وإفشاء السلام بين أبنائها. في الإمارات التسامح ليس جديداً ولا حديث عهد، بل هو في صلب نهجها ومنهجها الذي استمدته من الدين الإسلامي الحنيف وشريعته الغرّاء، ومن قيمها وعاداتها العربية الأصيلة، فهي لا تحمل الضغينة ولا تحفل بالحقد ولا تأبه به، ولا تعادي إنساناً أو تستعديه، بل تحرص على الدوام وتسعى من دون كلل إلى طي الخلافات وتجاوز التناقضات، وتتناسى كذلك الإساءات وتقفز فوقها وتتسامى عليها في سبيل تحويل الحياة إلى الأفضل والأجمل، وتتطلّع نحو مستقبل أفضل لها ولشعوب العالم كلّه، لأنها تؤمن بالتسامح كواحد من أسباب السعادة التي ينشدها الإنسان، لأنه يساعد على تنقية النفس وصفاء الروح وتهذيب الخلق واستقامته. حقّاً بالتسامح يحيا الإنسان.

*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.