نهاية «الهيمنة الغربية»!
شاهدت المحاضرة القيّمة لمعالي الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة، والتي كانت الأسبوع الماضي، ضمن المحاضرات الرمضانية، لـ«مجلس محمد بن زايد».
المحاضرة جاءت بعنوان: «الأمن والاستقرار في عالمنا المتغير من منظور الإمارات»، وقد طرح عدة محاور مهمة للغاية ومنها: النظام الدولي والأزمات، التغيير هو القاعدة في النظام الدولي وليس الثبات والاستقرار، أهمية النظرة الشمولية للنظام الدولي.
لكن أهم محورين في نظري هما أن العالم أصبح أقل غربيةً مما كان عليه في العقود الماضية، والنظرة الضيقة الغربية بتأطير العالم أيديولوجياً بين دول ديمقراطية واستبدادية. في حقيقة الأمر، يبدو النظام الدولي وكأنه يشهد نهاية الهيمنة الغربية، كما ذكر معالي المستشار بسبب بزوغ قوى اقتصادية وتكنولوجية من آسيا ممثلة بالصين واليابان وكوريا الجنوبية وإندونيسيا وهذا «سيغير الميزان الذي كان مائلاً للغرب ليصبح أقل غربية».
لكن بعض المحللين السياسيين والأكاديميين الغربيين لهم تفسير إضافي لأفول الهيمنة الغربية والمتمثل بالولايات المتحدة. فالأكاديمي والمستشار الاستراتيجي الأميركي بروس أبرامسون Bruce Abramson ذكر في كتابه «الحرب الأهلية الجديدة» The New Civil War أن الولايات المتحدة تعيش الآن مرحلة انقسام كبيرة بين التقدميين Progressives والاستعاديين Restorationists.
فهذه المرحلة على حد تعبير الكاتب تعتبر مرحلة انهيار مماثلة للحرب الأهلية الأميركية الأولى، حيث يوجد نظامان سياسيان واقتصاديان واجتماعيان غير متوافقين بشكل أساسي، والأمر لا يقتصر على اختلاف في صنع السياسات فقط بل قيم غير متوافقة وآراء متباينة.
«التقدمية» كما وصفها الكاتب هي أيديولوجية يسارية ترفض كل المبادئ التي تأسست عليها أميركا، أما «الاستعادة» فهي حركة للأميركيين التقليديين والوطنيين الذين يرغبون في استعادة القيم الأميركية التقليدية، لأنها تمثل أعظم انتصار للولايات المتحدة. إن هذا الصراع الدائر بين هذين التيارين في الداخل الأميركي انعكس على السياسة الخارجية المتضاربة، مما أثّر على الهيمنة الأميركية والغربية عموماّ.
إن المحور المهم الثاني الذي تطرق له معالي الدكتور أنور قرقاش النظرة الضيقة لبعض المحللين الغربيين بتقسيم الدول إلى ديمقراطية واستبدادية لأن المساحة بين الأنظمة كبيرة، وليس هذان التصنيفان فقط. وهنا يوضح بروس أبرامسون في كتابه أن أساس تعثر السياسات الخارجية لأميركا هو غالباً ما يكون بسبب خبراء من التقدميين الذين ينظرون لأنفسهم وكأنهم على حق دائماً. فالواقع يثبت إفلاس هؤلاء الخبراء في كثير من آرائهم، وهذا كان متمثلاً برفضهم للاتفاقيات الإبراهيمية وبمساعدتهم لباراك أوباما في التقليل من شأن خطر الإسلام السياسي، ورفض دول الخليج ومصر لصالح إيران و«الإخوان».
إن هذا الاختلاف الذي سيطرأ على نوعية القوة المهيمنة للنظام الدولي، بالتأكيد سيسبب فراغاً أمنياً، وبالتالي هنا تأتي أهمية التكتلات بين الدول التي تتشارك في الأهداف السياسية، وبناء الجسور مع الدول ذات التوجهات المختلفة ومحاولة حل الخلافات دبلوماسيًا ومن هنا يتم إثبات نجاح النماذج الأخرى.
د. نجاة السعيد*
* باحثة سعودية في الإعلام السياسي