في الوقت الذي يمر فيه الاقتصاد العالمي وتمر فيه العلاقات التجارية والاستثمارية بين الدول بمرحلة شديدة الحساسية على الصُعد كافة، فإن هذه الحساسية تزداد إذا تم التركيز على أحوال دول القارة الأفريقية. فبغض النظر عن أوضاع الاستقرار السياسي الأفريقي، مازالت التجارة الخارجية لأفريقيا تجاهد لتتعافى كمياً منذ أن تقطعت بها السبل في أعقاب جائحة كورونا في مطلع العام 2020.

ورغم تعافي الصادرات السلعية الأفريقية خلال العام 2021 ووصولها لنحو 547 مليار دولار وفق إحصاءات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «أونكتاد»، لكنها لم تتمكن من معالجة مشكلة العجز القائم في الميزان السلعي الأفريقي، حيث بلغت قيمة هذا العجز حوالي 83 مليار دولار في العام 2021. وإزاء هذا العجز التجاري المزمن، من الطبيعي أن تزداد حساسية الاقتصاد الأفريقي تجاه التقطع الذي يحدث حالياً في سلاسل التوريد العالمية بفعل أزمة الحرب الروسية-الأوكرانية.

على أن ما ينطبق على التجارة الخارجية الأفريقية ينطبق مثله على ما تدفق إليها من استثمارات أجنبية مباشرة. ذلك أن هذه الاستثمارات، وإن كانت قد شهدت هي الأخرى تعافياً في قيمتها خلال العام المنصرم 2021، فإن تقارير منظمة «أونكتاد» تؤكد على أن هذا التعافي مازال هشاً وحساساً للتقلبات الاقتصادية الدولية، كونه تدفق لقطاعات أفريقية ضعيفة الاتصال بأهداف التنمية المستدامة في القارة الأفريقية النامية.

وهذه الهشاشة تمثل سمة طويلة الأجل من سمات الاقتصاد الأفريقي في العموم، كما أنها تشكل أحد معضلاته التنموية الرئيسية. ولذلك، فإن الاقتصادات الأفريقية، وهي تهدف للتصدي لمعضلاتها التنموية المتنوعة، وبينما تسعى لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تخدم أهدافها للتنمية المستدامة، مطالبة بالعمل على ثلاثة محاور اقتصادية على قدر كبير من الأهمية: المحور الأول يدور حول الكيفية التي يمكن من خلالها تطوير مؤشرات الحوكمة ومحاصرة الظواهر الاقتصادية السلبية. فعبر ذلك تصبح هذه الاقتصادات مهيئة لجذب الاستثمارات الخادمة للتنمية والمتصالحة مع البيئة. كما أن تطوير السياسات العامة التي تتبناها الحكومات الأفريقية كفيل بحد ذاته في ترشيد بيئة الأعمال المحلية وجعلها صالحة لاستقبال النوعية عالية القيمة المضافة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

المحور الثاني يرتبط بضرورة تهيئة بيئة الأعمال الأفريقية لكي تزيد التشابكات الاقتصادية بين القطاعات الإنتاجية المحلية وبين شركات الاستثمار الأجنبي الحالية والمحتملة. ومن الضروري في هذا السياق الإشارة إلى وجوب توفير الدعم الكافي لرواد الأعمال الأفارقة لتتركز مشروعاتهم وشركاتهم الصغيرة والمتوسطة في الأنشطة المتشابكة مع أنشطة الاستثمارات الأجنبية.

فالتجارب الناجحة في الاستفادة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة تؤكد أن هذه التشابكات هي من أهم الضمانات الاقتصادية لكي تتدفق الاستثمارات المفيدة لأهداف التنمية المستدامة. المحور الثالث، يتعلق بضرورة تطوير البنى التحتية التعليمية، وتحديث أنظمة التعليم المحلية وتهيئتها لتقدم لسوق العمل المخرجات التي تحتاجها القطاعات الإنتاجية المحلية أو تخطط لها الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فكل ذلك يعتبر من أهم المتطلبات الواجبة لكي تصبح قارة أفريقيا وجهة رئيسية لهذه الاستثمارات الدولية في المستقبل المنظور. 

مركز تريندز للبحوث والاستشارات