استضافت الهند خلال الأسبوع الماضي قمة «صوت الجنوب العالمي» التي تضم بلدانا من أميركا اللاتينية وآسيا وأفريقيا. القمة في حد ذاتها لم تتمخض عن أي إعلانات كبرى، لكن القمة تُعد جهداً مهماً لتوفير إطار عالمي للبلدان النامية، والتي لا تتوفر لها دائماً فرصةُ إسماع صوتها في الحكامة العالمية. ولذا، فإن الجهد الذي قامت به الهند مثّل طريقةً لطرح قضايا تُعد مهمة من قبل البلدان النامية على طاولة النقاش. القمة التي جاءت على هيئة منتدى افتراضي منحت الهند مدخلات من بلدان الجنوب ستصبح الآن مدخلات في مجموعة العشرين التي ستتولى نيودلهي رئاستَها الدورية هذه السنة. ويُقصد بالجنوب الدول النامية التي تقع في الجزء الجنوبي من العالم وإلى الجنوب من الدول الصناعية المتقدمة. 
رئيسُ الوزراء الهندي ناريندرا مودي أعلن خلال هذه القمة التي دامت يومين عن «مركز الجنوب للتميز»، و«مبادرة الجنوب للعلوم والتكنولوجيا»، ومشروع لتوفير المواد الطبية الأساسية، و«مِنح الجنوب» لفائدة الطلبة في البلدان النامية. كما أعلن عن «منتدى الجنوب للدبلوماسيين الشباب» للربط بين مسؤولي وزارات الخارجية الشباب في البلدان المشاركة. المنتدى عرف مشاركة أكثر من 120 بلداً نامياً، وهو ما وصفه رئيس الوزراء مودي بأنه أكبر تجمع افتراضي للجنوب على الإطلاق، مشيراً إلى أن السنوات الثلاث الأخيرة كانت صعبة بالنسبة للبلدان النامية، وأن الجهود التنموية تأثّرت بجملة من التحديات، من قبيل «كوفيد-19»، وارتفاع أسعار الوقود والأسمدة والحبوب، إلى جانب «التوترات الجيوسياسية المتنامية».
«مبادرة الجنوب» تُعد كذلك جهداً من قبل الهند لتولي الزعامة بخصوص القضايا العالمية ولإبراز آراء الدول النامية بشأنها. ويذكر هنا أن مكانةَ الهند على الساحة العالمية ازدادت قوةً وأهميةً، وخاصةً في أعقاب حرب أوكرنيا، والتي اختارت فيها الهندُ عدمَ الانحياز إلى أي طرف. ولئن كان ذلك يعزى جزئياً إلى حسابات استراتيجية براغماتية، فإن موقف الهند هذا لاقى تقديراً وإعجاباً بسبب التزامها الحياد. كما عرضت الهندُ المساعدةَ على إنهاء الحرب في أوكرانيا وأبقت على خيوط الاتصال مفتوحةً مع كل من أوكرانيا وروسيا إلى جانب الغرب. 
والآن تتطلع الهندُ إلى الدفع بأجندتها العالمية بشكل أكبر، ومنتدى الجنوب يهدف إلى مساعدة الهند على التعبير بشكل أفضل عن احتياجات الدول النامية وأصواتها. وقد سمحت القمةُ للهند بخلق طريق جديد يتميز بقدر أكبر من التعاون نحو تحقيق أولويات الجنوب. ولعل أبرز ما صدر عن المؤتمر هو الحاجة إلى التعبير عن صوت بلدان الجنوب في المحافل والمؤسسات الدولية وإصلاحها من أجل تمثيل متوازن للعالم النامي. ويأتي دورُ الهند في ظرف صعب يتسم بازدياد التوترات بسبب حرب أوكرانيا وفي وقت بلغت فيه التوترات بين الولايات المتحدة والصين أعلى مستوى لها على الإطلاق. كما شهدت علاقات الهند مع الصين توتراً بسبب مشاكل حدودية. 
إنها حقبة تتميز بقدر كبير من الانقسام والاستقطاب عالمياً، والهند تسعى إلى أن تكون في مقدمة الجهود الرامية إلى إيجاد حلول للمشاكل العالمية مثل تغير المناخ وأزمة الطاقة. ولا شك في أن نيودلهي قادرةٌ على التموضع ولعب دور جسر بين الدول الصناعية الغنية ودول الجنوب. ذلك أن الهند عضو في مجموعة العشرين وتنتمي في الوقت نفسه إلى الجنوب باعتبارها دولةً ناميةً. وخلال القمة، شدد رئيس الوزراء الهندي على الروابط التاريخية بين البلدان المختلفة، معيداً التأكيد على أنه خلال القرن الماضي «دعمْنا بعضنا البعضَ في معركتنا ضد الحكم الأجنبي، ونحن نستطيع فعل ذلك مرة أخرى هذا القرن أيضاً لخلق نظام عالمي جديد يضمن رفاهية مواطنينا». 
ومما لا شك فيه أن مبادرة حكومة مودي تمثّل بالنسبة للهند خطوةً جيدةً نحو التحول إلى صوت للدول النامية، لا سيما أن العالم يواجه بعض التحديات الصعبة وسط ارتفاع التضخم واستفحال مشاكل البطالة والركود التي تؤثر على الاقتصاد العالمي. وبالنسبة للدول النامية بشكل خاص، ضرب «كوفيد- 19» الأهدافَ التنمويةَ، وكان من نتائج ذلك أن تراجعت العديدُ من البلدان عن المكاسب التي حققتها خلال سنوات ما قبل وباء «كوفيد- 19». وبالتالي، فمن الصواب أن تنتصر الهند لقضايا هذه الدول، لا سيما في وقت فشلت فيه المنظماتُ الدوليةُ متعددةُ الأطراف في منح الدول النامية تمثيلاً كافياً. 
ولا شك في أن الهند تتبوأ موقعاً فريداً يؤهّلها للعب دور الجسر بين الدول النامية والدول المتقدمة. إذ ستمنح القمةُ الهندَ فرصةً لإحالة التخوفات وبواعث القلق التي تعبّر عنها الدول النامية إلى مجموعة العشرين التي تُعد واحداً من المنتديات الدولية متعددة الأطراف التي يُنظر إليها باعتبارها خرجت أكثر قوة من جائحة «كوفيد- 19»، واستطاعت تحقيق بعض النجاح في تقديم حلول للمشاكل العالمية. 

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي