لتَبرم وزير الخارجية الإيراني أمير عبداللهيان من طول الرحلة الجوية إلى بكين دلالات تتجاوز عدد ساعات الرحلة جواً، وكذلك كان رد وزير الخارجية السعودي، سمو الأمير فيصل بن فرحان آل سعود «إنها ساعتان إلى الرياض»، في إشارة واضحة إلى أن طهران فرضت هذا الاتجاه بعد رفضها القبول بمقاربات إقليمية قادرة على تحقيق الاستقرار المنشود من قبل جميع دول وشعوب دول الإقليم، والتحول من اللعب عبر أوتار التوازنات الدولية إلى صناعة واقع إقليمي يحتكم الى التعاون واحترام السيادة.
المقاربة السعودية الإيرانية عَبرت عن نموذج غير مسبوق في الدبلوماسية الصينية لحد إغرائها الأوروبيين بطرق أبواب بكين بشكل جاد عبر زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وفي إشارة إلى استعداد أوروبا للانفتاح بشكل حقيقي إنْ قبلت الأولى الإطلاع بدور متقدم في الأزمة الأوكرانية. إلا أنه يتوجب على أوروبا إدراك تفاصيل سيكولوجية السياسة الصينية، وذلك أولاً، أما ثانياً، هل ستقبل واشنطن بمثل ذلك؟ وثالثاً، هل يستطيع الاتحاد الأوروبي التعبير عن إرادة سياسية مستقلة عن واشنطن في مثل هذا الملف تحديداً؟

المسار الوحيد والمتاح أمام واشنطن بدل التبرم من تعاظم دور الدبلوماسية الصينية في مناطق نفوذ تقليدية أو خالصة (من المنظور الأميركي) هو تطوير دبلوماسية مُنعتقة من حلم استعادة عالم آحادي القطبية بقيادتها، وفي حال فشلت في إدراك ذلك، فإنها قد تتفاجأ بتحولات قد يفرضها الاقتصاد السياسي وأخطرها تحقق فك الارتباط النسبي بالدولار. حينها لن تستطيع الولايات المتحدة محاربة الإرادة الدولية أو التهديد بفرض عقوبات. فالولايات المتحدة لم تصلح نظامها المالي والرقابي مالياً بالشكل المطلوب حتى بعد شبه الانهيار التام للنظام المالي العالمي في 2007 والذي اتصل بانهيار ثلاثة بنوك جديدة وهي (سيلكون فالي/ سيغنتشر/ وسيلفرغيت) في أواخر مارس الماضي.
مكمن فشل الدبلوماسية الأميركية هو رفضها إعادة صياغة مفهوم استراتيجي لعالم لم يعد قابلاً بسيادة الأقطاب نتيجة للتحول في آليات الاقتصاد والاتصال، وإنها لم تعد الطرف الوحيد القادر على الإمساك بكل خيوط الملفات والأزمات. أما شرق أوسطياً، فإن سر نجاح بكين دبلوماسياً سببه فشل الدبلوماسية الأميركية، وما يؤكد ذلك هو ما رشح من تصريح لمدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية وليام برنز أثناء زيارته الأخيرة للرياض الأسبوع الماضي (وذلك بحسب تقرير نشرته وول ستريت جورنال بتاريخ 6 أبريل الجاري بعنوان: السعودية وإيران تتفقان على استئناف الرحلات الجوية بعد اجتماعهما في بكين). حيث علق برنز على قرار أوبك+ خفض الإنتاج بمعدل مليون ونصف المليون بشكل يومي بدأ من شهر مايو المقبل، يماثل «الإمعان في تحجيم مكانة الحليف الأميركي من قبل الرياض».

السؤال الأخير لواشنطن، ماذا لو نجحت بكين في جسر الهوة بين الرياض وتل أبيب (وأنا هنا لاألمح لمثل ذلك الآن)، واقنعتْ الطرفيْن بقبول تسوية لملف السلام في الشرق الأوسط يكون محل قبول الفلسطينيين والإسرائيليين، ويرتكز على مبادئ مبادرة السلام العربية، وبضمانة بكين والرياض.
*كاتب بحريني