السودان كان الضمير المستتر في عنوان مقالي السابق وإنْ ظهر جلياً، وما يتتالى من أحداث يؤكد إحدى الفرضيات التي تناولتها آن ذاك، ألا وهي قابلية التوافق الإقليمي والدولي لمسار الحسم العسكري لصالح أحد طرفي الصراع، وتجنيب السودان حالة الفشل التام للدولة (الحالة اليمنية/ الليبية).

ومما يعزز تلك الفرضية، هو بقاء الصراع ضمن حيز عنصر القوة وتحييد الأهداف الحيوية والبنى التحتية الاستراتيجية (اتصالات/ مستشفيات/ جسور/ إنتاج الطاقة). إلا أن إخراج/ خروج عنصر التفوق الجوي «الآني» من معادلة القوة في وقت لاحق (في حال فشل الجيش السوداني في إنزال هزيمة بائنة بالطرف الآخر)، سيغير من موازين القوة لصالح الطرف الأكثر قدرة على المناورة والانتشار التكتيكي.

سياسياً، يبدو أن طرفي الأزمة قد توافقا كذلك على تحييد منطقة بورتسودان من دائرة الصرع، لكونها الآن مركزاً لعمليات الإجلاء الإنساني وستغدو لاحقاً المنفذ الإغاثي والإنساني الأول حال تجذرت الأزمة وتحولت لحرب أهلية. قد تبدو ملامح التباين الإقليمي غائبة نسبياً من المشهد مخافة اتساع هوامش الأزمة كما في الحالة الليبية والسورية، وتحولها لحالة عصية من الاستنزاف العبثي من قبل أطراف دولية. وكذلك ثقل الأطراف الدولية ومساحة ما توفره هوامش تقاطع المصالح من فرص للتوافق، والخلوص لتوافقات سودانية إقليمية قابلة للاستدامة.

أمر قبول تحول السودان إلى دولة فاشلة لا يمكن القبول به على المستويين الأفريقي والإقليمي (الشرق الأوسط)، خصوصاً، وما لتأثيرات ذلك على جوارها المباشر: الجنوبي/ الغربي / الشمالي والبحر الأحمر.

ويتوافق ذلك والتحولات في رؤى بعض القوى الدولية، لذلك كان من الطبيعي تَخلق رباعية جديدة (السعودية/ الإمارات / الولايات المتحدة/ بريطانيا) لقيادة الجهد الدولي، والاستفادة المثلى من الثقل السعودي الإماراتي بقيادة السعودية في هذا الملف، ذلك أولاً، أما ثانياً، فلأن لكليهما ثقلاً اقتصادياً متنامياً في أفريقيا.

الصين وبعد نجاح انخراطها السياسي الأول شرق أوسطيا (الاتفاق السعودي- الإيراني) قد تقبل بدور متقدم في الأزمة السودانية، خصوصاً وأنها المستثمر الأكبر في السودان، إلا أنها تتعاطى أمر إدارة مصالحها بتؤدة صينية. فهل ستقبل الرباعية بدور صيني ضاغط باتجاه وقف إطلاق نار دائم، والتهيئة لإنفاذ مرحلة انتقالية بتوافق سوداني بإشراف الرباعية+1 (الصين) بشرط قبول روسيا بذلك، ويفترض أن بكين قادرة على إقناعها بذلك. التحول في قناعة الأطراف المتصارعة هو ما قد يقود لانفراجات في حال تعذرت دروب المخارج، إلا أن تجذر الأزمة قد يضع السودان على مسارات مماثلة لحالها قبل التقسيم (انفصال الجنوب)، وذلك هو التفصيل الغائب في التعاطي مع تفاصيل الحالة السودانية القائمة.

*كاتب بحريني