تشير تطورات الأوضاع الأمنية والعسكرية بين إسرائيل وحركة «الجهاد» بعد إقرار حالة التهدئة بين الجانبين إلى وجود حسابات حذرة ومحسوبة من كل طرف، وهي التي ستحدد مسار واتجاه كل منهما لتقبل استمرار الوضع الراهن وتثبت حالة الهدنة لأطول مدى وعدم الدخول في مواجهة جديدة خلال فترة وجيزة ووفق تفاهمات أمنية وإستراتيجية مكررة، وان كانت ستحكمه قواعد متجددة من الاشتباك متعدد المسارات في ظل غياب الآليات المحددة، والضوابط الصارمة والمفترض أن يعمل عليها الطرفان مع الوسطاء الإقليميين. 
وفي ظل حالة من الانقسام اللافت على الجانبين سواء إسرائيل التي تعاني من حالة التشرذم الواضح واستمرار حالة التظاهرات منذ 18 أسبوعا ليس فقط تعديلات بسبب التعديلات القضائية، وإنما أيضا بسبب صراع الأولويات، والمهام التي تعمل عليها مكونات الائتلاف الحاكم، والذي يريد تنفيذ ما تم الاتفاق بشأنه من استئناف سياسة بناء المستوطنات، وإصدار تشريعات خاصة بالتجنيد الإجباري، والتعاملات مع «الحريديم» إضافة لإصدار قوانين الدعم المالي والصحي وغيره. 
في المقابل فإن الجانب الفلسطيني، مازال منقسماً ما بين القطاع والضفة الغربية، وغياب أية مقاربة في التوافق مع استمرار حالة الهبة الفلسطينية والحراك الشعبي في مدن الضفة، واستمرار الاقتحامات للمدن الفلسطينية لملاحقة العناصر النشطة، مع تركيز الحكومة الإسرائيلية على ضرورة استئناف التنسيق الأمني مع الأجهزة الفلسطينية، الذي عاد بصورة أو بأخرى على مستوى قيادات الأجهزة لدى الجانبين. 

وفي المواجهة الأخيرة بين إسرائيل وحركة «الجهاد الإسلامي سعت كل الأطراف لتحقيق أهدافها المرحلية، فداخل حركة «الجهاد» - التي تبنت خط المواجهة واستهداف إسرائيل- انقسامات في التعامل الآني مع إسرائيل، فتيار يري أن التهدئة مهمة، ومطلوبة في الوقت الراهن لاعتبارات تتعلق بالداخل الفلسطيني، والإنصات لنصائح الوسيط المصري، ولاستمرار حالة التجاذب داخل الحركة، والخلافات التي لم تظهر على العلن مع حركة «حماس» إضافة لوضع إيران الراهن في الإقليم، وعدم وجود مساحة كبيرة للمناورة من قبل حركة «الجهاد» في ظل وضعها المالي الراهن الذي لم يمنع من استمرار تطوير منظومة سلاحها. وهذا التيار هو الأغلب الذي تقبل إنهاء المواجهة الأخيرة مع إسرائيل بعد عدة أيام محددة من المواجهة، وإنْ كان ما زال يعبر عن توجهاته في المواجهة الراهنة، والتي قد تنفتح على سيناريوهات عدة بعد أن تجاوزت إسرائيل الخطوط الحمراء، واغتالت قيادات ميدانية وازنة في الحركة. 
وتيار مقابل يري أنه لا ضرورة حقيقية للالتزام بما يجري، وأن الحركة ستفقد حضورها الشعبي، والجماهيري التي حققته في الفترة الأخيرة جراء مواقفها في مواجهة إسرائيل، ومن ثم فإنه من الضروري الاستمرار في إدارة المشهد بمنهج يقوم على التكتيك والاستراتيجي معا، وهو ما سيحكم مستوي ومسار العلاقات مع إسرائيل في المواجهة الراهنة بعد أن يتم العودة مرة أخري للتفاهمات الأمنية السابقة. 

وفي المقابل تدرك حركة «حماس» أن الحفاظ على الاستقرار في قطاع غزة أولوية يجب أن تستمر برغم كل ما يجري من تهديدات من اتجاهات عدة لجملة من الاعتبارات أهمها سعي الحركة لجني ثمار مواقفها السياسية والإستراتيجية السابقة الأمر الذي دفع الحكومة الإسرائيلية لتقديم مزيد من التسهيلات، ونفذت إسرائيل بالفعل سلسلة من الإجراءات أهمها دخول العمالة الفلسطينية لإسرائيل، وعدم اعتراضهم وتيسير حركة التنقل في المعابر، وغيرها من التدابير التي حفظت الاستقرار الهش طوال الفترة الأخيرة، ومن ثم فإن أي بنود جديدة للتهدئة ستشمل معادلة الأمن مقابل الأمن، واستمرار الحصول على قائمة تحفيزية لتمرير المشهد الراهن، ومحاولة فرضه خاصة مع رهانات حركة «حماس» على أن المتغيرات الإقليمية تتطلب مراجعات للمواقف والتوجهات، والتي قد تمس مرجعياتها في التعامل بدليل استئناف العلاقات الإيرانية السعودية، وعودة سوريا لموقعها في النطاق العربي، والاتجاه لتسوية الصراعات في الإقليم. 

أما عن توجهات السلطة فسيظل موقفها على المحك خاصة أن الهدف الأميركي الإسرائيلي سيتركز في ضرورة التوصل لتهدئة أمنية والوصول إلى حالة الاستقرار، وهو ما سيتطلب تنسيقاً أمنيا قد يعود مرحلياً، وبقرار علوي من الرئيس محمود عباس دون العودة للجنة المركزية التي جمدت التنسيق، والمعنى أن السلطة الفلسطينية في حاجة بالفعل لحضور في إدارة المشهد باعتبارها السلطة الشرعية، وليس أي فصيل آخر ومن ثم ستكثف التعاملات بالتنسيق مع الأردن ومصر. 
ومن ثم فإن المشهد الراهن فلسطينيا وإسرائيليا – بصرف النظر عن طبيعة المواجهة الراهن في قطاع غزة، والتصعيد الأمني الإسرائيلي - سيعمل وفق مقاربة مصلحيه لكل طرف، ومحاولة تحقيق المكاسب المنشودة والمخطط لها جيدا خاصة، وأن الحكومة الإسرائيلية لن تسقط من حساباتها دفع حركة «الجهاد» إلى حافة الهاوية مع التركيز. 
وفي الإطار نفسه يتعين على حركة «حماس» باعتبارها المسؤول عن الأمن في قطاع غزة حماية الاستقرار، كما ستحاول الحكومة الإسرائيلية التأكيد أمام جمهورها على قوة تحركاتها وقدرتها على توفير الأمن برغم ما يحدث من إجراءات، وتدابير وتعطل مؤسسات الدولة وتعرضها لحالة من الشلل نتيجة إطلاق الصواريخ والتي ستعمل إسرائيل على مواجهتها عبر تطوير، وتحديث منظومة القبة الحديدية وتجريب الأنظمة الدفاعية (ليزر- السماء الحمراء) لمواجهة أية تطورات مفاجئة في المديين المتوسط والطويل الأجل بصرف النظر عن ما تم مؤخراً في اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة«الجهاد».