انكمش الاقتصاد الأميركي بمعدل سنوي قدره 0.3% في الربع الأول من العام الجاري، وهو أسوأ قليلاً مما توقعه الاقتصاديون الذين استطلعت بلومبيرج آراءهم. وبشكل عام، تُظهر الأرقام أن الاقتصاد ليس في وضع يسمح للبيت الأبيض بالمضي قدماً في حربه التجارية العالمية المُدمرة ذاتياً، والتي ستضر بالمستهلكين والشركات. لكن لا يزال هناك متسع من الوقت لتصحيح المسار، وهذا لا يعني بالضرورة أن الركود قادم لا محالة.
انخفضت الأرقام الأخيرة بشكل كبير بسبب زيادة كبيرة في الواردات، والتي يبدو أنها ناتجة عن محاولة الشركات استباق جدول فرض التعريفات الجمركية، الذي أعلنه دونالد ترامب، وأبرز ما فيه – ما يُعرف بـ«رسوم يوم التحرير» – تم الكشف عنه بعد يومين فقط من نهاية الربع. تسعى حسابات الناتج المحلي الإجمالي إلى قياس إجمالي الإنتاج داخل حدود الدولة، لذا يضيف الإحصائيون الصادرات ويطرحون الواردات، ويمكن أن تجعل أرقام التجارة البيانات متقلبة من ربع لآخر.
ومن المفارقات أن سياسات ترامب التجارية تهدف إلى تقليص العجز التجاري، وأن هذا التأثير الاستباقي مؤقت على الأرجح. أظهرت جوانب أخرى من تقرير الناتج المحلي الإجمالي أن الاقتصاد ضعيف، ولكنه ليس على وشك الانهيار. فقد نما إنفاق المستهلكين، الذي يُعد حجر الزاوية للاقتصاد الأميركي، بمعدل سنوي بلغ 1.8%، وهو تباطؤ واضح، وهو الأضعف منذ الربع الثاني من عام 2023، ولكنه ليس سيئاً على الإطلاق. كما تعافت الاستثمارات الثابتة بعد انكماش في أواخر عام 2024. والأمر الأكثر إثارة للقلق قليلاً هو أن التقرير أظهر أن مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي – وهو مقياس للتضخم يستبعد العناصر المتقلبة – ارتفع بمعدل 3.5%، وهو الأسرع خلال عام، وهذه مشكلة قد تستمر أو حتى تزداد سوءاً في ظل السياسات التجارية الحالية. لكن في حال حدوث انعطافة كبيرة في التعريفات الجمركية من قبل الرئيس، لا يزال هناك مجال لعودة النمو وتراجع التضخم في الأرباع المقبلة.
هل يتحمل الرئيس ترامب المسؤولية عن هذا التقرير بالتحديد؟ نعم ولا. عموماً، ليس من الإنصاف الإشادة أو إلقاء اللوم على إدارة جديدة بشأن التطورات الاقتصادية في ربعها الأول. تتفاعل السياسات مع الناتج المحلي الإجمالي بطرق معقدة، وغالباً ما تكون متأخرة، ومن النادر جداً أن يتمكن رئيس جديد من تغيير مسار الاقتصاد الأميركي الضخم في مثل هذا الوقت القصير. لا توجد علاقة واضحة بين الناتج المحلي الإجمالي في بداية ولاية رئيس جديد وبين الأداء الاقتصادي خلال فترة رئاسته.
لم أكن لألوم جورج بوش الابن على انكماش الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من عام 2001 (أثناء انفجار فقاعة الإنترنت)، ولا باراك أوباما على التراجع الحاد في الإنتاج في أول ثلاثة أشهر من عام 2009 (أثناء الأزمة المالية). وفي حالة ترامب، لا ننسى أنه ورث اقتصاداً يبدو قوياً من الخارج، لكنه كان ينهار ببطء تحت وطأة سنوات من أسعار الفائدة المرتفعة. فقد أثرت معدلات الرهن العقاري التي تراوحت بين 6% و7% سلباً على سوق الإسكان، كما ارتفعت حالات التخلف عن سداد بطاقات الائتمان وقروض السيارات لعدة أرباع خلال تلك السنوات.
ومع ذلك، فقد أثبت ترامب أنه رئيس تدخلي بشكل استثنائي، إذ دخل البيت الأبيض عازماً على إثارة الاضطرابات، وأعلن صراحة عن سياسات تجارية قال معظم الاقتصاديين إنها ستعود بنتائج عكسية. وفي الأسواق، زاد من تدهور المعنويات من خلال تهديده العبثي باستقلالية الاحتياطي الفيدرالي، مهدداً بشكل مبهم بـ«إقالة» جيروم باول في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، ثم نفى أنه قصد ذلك. إن الاستباق في تنفيذ الرسوم الجمركية، والانهيار في ثقة المستهلك، والتراجع في سوق الأسهم كلها ناتجة بشكل مباشر عن تصرفات ترامب، وكانت كلها متوقعة تماما.
وفي منشور على وسائل التواصل الاجتماعي بعد صدور التقرير، حاول ترامب تحميل المسؤولية عن كل الأخبار الاقتصادية السيئة للرئيس السابق جو بايدن. وكتب على منصة «تروث سوشيال»: «لم أتول المنصب إلا في 20 يناير»، مشيراً إلى ما وصفه بـ«تراكمات بايدن»، ومقدماً وصفاً تقليدياً للتعريفات الجمركية كقوة داعمة للاقتصاد دون تبعات سلبية. وأضاف: «سيأخذ الأمر بعض الوقت، ولا علاقة له بالتعريفات إطلاقاً، بل لأنه ترك لنا أرقاماً سيئة، ولكن عندما يبدأ الازدهار، سيكون لا مثيل له. تحلوا بالصبر».
وللأسف، سترتبط الانكماشات الاقتصادية المستقبلية ارتباطاً وثيقا بالرسوم الجمركية، وسيتدهور الوضع على الأرجح إذا لم تتغير السياسات وتصبح أكثر وضوحاً. وبالإضافة إلى تراجع ثقة المستهلك، تُظهر الاستطلاعات الإقليمية للصناعات التحويلية تدهوراً حاداً في تقييمات بيئة الأعمال. من المتوقع أن تؤدي الرسوم الجمركية البالغة 145% على الصين، والرسوم الجمركية الأساسية البالغة 10% على بقية العالم (والتي قد ترتفع مع نهاية مهلة 90 يوماً في يوليو) إلى تقليص هوامش ربح الشركات أو رفع أسعار المستهلكين (أو كليهما). كما أن عدم اليقين بشأن مسار الرسوم من الآن فصاعداً يجعل من المستحيل على الشركات الاستثمار وتوظيف الموظفين المناسبين.

وعلى الجانب الإيجابي، أبدى ترامب استعداداً للتراجع عن بعض السياسات الصادمة، بما في ذلك خطوة يوم الثلاثاء لتخفيف العبء عن صناعة السيارات. ومع ذلك، لا يزال معدل التعريفات الفعلي في أميركا يقارب 20% –وهو الأعلى منذ نحو قرن– والتعديلات الأخيرة مشجعة فقط بقدر ما توحي بأن هناك اعتدالاً إضافياً في الطريق. لكن التراجعات نفسها تسهم في الشعور بأن السياسة برمتها مرتجلة، مما يُسبب ارتباكاً مستمراً للجهات الفاعلة الاقتصادية.
على أقل تقدير، يجب على ترامب إنهاء حالة عدم اليقين وتقديم توجيه مستقبلي موثوق به حول المسار الاقتصادي المقبل. وإذا كان يريد تحسين فرص تجنب ركود اقتصادي في الولايات المتحدة، فعليه أن يمدّد بشكل جدّي فترة السماح البالغة 90 يوماً بشأن جدول «التعريفات المتبادلة»، وأن يجد طريقة لتخفيف التوترات التجارية مع الصين بسرعة. في بيانات التجارة والناتج المحلي، قد تؤدي هذه التأخيرات إلى مزيد من النشاط الاستباقي تجاه الرسوم الجمركية، وفي النهاية سنضطر إلى دفع الثمن. لكن على الأقل، سيكون لدى الجهات الفاعلة الاقتصادية الوقت للاستعداد. وفي أفضل سيناريو، سيتخلى ترامب عن فكرة التعريفات الجمركية تماماً.
وكما هو الحال دائماً، لا تخبرنا تقلبات الناتج المحلي الإجمالي على المدى القصير القصة الكاملة. فقد ادعى بعض أعضاء إدارة ترامب أن جدول التعريفات المثير للجدل يهدف جزئياً إلى إعادة توطين سلاسل الإمداد الحيوية في قطاعي الدفاع والرعاية الصحية. وهناك حجة أخرى تقول إن الفوائد ستنعكس على الأجور الحقيقية للطبقة العاملة، وإن لم تنعكس بالضرورة على النمو الإجمالي. ربما، لكنني أشك في أن هذه التكتيكات المنفَذة بشكل فوضوي ستحقق تلك الأهداف. وحتى لو كنت ترى أن الحماية ضرورية في بعض الحالات، فإن ما يتضح من تقرير الناتج المحلي الإجمالي ليوم الأربعاء والبيانات الاقتصادية الأخيرة هو أن الوقت الحالي ليس الأنسب لشن هذه الحرب التجارية.

* كاتب متخصّص في الاقتصاد الأميركي.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»