في السادس من أغسطس 1945 ألقت الولايات المتحدة الأميركية القنبلةَ الذرية على مدينة هيروشيما اليابانية، مما أدى إلى مقتل ما يقدر بنحو 140 ألفاً من السكان المدنيين، ثم ألقت قنبلةً ذريةً أخرى على مدينة ناجازاكي اليابانية أيضاً مخلفةً 80 ألف قتيل.. فاستسلمت اليابان مباشرةً. وتوفي بعد ذلك في اليابان ما يزيد على ضِعفَي ذينك الرقمين خلال السنوات التالية نتيجةَ التسمم الإشعاعي. كانت الولايات المتحدة أول دولة تحصل على السلاح النووي وتستخدمه بالفعل، وهكذا ولدت استراتيجيةُ الردع النووية، فسارع الاتحاد السوفييتي للحصول على قنبلته الذرية الأولى عام 1949، ولحقت به بريطانيا في عام 1952، ثم فرنسا في عام 1960، فالصين في عام 1964. وبدا أن الطموحات النووية عابرة للقارات، وأن الرغبة في الحصول على السلاح الفتاك الذري في تزايد، خاصة في مناطق الصراعات.
ومن هنا، ولوقف السباق النووي، جاءت معاهدة الحد من انتشار السلاح النووي في عام 1968. ولطالما عملت الدول الخمس أعضاء النادي النووي على منع انتشار هذا السلاح وامتلاكه مِن قِبل دول منافسة أو حتى صديقة، رغم ذلك ظل حلم الحصول على القنبلة النووية يراود عدداً من الدول في مناطق عدة. فعلى مدى العقود الماضية، انضمت لنادي الخمس الكبار النووية عدةُ دول تمكنت من امتلاك قدرات نووية عسكرية، مثل كوريا الشمالية والهند وباكستان وإسرائيل وجنوب أفريقيا التي تخلت طوعاً عن برنامجها النووي.
بينما قامت دول أخرى بمحاولات نووية تم إجهاضها مثل العراق وليبيا وسوريا، بالإضافة إلى إيران التي أصبح برنامجها النووي موضوع الساعة، دولياً وإقليميا، منذ عدة أعوام. وبعد استهداف إسرائيل والولايات المتحدة للمواقع النووية الإيرانية، عاد إلى الأضواء النقاشُ الدولي حول البرنامج النووي الإسرائيلي بعد أن أصبح الخطر النووي حاضراً، سواء خطر التفجيرات أو تسرب الإشعاعات، وعاد الحديث عن مبادرة إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط. لقد قامت كافة دول المنطقة بالتوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وكذلك المعاهدات الدولية الأخرى المشابهة لحظر استخدام أسلحة الدمار الشامل، وذلك بناءً على اقتراح مصري. وظهرت المبادراتُ المطالِبة بإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط. إسرائيل لم تعترف رسمياً بامتلاكها لأسلحةَ نوويةَ واتبعت سياسة الغموض النووي رغم توفره بحوزتها منذ أواخر الستينيات على الأرجح. لقد بقيت متكتمةً على سرها النووي حتى كشف عن أسرارها الفني النووي مردخاي فعنونو، في تصريحات صحفية عام 1986 تم اعتقاله على إثرها وحُكم عليه السجن لمدة 18 عاماً.
وبعد أن حُسم السؤال حول كون إسرائيل دولة نووية أم لا، ارتفعت الأصواتُ، وبعض من داخل إسرائيل نفسها، مطالِبةً بإخضاع مفاعل ديمونة للرقابة الدولية خوفاً من خطر تسربات إشعاعية حال تأثر المفاعل بهزة أرضية أو حتى بارتفاع درجات حرارة الأرض، مما قد يلحق الدمار ليس بإسرائيل فحسب إنما بالدول المجاورة أيضاً. ولم تسمح الحكوماتُ الإسرائيلية المتعاقبة بنقاش الملف النووي الإسرائيلي، واستمرت في سياسة التكتم على تسلحها النووي وأخرجت مفاعل ديمونة من أي نقاش حول البرامج النووية في الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة، فيما ظل الحديث مركزاً على البرنامج النووي الإيراني كتهديد صريح ووحيد في الشرق الأوسط. وتعارضُ إسرائيلُ الجهودَ الدبلوماسية لإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، وفقاً لمبادرة حظر الانتشار النووي.
إن امتلاك ترسانة نووية غير خاضعة للرقابة يعَد أحد أهم الأسباب وراء عرقلة المبادرة الرامية لإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، وهي مبادرة تدفع بها الدول العربية منذ عقود دون جدوى.
*كاتبة إماراتية