لطالما كان معدل البطالة هو المؤشر الأساسي للأداء الاقتصادي. ومع تجاوزه 4% بقليل حالياً، يظل معدل البطالة منخفضاً، ولم يرتفع إلا بشكل طفيف منذ بداية العام الجاري. وإذا نظرنا إلى الوضع الظاهري، فسنجد أن الاقتصاد يُبلي بلاءً حسناً.
لكن الواقع ليس كذلك. فلو ازدادت القوة العاملة هذا العام بنفس وتيرة العام الماضي، لاتجه معدلُ البطالة نحو 5%. ورغم أن انخفاض البطالة يعتبر أمراً جيداً، لكن فقط إذا كان ذلك ناتجاً عن وفرة في الوظائف الجديدة، لا عن تبخر القوة العاملة.
وتدق القوة العاملة، التي تضم جميعَ العاملين والباحثين عن عمل، ناقوسَ الخطر بشأن الركود. فقد توقفت عن النمو هذا العام. قارن ذلك بالعام الماضي، حين زادت القوةُ العاملة بأكثر من مليون عامل، أو بالعام الذي سبقه، حين زادت بنحو 2.5 مليون. ودون المزيد من العمال، يصبح من الصعب على الاقتصاد أن ينمو، حيث يغدو الركود أكثر احتمالاً.
 وليس من الصعب إدراك سبب ضعف القوة العاملة، فالعامل الحاسم هو التشديد الصارم على سياسات الهجرة، فقد شكّل تدفق المهاجرين غير المسجلين، الذي حدث خلال معظم فترة إدارة بايدن، ضغطاً مالياً ومجتمعياً في أنحاء البلاد. غير أن العديد من المهاجرين سارعوا إلى التقدم بطلب للحصول على تصاريح عمل، وحصلوا عليها، وباشروا وظائفَهم في غضون أقل من عام على وصولهم.
وكان توقيت هذا التدفق للهجرة موفقاً من ناحية جوهرية، إذ تزامن مع رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعارَ الفائدة بقوة لتهدئة سوق العمل الملتهب ولكبح التضخم الجامح. وهناك حجة معقولة مفادها أنه من دون تلك الزيادة في عدد المهاجرين، لما كان أمام الفيدرالي خيارٌ سوى رفع الفائدة لمستويات أعلى وإحداث ركود لكبح التضخم.
لكن سياسة الهجرة انقلبت رأساً على عقب منذ نهاية رئاسة جو بايدن، مع إصداره أمراً تنفيذياً يقيّد طلبات اللجوء. ومنذ ذلك الحين، جاءت سياسات الرئيس دونالد ترامب لتغلق الحدودَ الجنوبية، كما غادر كثيرٌ مِن المهاجرين البلادَ، إما قسراً، أو عبر الترحيل الطوعي.
وبذلك، تراجعت قوة العمل المهاجرة، ففي مثل هذا الوقت من العام الماضي، كانت قوة العمل الأجنبية تنمو بوتيرة سنوية استثنائية بلغت 5%، أي ما يعادل أكثر من 1.5 مليون عامل إضافي سنوياً. لكنها تراجعت خلال الأشهر الأخيرة، ورغم انتعاش معدلات القوة العاملة المولودة داخل الولايات المتحدة، لم يكن ذلك كافياً لملء الفراغ الذي خلّفه خروج المهاجرين.
ويحمل ركودُ القوة العاملة الكثيرَ من التداعيات، ولا شيء منها يعدُّ جيداً، فهو يعني اضطرابات في الأعمال التي تعتمد على العمالة المهاجرة. ولعل قطاعا الزراعة والبناء الأكثر عرضةً للخطر، لكن قطاعات الصناعة والنقل والضيافة والتجزئة ورعاية الأطفال وكبار السن.. إلخ، تعتمد هي كذلك اعتماداً كبيراً على المهاجرين. ومن دون هؤلاء المهاجرين، سترتفع تكاليف العمالة، مما يزيد التضخمَ الذي تغذيه الرسومُ الجمركية. لذا يتوخى مجلس الاحتياطي الفيدرالي الحذرَ في استئناف خفض أسعار الفائدة.
وبشكل أعم، يعني ذلك أن النمو المُحتمل للاقتصاد، أي وتيرة النمو المُتوافقة مع استقرار البطالة والتضخم، أقل بكثير. ولا يُمكن للاقتصاد أن ينمو بشكلٍ مُستدام إلا بالسرعة التي تنمو بها القوى العاملةُ وإنتاجيتُها. ومع جمود القوى العاملة، وما لم يرتفع نمو الإنتاجية، سيظل نمو الاقتصاد أقل بكثير من الوتيرة التي توقعناها ونعتمد عليها للمستقبل.
ويعصف ضعفُ الهجرة ونمو القوى العاملة بمناطق أخرى من العالم، مثل اليابان وألمانيا، وهما دولتان تكافحان لجذب عدد كاف من المهاجرين لتوسيع قوتهما العاملة. ويبدو اقتصاداهما دائماً وكأنهما على وشك الركود، مما يثير التساؤلَ: هل سيكون هذا مستقبلنا نحن أيضاً؟
بالطبع، الولايات المتحدة ليست مثل تلك الدول الأخرى، فهي تتصدر العديد من التقنيات، لاسيما الذكاء الاصطناعي، الذي يَعِد بمكاسب إنتاجية كبيرة، رغم أن المهاجرين هم مَن يديرون العديد من أنجح شركات الذكاء الاصطناعي في أميركا. ومع ذلك، حتى أشد المتحمسين للذكاء الاصطناعي لا يتوقعون أن تنتشر تقنياته بسرعة في أرجاء الاقتصاد بما يكفي لتعويض النقص الوشيك في نمو القوى العاملة.
وقد يتفق المُشرعون على إصلاح جوهري للهجرة. ففي مثل هذا الوقت من العام الماضي، كادوا يُقرون تشريعاً من الحزبين يسمح لمزيد من المهاجرين ذوي المهارات اللازمة بالقدوم. لكن سياسات الانتخابات الرئاسية أجهضت تلك الجهود، ورغم أن نافذة سياسية أخرى قد تُفتح لهذه الإصلاحات، إلا أن ذلك لن يحدث بالسرعة الكافية.ونظراً لسياسة الهجرة الحالية، يبدو من غير المرجح أن تعود القوى العاملة الراكدة إلى الحياة قريباً، والأرجح أن الركود الاقتصادي وشيك.

*كبير الاقتصاديين في وحدة التحليلات التابعة لوكالة «موديز» للتصنيف الائتماني


ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لاينسنج آند سينديكيشن»