خلال جلسة مجلس الشيوخ للمصادقة على تعيينه، اعترف وزير الطاقة كريس رايت بأنه حديث العهد بالسياسة. إلا أنه يبدو سريع التعلم، ففي مقابلة مع صحيفة «بوليتكو» الأميركية، أعرب عن أسفه لأن إدارة الرئيس دونالد ترامب ستتحمل مسؤولية ارتفاع فواتير الكهرباء، في حين يرى أن «الديمقراطيين» هم من يستحقون اللوم. ويعتبر حدسه بشأن ردود الفعل السلبية المرتقبة على أسعار الطاقة في انتخابات التجديد النصفي مفهوم، إلا أن تحليله المبسط لما يحدث في الأسعار بحاجة إلى مراجعة.

وأصبحت أسعار الكهرباء اليوم، الشبيهة بأسعار الوقود في الماضي؛ مصدراً مباشراً للقلق الاقتصادي، وموضوعاً حاضراً بقوة في الانتخابات المحلية. وكما جرت العادة، يُلقى باللوم على المسؤولين السياسيين في ارتفاع أسعار البنزين، وإنْ ذلك خطأ. غير أن وضع الكهرباء أعقد بكثير، إذ تختلط فيه الأسعار الخاضعة للتنظيم بأسعار السوق وتتأثر بعوامل محلية وإقليمية.

والمفارقة أن ترامب نفسه يتحمل قسطاً من المسؤولية في تلك الحالة.وتلعب الهيئات التنظيمية في الولايات دوراً رئيسياً في تحديد أسعار الطاقة، وتخضع لإشراف وسياسات السلطات المحلية. غير أن مقارنة معدلات التضخم في الفواتير وأعبائها على دخول الأسر مع التوجهات السياسية للولايات، لا يظهر أي ارتباط واضح. فالولايات ذات الأغلبية «الديمقراطية» سجلت ارتفاعاً أكبر من المتوسط العام الحالي، بينما تلتهم فواتير الكهرباء نسبة أكبر من دخول الأسر في ولايات «جمهورية»، ويبدو أن النتيجة متعادلة تقريباً. وركز انتقاد «رايت» لـ«الديمقراطيين» على دعمهم للطاقة الخضراء، التي وصفها بأنها مُكلفة وغير موثوقة. ومع ذلك، لا توجد علاقة واضحة بين اعتماد الولاية على طاقة الرياح والطاقة الشمسية وتكاليف الكهرباء.

بل تُعد ولاية آيوا، معقل «الجمهوريين»، من أبرز ولايات الطاقة المتجددة، وفواتيرها منخفضة نسبياً قياساً بالدخل.ويشير مستثمر وخبير البنية التحتية للطاقة جيم ميرتشي إلى أن التركيز على التوليد وحده يُغفل الصورة الأكبر. وقسم تكلفة الكهرباء المنزلية إلى ثلاثة عناصر: التوليد، النقل، التوزيع. وأوضح أن الجزء الأكبر من الزيادة في الأسعار خلال العقد الماضي جاء من التوزيع؛ أي الشبكات المحلية التي تنقل الكهرباء إلى المنازل محلياً، وذلك في متوسط الأسعار خلال العقد الماضي.ويتوافق هذا الاتجاه مع اتجاه الاستثمار في قطاع المرافق، حيث تضاعف الإنفاق الرأسمالي على شبكات التوزيع خلال العقد الماضي مقارنة بثبات الإنفاق على التوليد والنقل.

وبما أن شركات الكهرباء احتكارات منظّمة، فإنها تسترد استثماراتها مع أرباح تُحددها الجهات التنظيمية وتُوزع على المستهلكين. ولا تشمل هذه التكاليف المعدات فحسب، بل النفقات والمزايا في القطاع الأكثر اعتماداً على اليد العاملة.

وكلما زادت النفقات، ارتفعت الفواتير.ولا يقصد ميرتشي أن تكاليف التوليد لا يمكن أن ترتفع أيضاً، فهي تُمثل خُمس الزيادة في تعريفات الاستهلاك السكني خلال العقد الماضي، إلا أنها أقل أهمية مقارنة بالتوزيع. لذا أوصى الجهات المنظمة بمنح الشركات حوافز أكثر تطوراً من مجرد البناء والربح، كالسماح لهم بالاحتفاظ بجزء من المدخرات لفترة مؤقتة.لكن هذه الأطروحة تحمل تحذيراً. إذ يفكر بعض السياسيين في ولايات أسواق الطاقة التنافسية الحقيقية، في التراجع عن سياسة تحرير قطاع الكهرباء، والسماح للشركات المنظمة ببناء وامتلاك محطات التوليد بدل تركها للمنافسة. وهذا يتماشى مع روح العصر المناهضة للطاقة المتجددة في واشنطن، حيث تُفضل شركات المرافق الغاز على الطاقة الخضراء.

إلا أن العودة واسعة النطاق إلى إعادة فرض القيود التنظيمية لمواجهة تحديات الطفرة في الذكاء الاصطناعي ستكون جنوناً، فقد أثبت التحرير نجاحاً ساحقاً، إذ أدى في المجمل إلى تراجعات حقيقية وكبيرة في الأسعار.وبدلاً من أن تُقحم الولايات كميات كبيرة من الطاقة الكهربائية المملوكة لشركات المرافق في السوق، ينبغي إجبار شركات الذكاء الاصطناعي العملاقة، التي تُضيف أحمالاً جديدة ضخمة، على التعاقد على توليد طاقة جديد وتنافسي يُعزز مرونة الشبكة دون إثقال كاهل الأسر.

في الواقع، إذا تم ذلك بشكل صحيح، حسبما يرى مورشي، فقد يُؤدي إلى خفض التكاليف على مستوى النظام، لأن زيادة الاستهلاك الإجمالي تساعد في توزيع التكاليف على نطاق أوسع.لكن كل ذلك يتوقف على التنفيذ السليم، وهو ما يعيدنا إلى سياسات ترامب. فقد أصدرت إدارته مؤخراً أمراً بوقف العمل في مشروع كبير لطاقة الرياح قبالة ساحل رود آيلاند. وعلى عكس مشروع نيويورك الذي تم إيقافه مؤقتاً في وقت سابق من هذا الصيف، فإن مشروع «ثورة الرياح» قد شارف على الاكتمال تقريباً؛ وقد أُنفقت الأموال عليه بالفعل، وقد بُرر ذلك بأسباب غامضة تتعلق بـ«الأمن القومي». إلا أن رئيس وكالة حماية البيئة لي زيلدين صرح بأن الرئيس ببساطة لا يحب طاقة الرياح.

ويسلط ذلك الضوء على الموقف السياسي الذي سيدفع المواطن الأميركي ثمنه. فالتأثير المباشر لتوسع مراكز البيانات بدأ يظهر بالفعل على فواتير المنازل. ومع ذلك، لم تخصص خطة العمل الخاصة بالذكاء الاصطناعي للإدارة سوى صفحة واحدة لشبكة الكهرباء من أصل 29 صفحة، دون أي ذكر للتكاليف أو الأسعار. وفي تلك الأثناء، وإضافة إلى مهاجمة مشاريع طاقة الرياح التي شارفت على الانتهاء، قوض «الجمهوريون» حوافز الطاقة المتجددة.

*كاتب متخصص في قضايا الطاقة
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»