ودّعت الهند طائراتها المقاتلة من طراز ميج-21، والتي شكّلت على مدار أكثر من ستة عقود العمودَ الفقري لسلاح الجو الهندي، وذلك في آخر رحلة لها، لتنتهي بذلك قصة طائرة كانت تُعدّ أيقونة عسكرية. ففي أوج شعبيتها، كانت هذه الطائرة، التي تعود إلى الحقبة السوفييتية، تُشكّل أكثر من ثلثي أسطول المقاتلات الهندي. إلا أن الطائرة شهدت في السنوات الأخيرة سلسلةً من الأعطال الميكانيكية والحوادث التي أودت بحياة عدد من أفضل طياري سلاح الجو الهندي.
وكانت هذه الطائرة جزءاً لا يتجزأ من تاريخ سلاح الجو الهندي، لدرجة أنها حظيت بتوديع رسمي شمل عرضاً جوياً وفعاليةَ تقاعد رسمية، حيث شهد الحضورُ الطيرانَ الأخير للطائرة، بحضور عدد من الطيارين المخضرمين المتقاعدين الذين حلّقوا بهذه الطائرة المقاتلة معظم حياتهم المهنية. وفي دلالة على مدى شعبيتها من ستينيات إلى ثمانينيات القرن الماضي، كانت الهند قد اشترت 872 طائرة ميج بمواصفات مختلفة. وبالنسبة لسلاح الجو الهندي، فإنّ التخلص التدريجي من طائرات ميغ-21 لا يمثل فقط نهاية حقبة، بل بداية مرحلة جديدة من التحديث، حيث تسعى الهند إلى تعزيز قدراتها الجوية والبحرية لمراقبة البر والبحر.
وقد أعلن وزير الدفاع الهندي «راجناث سينج» أن عام 2025 سيكون «عام الإصلاحات» في وزارة الدفاع. كما أعلن رئيس منظمة البحث والتطوير الدفاعي أنه بحلول نهاية العام، قد يتم اعتماد نظام جديد أسرع لاقتناء المعدات العسكرية. ومع مواجهة سلاح الجو الهندي لنقص في عدد الطائرات المقاتلة، أنشأت الحكومة لجنةً عليا برئاسة أمين وزارة الدفاع «راجيش كومار سينج»، لوضع خريطة طريق لسد الثغرات التشغيلية في قدرات الدفاع الجوي للهند.
وستقوم اللجنة بتقييم قدرات سلاح الجو الهندي بشكل عاجل، والنظر في تطوير الطائرات محلياً، وكذلك الشراء المباشر. وقد أصبحت هذه المسألة مُلحّةً بعد أن تقلّص عدد الأسراب في سلاح الجو إلى 30 فقط، رغم أن العدد المسموح به هو 42 سرباً. ويضم سلاح الجو الهندي حالياً مجموعةً متنوعة من الطائرات المقاتلة، وهذا يشمل الطائرات السوفييتية والروسية، ومنها ما هو فرنسي التصميم، بالإضافة إلى بعض الطائرات المحلية من طراز «تيجاس» التي طوّرتها شركة هندوستان للطيران. ووفقاً لرئيس أركان القوات الجوية الهندية، المارشال أيه. بي. سينج، فإن السلاح الجوي لبلاده بحاجة إلى إضافة ما بين 35 و40 طائرة مقاتلة سنوياً لسد النقص في القدرات.
وقد أوضح أن ذلك يتطلب إضافة سربين جديدين كل عام. وأضاف أن شركة «هندوستان» للملاحة الجوية المحدودة وعدت بإنتاج 24 طائرة «تيجاس مارك 1A» العام المقبل. وتسعى الحكومة إلى تعزيز قدرات سلاح الجو بطائرات «تيجاس» المصنّعة محلياً، لكن من الواضح أن الأمر سيستغرق وقتاً لإدخالها في الأسطول الهندي. وقد وافقت الحكومة على صفقة بمليارات الدولارات لشراء 97 طائرة من طراز «تيجاس مارك 1A» محلية الصنع كي تحل محل طائرات ميج-21، ومن المتوقع أن يبدأ التسليم اعتباراً من العام المقبل. كما اقترحت القوات الجوية الهندية شراء 114 طائرة مقاتلة من طراز «رافال» المصنّعة في الهند بالتعاون بين شركة «داسو» للطيران الفرنسية وشركات الطيران الهندية. ولم تتم الموافقة على هذا الاقتراح بعد من قبل الحكومة الهندية.
وقد تم بالفعل إدخال 36 طائرة رافال في الخدمة لدى سلاح الجو، واشترت البحرية الهندية 36 طائرة أخرى. كما تعمل البحرية على تطوير طائرة مقاتلة جديدة ثنائية المحرك مخصّصة لحاملات الطائرات، تُعرف باسم «الطائرة القتالية القائمة على السطح ذات المحركين»، ويتم تطويرها من قبل وكالة التطوير الجوي وتصنيعها بواسطة شركة هندوستان للطيران.
ومن غير المتوقع دخولها الخدمة قبل عام 2035. وكما تحتاج الهند إلى تعزيز أمنها البحري، فإنها تحتاج أيضاً إلى تعزيز عمقها الاستراتيجي البحري. في غضون ذلك، تعمل الهند على تعزيز جوانب أخرى من قوتها الجوية. فقد بدأت نيودلهي بالفعل في اقتناء ثلاث منظومات صواريخ أرض-جو محلية الصنع للاستجابة السريعة، قادرة على كشف وتدمير الطائرات والطائرات المسيّرة. وفي الوقت نفسه، طرح الجيش مناقصةً لشراء خمسة إلى ستة أفواج من نظام صواريخ أرض-جو.
ولا شك في أن الحكومة والقوات المسلحة الهندية تتخذان كل الخطوات اللازمة لتعزيز قدرات القوة الجوية الهندية في ظل التوترات الجيوسياسية المتعددة، سواء في جنوب آسيا أو في المنطقة ككل.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية - نيودلهي