يتطابق مبدأ واحدية البشر، أو وحدة النوع البشري، مع الإدراك العميق للواحدية الأساسية والترابط الداخلي بين كل البشر.
وبدون هذه الحساسية الشاملة، فإن التحديات المتزايدة التي تواجهها البشرية تصبح مزعجةً وأكثر خطراً على نحو متزايد.وإذا نجحنا بالفعل في تطوير الإحساس بواحدية البشر، فحينذاك لا يكون ثمة أساس للحروب ولا للعنف.. فكلنا كائنات بشرية، متساوية، لنا نفس العواطف، لكن ثمة الكثير من التركيز على التفريق بين «النحن» و«الهُم»، أي صناعة الشعور بأن هذا الشخص أو ذاك المجتمع مختلف. إن ما يفرقنا أشد زيفاً وهامشية بكثير من العوامل التي نتشاطرها: ورغم الفوارق في العرق، واللغة، والدين، والجنس.. فإننا جميعاً نمثل الكائنَ ذاتَه، أي الكائن البشري، وذلك حين يتعلق الأمر بإنسانيتنا الأساسية.
وحين نؤكد على نقاط تشابهنا، فإنه يمكننا عندها أن نتعاطف مع بعضنا بعضاً عبر الحدود التي تفرقنا، فإنسانيتنا العامة تعني بأنه في إمكاننا أن نجد الطرقَ التي نترابط بها معاً بدلاً من التركيز على اختلافاتنا وفوارقنا.
وفي ظل الواقع الحالي للعالم، وقد أصبح أكثر ترابطاً في داخله، علينا أن نعيش معاً، حتى لو كنا لا نحب جيراننا.. علينا أن نمضي معاً، حتى ولو كنا لا نحب رفاق رحلتنا. من الأفضل دائماً أن نعيش بصورة متناغمة، بشكل ودي بدلاً من اتخاذ موقف سلبي، فبقاؤنا على قيد الحياة يتوقف كلياً على «الآخرين» الذين هم أيضاً نحن في الوقت ذاته. لذا فإن إبداء الاهتمام بالآخرين يعود إلينا حتماً بالمنفعة حتى ولو لم نقصدها. وفي وسط هذا الخليط غير المتجانس، لا بد من وجود دولة ترسم خيطاً رفيعاً يناسب الجميع للعيش المشترك، وهذه مهمة لا مفر منها؛ فالمواطنة أحد الحلول الضرورية في المجتمعات العصرية، وكذلك لا بد أن يكون الوضع في المجتمعات العربية والإسلامية، وهو ما كان سائداً منذ قرون.
فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، أنه صحب نصرانياً في طريق، فذهب النصراني فقال له عبدالله: عليك السلام، فقيل له: لم فعلت؟ قال: لحق الصحبة. هذا السلوك الراقي من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهل الكتاب، يرد على بعض المتشددين الذين يرون في السلام ورد السلام على غير المسلمين إثماً عظيماً وويلاً وثبوراً. ليس في اختلاف المعتقد علاقة بحسن التعامل بين البشر، وهو ما يدخل إلى الناس من باب الفقه الاجتماعي والذي نجد بعضَ تفاصيله مبثوثةً في «الأدب المفرد» للإمام البخاري، و«أدب الدنيا والدين» للماوردي، و«عيون الأخبار» للدينوري.. وغيرها من كتب التراث التي تقوي عرى البشرية بكل تمايزاتها الدينية.
ليس من المنطق في شيء أن يجيز الإسلام الزواج من نساء أهل الكتاب، ثم يحرِّم تهنئتهم في مناسباتهم الدينية والاجتماعية.. فهذا اعوجاج في الفهم وضعفٌ في الوعي بشرائع الإسلام وتعاليمه السمحة. أمر العقيدة يعد من الشؤون الخاصة بين العبد والمعبود، وتكاد تصل إلى مستوى السر الدفين بين المخلوق وخالقه جل وعلا.
*كاتب إماراتي