تشرفت في الثاني من سبتمبر الماضي، بحضور حفل تدشين أحدث إصدار لمعالي الدكتور جمال سند السويدي، الذي عودنا على طرح أفكار جديدة في عالم المعرفة والثقافة العالمية. 
وسعدت باختياري كأحد المتحدثين في العرس الثقافي بمعرض الشارقة للكتاب الدولي النسخة 44 في ندوة توقيع الكتاب في يوم السبت الموافق 8/ 11/ 2025..
جلتُ سريعاً بين دفتي كتاب «الرحم الاصطناعي: عالم ما بعد التكاثر البشري»، وخرجت من خلاله ببعض الخواطر التي سوف أعرضها في هذه المساحة لموضوع بحاجة إلى معرفة دقيقة وبحث عميق. 
الكتاب يثير جدلاً واسعاً واهتماماً بالغاً على المستوى العالمي، بل والحضاري. ميزته الرائعة أن مؤلفه اتخذ منهج «الحياد العلمي» الرصين، ولم يتبن رأياً معيناً، بل ترك المجال مفتوحاً أمام العلم المستقبلي يأخذ مجراه الطبيعي في حياتنا المعاصرة.
وكما يقول خير الدين الأتاسي عن النهر الجاري، إنه إذا لم نخض معه ذهب عنا بعيداً وتركنا في صحراء قاحلة أو في وحل تنزلق فيه أقدامنا حتى نتأخر عن قافلة الأمل! 
وقد أثار السويدي طرفاً من الجدال الديني الذي يتجه نحو «تحريم» كل فكرة جديدة، لأن بعض المستغلين لهذا الجدال يميلون إلى العقل المستريح والفكر المتجمد في صحراء سيبيريا؟! 
المؤلف اعتمد على قواعد علمية راسخة وضاربة جذورها في عمق الحضارة، وقد لفت نظري استشهاده بالطبيب العربي ابن النفيس وهو أول من اكتشف الولادة خارج الرحم، والفائق الشهرة على مستوى العالم قبل سبعة قرون، عندما كانت أوروبا غارقة في ظلام الهرطقة.
وكذلك هو أول من اكتشف الدورة الدموية الكبرى والنبض، وغيرها من المجالات. 
وهو الذي كان يقول عن نفسه: «لو لم أكن واثقاً من أن كتبي ستعيش بعدي مدة عشرة آلاف سنة لما كتبتها». 
وفي ندوة تدشين الكتاب، بعد مناقشة جميع المحاور، من الناحية الطبية والاجتماعية والقانونية والدينية، كان هناك إجماع على الخوف والقلق من أن يتحول «الرحم الاصطناعي»، إلى قاطع للأرحام، أي بمعنى هدم أركان الأسرة، وهي العمود الفقري للمجتمع، وفيها تتشكل الهوية والانتماء إلى الوطن والولاء للقيادة السياسية للدول وغيرها من الجوانب التي يصعب على «جنين الرحم الاصطناعي» استيعابها.
هذه العقبة الكبرى أمام المجتمعات التي تؤمن بالأديان السماوية و«الأرضية» كالبوذية والهندوسية. 
فإذا ما تم الاتفاق على أن الحفاظ على الروابط الأسرية هو صمام الأمان والمشترك البشري الذي لا يمكن التفريط فيه باسم التقدم العلمي الذي لن يعوض نقص فيتامين صلة الأرحام بكل درجاتها الإنسانية، فإن الإيجابيات الأخرى في «الرحم الاصطناعي» يمكن الاستفادة منها وفق ضرورات المجتمع البشري.
المؤلف ظل يدق ناقوس الخطر الاجتماعي على طول خط فصول الكتاب، وهو أمر مقدر من جانبه لدرايته، بأن التسيب في هذا الجانب يولد سلبيات كبيرة قد تطغى على كل إيجابيات هذا الاختراع المعرفي والعلمي المدهش.
مع كل ذلك لا يمكن لنا الوقوف على أطراف هذا النهر العلمي المتدفق، إما أن نخوض فيه بوعي عميق ودراية مبصرة، أو البقاء على الهامش مع قافلة المتفرجين عن بعد، ولن ندرك بذلك قطار الحضارة الإنسانية في التوقيت المناسب!
*كاتب إماراتي