تحلُّ هذه الأيام ذكرى مرور عام على تغيّر نظام الحكم الذي دام في سوريا لخمسةٍ وخمسين عاماً، وفي الوقت نفسه موافقة لبنان على التفاوض مع إسرائيل عبر مبعوثَين مدنيين، إسرائيلي ولبناني، ضمن فريق «الميكانزم»؛ أي اللجنة العسكرية التي تشكّلت لإنفاذ القرار الأممي رقم 1701 لعام 2006، ووقف إطلاق النار الأخير (2024) إثر مشاركة «حزب الله» من الأرض اللبنانية في حربٍ ضد إسرائيل. وبعد ضربات عنيفة استمرت أكثر من شهرين وافق الحزب، الذي قُتل مئاتٌ من مقاتليه وأمينه العام وقيادته العسكرية، على وقف النار، ووافقت إسرائيل بشرط أن تسحب الحكومةُ اللبنانية سلاحَ الحزب في أمدٍ لا يتجاوز بضعة أشهر. وقد بدأ سحب السلاح من جنوب نهر الليطاني على الحدود مع إسرائيل، بواسطة الجيش اللبناني والقوات الدولية. إسرائيل شكَّكت بالعملية كلّها، وعادت لاحتلال خمس تلال داخل لبنان، وهي تُغِير بالمسيَّرات يومياً في سائر أنحاء لبنان، وبخاصةٍ جنوبه، فتقتل وتخرّب العمران باعتباره يتضمن مخازن لسلاح الحزب. ولها ثلاثة مطالب: سحب سلاح الحزب فوراً وإلا فستشن الحربَ مجدداً، وتفعيل القوات الدولية باعتبار الجيش اللبناني غير فاعلٍ بطريقةٍ كافية، وإجراء مفاوضات سياسية بدلاً من الاكتفاء باللجنة العسكرية (الأميركية الدولية الإسرائيلية اللبنانية).
لقد اشتدّت الضغوط على لبنان من أجل سحب سلاح «حزب الله» لكي لا تتجدد الحرب. والمشكلة أن الحزب يصرّح بأنه لا يقبل التخلي عن سلاحه ما دامت إسرائيل على أرض لبنان، ولديها أسرى من الحزب، والحكم اللبناني لا يتجرأ على التصعيد في سحب السلاح لعدم القدرة من جهة، ولخشيته من حدوث اقتتال مع الحزب. وهو لا يستطيع التحكّم في مصائر ومهمات القوات الدولية، ولذا اختار أسهل المطالب: تعيين مدني سياسي في لجنة الميكانزم، حيث بادرت إسرائيل للقيام بالمثل. رئيس الجمهورية اللبنانية قال إنه فعل ذلك بالتشاور مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام. وصمت الثنائي الشيعي ليومين، ثم بدأ يشكو من أن رئيس الجمهورية لم يشركه في اختيار المبعوث، وهو لا يعرف ما هي مهامّ المبعوث التي لن تكون عسكرية بالطبع. وقد سارع نتنياهو للقول إنّ من مهام المدنيين إجراء مفاوضات حول التعاون والتبادل التجاري بين البلدين! بينما يريد اللبنانيون التفاوض من أجل الانسحاب الإسرائيلي واستعادة الأسرى، وإذا تقدمت المفاوضات فيمكن الحديث عن الحدود البرية بين البلدين بعد أن تحددت الحدود البحرية عام 2022 /2023!
وكان الأميركيون والقطريون والمصريون قد تدخلوا للتوسط بين الطرفين، دون وجود مؤشرات للنجاح. فهل ستنجح الوساطات الحالية بعد أن اكتسبت المفاوضات لوناً سياسياً يعتبره الإسرائيليون مباشراً، وما يزال اللبنانيون يعتبرونه غير مباشر(!).
سيظل الإسرائيليون يقيسون التقدمَ في المفاوضات بقدر ما يبتعد سلاح الحزب عنهم. وسيظل الحزب يقول للحكومة إنه لم يتعهد إلاّ بجنوب الليطاني تارةً، وطوراً أنه لن يسلّم شيئاً حتى ينسحب الإسرائيليون! ولذا فلن تبدو لخطوة الموافقة على التفاوض (المباشر) نتائج إيجابية. إلا إذا اعتبرنا أن الأميركيين سيعملون على «تصبير» إسرائيل فلا تصعّد الآن، ويُعطى لبنانُ فرصةً أوسعَ للتعامل مع الحزب، بما يؤدي إلى كف ضرره عن إسرائيل وعن اللبنانيين!
*أستاذ الدراسات الإسلامية - جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية