وصف أحد العلماء قوة الإسلام بعبارة موجزة تحمل الكثير من المعاني الكبرى التي ترسخ قيمة الدين الحنيف ومبادئه السمحة، العبارة تقول: (إن المسلمين الأولين لم ينقلوا الإسلام إلى الأمم، ولكن نقلوا الأمم إلى الإسلام). في هذه الكلمة القصيرة سر انتشار الإسلام ومزاياه وسبب بقائه واستمراره. و كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب، أخذ عصا، فتوكأ عليها وهو على المنبر. وكان الخلفاء الثلاثة بعده يفعلون ذلك، وكان أحياناً يتوكأ على قوس، ولم يحفظ عنه أنه توكأ على سيف، وكثير من الجهلة يظن أنه كان يمسك السيف على المنبر إشارة على أن الدين قام بالسيف، وهذا جهل قبيح من وجهين، أحدهما: أن النبي توكأ على العصا وعلى القوس.
الثاني: أن الدين قام بالوحي، ومدينة النبي التي كان يخطب فيها إنما فتحت بالقرآن، ولم تفتح بالسيف. لو كان الإسلام قد انتشر بالسيف، لما وجد في الدول التي أعلنت إسلامها غير المسلمين، ولكن وجد في الدولة الإسلامية اليهود والنصارى، وظلوا على دينهم، لم يحاول أحد أن يدخلهم في دين الإسلام قهراً، بل تركوا ودينهم، وما تمتع هؤلاء من حرية العبادة وأمان الحياة- باعترافهم هم- إلا في ظل الدولة الإسلامية.
إنه يروى أن أقباط مصر الذين كانوا يختفون في المغارات وقت الحكم الروماني، قد خرجوا إلى الآفاق في أيام الحكم الإسلامي، وكانوا يؤدون عبادتهم في حماية الخلافة الإسلامية. وكان دعاة الإسلام يعرضون الإسلام على الأمم فيشرحون الدين الجديد للناس، وبعد إبلاغهم بالدين الجديد والحجج التي نزل بها القرآن، منْ شاء فليؤمن، ومن لم يشأ ظل على دينه.
ولنا في سيرة المصطفى المثل الأعلى، الذي لم يكن بيده سيف باتر ولا رمح قاطع، بل وحي أقوى مفعولاً من كل الأسلحة البشرية إذا حانت ساعة الهداية الربانية «إنك لا تهدي من أحببت، ولكن الله يهدي من يشاء».
وحجتنا في هذه الرواية لدى أشهر مؤرخ للسيرة النبوية، قال ابن هشام: بلغني عن الزهري، أنه قال: كتب كسرى إلى باذان: إنه بلغني أن رجلاً من قريش خرج بمكة يزعم أنه نبي، فسر إليه فاستتبه، فإن تاب، وإلا فابعث إلى برأسه. فبعث باذان بكتاب كسرى إلى رسول الله، فكتب إليه رسول الله: «إن الله قد وعدني أن يقتل كسرى في يوم كذا وكذا، من شهر كذا. فلما أتى باذان الكتاب وقف لينتظر، وقال: إن كان نبياً فسيكون ما قال. فقتل الله كسرى في اليوم الذي قال رسول الله. قال ابن هشام على يد ابنه شيرويه. قلت: قال بعضهم بنوه تمالؤوا على قتله. قال الزهري: فلما بلغ ذلك باذان بعث بإسلامه، وإسلام من معه من الفرس إلى رسول الله..».
*كاتب إماراتي