الثلاثاء 30 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفن الإسلامي.. تطبيقات رائعة في الكيمياء وصياغة الحلي

الفن الإسلامي.. تطبيقات رائعة في الكيمياء وصياغة الحلي
1 نوفمبر 2013 20:44
أحمد الصاوي (القاهرة) - كانت معظم منتجات الفنون الإسلامية مجرد منتجات أو مصنوعات تطبيقية، منحها الصناع طابعاً فنياً وسمة ظاهرة من الجمال، وعلاقة هذه الفنون بكل من الصناعة والتجارة كانت وثيقة، وشكلت أحد أبرز تطبيقات التكامل أو الاعتماد المتبادل بين فروع الصناعة والتجارة والفنون الزخرفية. وأسدت الفنون الإسلامية خدمات جليلة للعلوم التي استخدمت تطبيقاتها الصناعية في منح المنتجات الفنية الإسلامية سمعتها الحسنة طوال العصور الوسطى، وفي مقدمتها علم الكيمياء، وتمثل ذلك في حرص الفنانين على تزويد المخطوطات المختلفة لأبرز علماء الكيمياء بالصور التي تشرح وتوضح الموضوعات والابتكارات التي توصلوا إليها. ومن المعروف أن علماء المسلمين من أمثال الرازي وجابر بن حيان كانت لهم مساهماتهم الحاسمة في تطور علم الكيمياء وقد أفادت منها حركة الإنتاج في أرجاء العالم الإسلامي فيما يعرف بمنتجات الكيمياء الصناعية. ماء الورد ومن الصور التي توضح مساهمة فن تصوير المنمنمات في شرح تطبيقات الكيمياء الصناعية واحدة من مخطوط عربي يعود للقرن الثامن الهجري «14 م» يوضح الخطوات التي يتم اتباعها لتقطير ماء الورد بدءا من الغليان وانتهاء بوجود أكثر من إناء لاستقبال بخار التقطير لتكثيفه وتحويله لسائل يستخدم في صناعة العطور أو تعطير المياه والأيدي كما كان سائدا في البيوت الكبيرة وكان رش ماء الورد بالأيدي عقب الوجبات من تقاليد البلاط الراسخة في معظم الممالك الإسلامية. ولدينا صورة أخرى من مخطوط عربي يعود للقرن الثاني عشر الهجري «18 م» تشرح كيفية التقطير بطريقة لا تختلف جوهريا عن الطريقة السائدة في القرن الثامن الهجري ففي الرسم التوضيحي تستخدم ذات المسميات وهي القرعة أي الإناء الذي تغلى فيه المواد المراد تقطيرها والإنبيق أي الأنبوبة الزجاجية التي توصل المقطرات إلى إناء ظل يعرف بالقابلة. ونجد أيضا هذا التوطين الصناعي لتطبيقات الكيمياء الصناعية في الأصباغ التي كانت تعطي المنسوجات الإسلامية ألوانها المميزة في تصاوير مخطوط من القرن الثاني عشر الهجري «18 م»، به صور عدة عن أسرار الصناعات التي تفردت بها منطقة كشمير في إطار دولة المغول بالهند. ومن تلك الصور واحدة تبين كيفية صباغة خيوط النسج بالألوان الزاهية المعروفة في منسوجات الصوف الكشميري وكذلك منسوجات القطن وفضلا عن بيان كيفية صبغ الخيوط في أوان ضخمة فيها عني فيها الفنان أو المصور بتوضيح كيفية تقدير الألوان ودرجاتها عن طريق وزن المكونات الكيميائية وألوان الخيوط التي كانت شائعة في كشمير. ومن صور هذا المخطوط أيضا صورتان توضحان مع شرح باللغة الفارسية كيفية صناعة الورق في كشمير ولا تختلف هذه الطريقة كثيرا عن الطرق الصناعية التي كان المسلمون يتبعونها في إنتاج الورق منذ ابتكارهم له في القرن الثالث الهجري، وتكشف الصور الفوتوغرافية التي التقطت لبعض صناع الورق التقليدي في كشمير أوائل القرن الماضي أن هذه الطريقة الصناعية التي أوضحها المخطوط كانت سارية حتى الربع الأول من القرن العشرين على أقل تقدير. ومن المعروف أن الحضارة الإسلامية شهدت ازدهاراً كبيراً وسمعة كونية في مجال إنتاج الحلي والمجوهرات بفضل التقاليد الشرقية القديمة في هذا المجال وللاستخدام الفعال لتطبيقات الكيمياء الصناعية لإنتاج حلي ذات قيمة فنية عالية وأشكال جمالية باهرة بتكلفة مادية أقل سواء باستخدام المينا المتعددة الألوان المصنوعة من أكاسيد معدنية أو بابتكار الأحجار الصناعية التي تحاكي الأحجار الكريمة في صلابتها ومظهرها البراق. ولدينا مخطوط عربي من القرن العاشر الهجري «16 م»، به صور عدة، تشرح كيفية صناعة هذه الأحجار الصناعية، خاصة تلك التي تقلد بشكل دقيق مظهر أحجار مثل الروبي والسفير «الزفير»، ومنها صورة توضح كيفية عمل الفرن أو الأتون الذي كان يستخدم لصناعة الأحجار الصناعية للحلي ودرجات الحرارة التي تلائم إنتاج كل نوع. ازدهار التجارة في الإسلام وإذا كان التطور الحضاري قد جرف معه مثل تلك الأفران الصناعية، وقضى بشكل كامل على طرق الصناعات التقليدية، فإن المتاحف والمجموعات الخاصة حول العالم احتفظت ببعض الأدوات التي كانت تستخدم في إنتاج المواد الكيميائية، مثل قابلات التقطير، ومنها واحدة من الحديد ربما تعود صناعتها للقرن الثاني عشر الهجري «18 م». والصناعات التقليدية المألوفة التي تعتمد على العمل اليدوي لم تنل اهتماماً كافياً بتصوير كيفية ممارستها أو بتوضيح الأدوات المستخدمة فيها في المخطوطات الإسلامية المصورة، وربما يعود ذلك إلى أن تقاليدها كانت مستقرة ومعروفة لمن يمارسونها، وأن التطبيقات الصناعية لعلوم مثل الكيمياء لم تعرف طريقا إليها، فضلاً عن أن العرب في بداية العصور الإسلامية كانت تأنف من العمل اليدوي، وترى فيه انتقاصاً من الكرامة. ومن الصور القليلة التي توضح بعض أدوات من التي استخدمت في الحرف اليدوية صورة من نسخة مخطوطة من كتاب مقامات الحريري تعود للقرن السابع الهجري «13 م»، وهي تصور فتاة تقوم بغزل الصوف على آلة دائرية لخيوط الغزل، ولعلها تحتفظ بالشكل ذاته حتى يومنا هذا في مضارب البدو. وتلك الصورة تؤكد ما كان معروفاً عند العرب منذ ما قبل الإسلام عن أن حرفة الغزل كانت عملا نسائياً منزلياً بامتياز حتى أن العرب كانت تفتخر بمن تمارسها من النساء. ونظراً للارتباط الوثيق بين صناعة الفنون التطبيقية والاتجار بمنتجاتها في الأسواق نجد أيضاً اهتماماً كبيراً من المخطوطات المصورة سواء التي تُعنى بموضوعات اجتماعية أو تاريخية بتوضيح مناظر الأسواق المفتوحة والحوانيت المتخصصة بها وكيفية جلوس التجار بها لعرض سلعهم أو للتفاوض مع المشترين حول أسعار البيع. ومن هذه الصور التي توضح ما كان يجري بالأسواق واحدة من مخطوط فارسي يعود للعصر الصفوي، توضح حانوتين متجاورين، الأيمن منهما لبيع المنتجات الخزفية، بينما الآخر على يسار الصورة لتجارة المنسوجات، حيث يقوم التاجر فيه بالتفاوض مع سيدة عجوز لإتمام عملية البيع. ولأن المسلمين اعتبروا ممالكهم المختلفة أرضاً واحدة، يحق للتجار المرور عبرها للتجارة من دون ضرائب أو رسوم، فقد ازدهرت أيضاً الأسواق المؤقتة سواء الموسمية أو تلك التي كانت تنشأ حول معسكرات الجند، ولدينا صورة من مخطوط عثماني من القرن الحادي عشر الهجري لأحد أسواق الجند تلك، توضح أن التجارة كانت تشمل الأطعمة، إلى جانب منتجات يدوية أخرى متعددة. وازدهار التجارة في ديار الإسلام كان وراء عناية الحكام المسلمين بفن معماري رفيع وعميق الأثر في الحضارة الإنسانية وهو فن عمارة الخانات أي فنادق استضافة التجار ببضائعهم أثناء ترحالهم وعمارة المنشآت التجارية التي عرفت بأسماء متعددة مثل الوكالات والقياسر، ويعود الفضل في العناية المبكرة بتلك المنشآت للسلاجقة في آسيا الصغرى، وللمماليك بكل من مصر والشام. سلطان خان بقونية القاهرة (الاتحاد) - لم تساهم واحدة من الحضارات الإنسانية في تطور التجارة العالمية بقدر ما ساهمت الحضارة الإسلامية خلال العصور الوسطى، فالمتابع لنشأة الأسواق الداخلية المتخصصة والمنشآت التجارية بأنواعها المختلفة، وكذلك أنظمة الائتمان والشيكات أو الحوالات المصرفية، سيجد أن تلك المفردات التي يسرت حركة التجارة حول العالم جاءت في معظمها من دار الإسلام. وعلي الرغم من أن الأمم القديمة، خاصة الرومان والفرس، ارتادت مجال إنشاء الفنادق والقياسر والخانات لراحة قوافل التجار على طرق التجارة الدولية، فإن تلك المنشآت شهدت أوج ازدهارها في المناطق التي تشكلت منها دار الإسلام من ناحية أعدادها الكبيرة وتعدد مسمياتها ووظائفها وتطور مرافقها وما تمنحه للتجار من سبل الراحة والأمان. والمسلمون بعدما هيمنوا على القسم الأكبر من طريق التجارة العالمية المعروف بطريق الحرير والممتد من الصين شرقا إلى الأراضي الأوروبية وجدوا أنفسهم المسؤولين أمام الإنسانية عن ضمان تدفق السلع عبر هذا الطريق، وانشأوا نقاطا للحراسة على الطريق ودروبه الفرعية وزودوا الطريق بمحطات للاستراحة والتزود بالمياه ومحطات للبريد ثم ظهرت من القرن الخامس الهجري «11 م» حركة عمرانية محمومة النشاط، قادها سلاطين السلاجقة في إيران، وهضبة الأناضول خلفت وراءها العشرات من الخانات والقياسر والفنادق التي خصصت لخدمة قوافل التجارة. وكانت خانات السلاجقة على وجه الخصوص قمة النضج المعماري والخدمي الذي وصلت إليه المنشآت التجارية في حضارة الإسلام، وقد وصل عددها في الأناضول خلال عصر سلاجقة الروم لأكثر من 250 منشأة، تعرف تسع منها باسم سلطان خان، نظراً لحرص سلاطين السلاجقة على تشييدها. ومن أشهر تلك الخانات سلطان خان، الواقع على الطريق بين قونية وقيصرية بالأناضول، وكان هذا الخان الذي تعرض لخراب جزئي محاطا بسور دفاعي لحماية التجار وبضائعهم من غارات البدو الرحل المباغتة، وبداخله كانت تتوافر كل أسباب الراحة والرفاهية، وفقاً لمقاييس العصور الوسطى. فإلى جانب غرف الإقامة كانت توجد أيضاً مخازن للسلع التجارية، وهي موزعة في الطابق الأرضي حول فناء أوسط مكشوف، ومن فوقها غرف الإقامة، وهناك في طرف من الخان مرابط للخيول والإبل التي كانت تحمل التجار وبضائعهم. وقد زود الخان أيضاً بمسجد صغير وحمام شرقي، فضلاً عن مطبخ، كان يقوم بتقديم الخبز والوجبات المختلفة لرواد الخان طوال فترة إقامتهم به. ويغلب على الظن أن الإقامة كانت مجانية وفقا لوصية السلطان علاء الدين كيقباذ منشئ هذا الخان وأشباهه من الخانات المعروفة باسم سلطان خان، ولكن كان على التجار أن يدفعوا أجرة إيواء وتغذية حيواناتهم، وكذلك ثمن الوجبات الغذائية الخاصة برجال القافلة وأجرة التمتع بخدمات الحمام. وتحتفظ مدن عربية عدة أيضاً بمنشآت تجارية مماثلة، خاصة في العراق والشام ومصر واليمن مع اختلاف مسمياتها، حيث عرفت في العراق بالخانات، وفي الشام بالقياسر، وفي مصر بالوكالات، أما في اليمن فكانت تعرف باسم السماسر. جابر بن حيان القاهرة (الاتحاد) - إذا كان لعالم فرد فضل في تطور الفنون التطبيقية الإسلامية من الناحية الصناعية فإنه الكيميائي الأول والأشهر جابر بن حيان. ولد جابر بن حيان الذي ينسب لقبائل الأزد اليمنية على أرجح الأقوال في عام 101 هـ «721 م» وقيل أيضا في عام 117 هـ «737 م» ولكنه توفي باتفاق معلومات المؤرخين في عام 197 هـ « 813 م «وهو رهن الحبس في سجن الكوفة. وحسب الروايات التاريخية فإن جابر ولد في منطقة الجزيرة الفراتية شرق سوريا وكان أبوه منحازا للعباسيين في ثورتهم ضد الحكم الأموي وقبض عليه بسبب ذلك، حيث قام الأمويون بإعدامه، ففرت أسرته ومعها الطفل جابر إلى اليمن، حيث نشأ هناك، وتلقى علومه قبل أن يعود للإقامة بالكوفة بعد نجاح العباسيين في تقويض الخلافة الأموية. وعلى الرغم من شهرته الواسعة كعالم غزير الإنتاج فقد تعرض للاعتقال والسجن بسبب علاقته الوثيقة بأسرة البرامكة، فعقب إطاحة هارون الرشيد بأفرادها أعتقل عدد ممن كانوا يلوذون ببلاط البرامكة، ومن بينهم جابر بن حيان الذي ظل بالحبس حتى وفاته وكان طاعنا بالسن وتجاوز التسعين بسنوات عدة. يعرف جابر بن حيان بأبي الكيمياء فهو باعتراف العلماء الأوروبيين من أمثال فرانسيس بيكون المؤسس الحقيقي لعلم الكيمياء مثلما كان أرسطو مؤسساً لعلم الفلسفة. وعلماء الكيمياء المسلمون من أمثال الرازي يعترفون بقدر هذا الرجل الذي يطلق عليه الأستاذ في كتاباتهم بل إن المصادر العربية كانت تطلق على علم الكيمياء ذاته اسم علم جابر. وساهم ابن حيان في تحويل الكيمياء من علم افتراضي يقوم على ما أعتقده علماء الإغريق من أن العناصر في الكون هي أربعة عناصر، وأن اختلاف صفات المعادن إنما هو عائد لأسباب عارضة تتصل بالرطوبة والحرارة، ومن ثم يمكن باستخدام الإكسير تحويل المعادن الخسيسة لمعادن نفيسة، إلى علم قائم على التجربة المعملية. ومن هذه الزاوية يعترف العلماء بأن جابر بن حيان هو صاحب الفضل في تحويل الكيمياء لعلم تطبيقي، وكانت مؤلفاته التي تتجاوز 3 آلاف مقالة بمثابة ابتكارات صناعية أفادت الصناعات التطبيقية في ديار الإسلام، حيث تمت الاستفادة منها على نطاق واسع في صناعة أصباغ المنسوجات والجلود، وكذلك في صناعات الزجاج التي استخدمت ثاني أكسيد المنجنيز بناء على اكتشافات ابن حيان والصناعات المعدنية التي اعتمدت في عمليات الصهر واستخلاص المعادن على كتاباته العلمية المؤسسة على تجارب علمية مثبتة. ومن أهم ابتكارات ابن حيان توصله للقلويات التي تعرف لليوم باسمها العربي الأول Alkali، وهو مخترع ماء الفضة، وصاحب الفضل فيما عرفه الأوروبيون عن ملح النشادر وماء الذهب والبوتاس. وقد قسم جابر بن حيان المواد حسب خصائصها إلى ثلاثة أنواع هي الأغوال أي تلك المواد التي تتحول بالتسخين من الحالة الصلبة للحالة الغازية مثل الكافور وكلوريد الألمونيوم والمعادن مثل الذهب والفضة والرصاص والحديد وأخيراً المركبات التي يمكن تحويلها إلى مساحيق.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©