الثلاثاء 30 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كل شيء ممكن

كل شيء ممكن
5 نوفمبر 2011 01:01
كانت مشكلة الأستاذ عباس مع زوجته هي أنها لا تندهش أبدًا.. تعتقد أن هذا حرام وينم عن الضعف لو أبدت أية دهشة في أي موضوع يحكيه لها. أعرف هذا النمط جيدًا وكتبت عنه في هذا المكان بالذات من قبل، لكن مشكلة زوجة الأستاذ عباس الأخرى هي أنها تفتقر لروح الدعابة تمامًا.. هكذا قضى حياته يمارس شعور من يمثل أمام جمهور واجم خال من الانفعال. يحكي ويتحمس ويحبك حكاياته لكنه لا يلاقي أي نوع من الانفعال.. كان يحكي لزوجته ضاحكًا عن أحد أصدقائه الجبناء الذين يبالغون في الحذر، فلا ينزل من داره بعد التاسعة مساء.. هنا تقول الزوجة ببراءة: فعلاً.. لم يعد هناك أمان في العالم. أمس هناك من هاجم ابن جارتنا وسرق منه مالاً في السابعة مساء.. هنا يتوقف عباس وينظر لها في دهشة.. ألا ترى شيئًا غريبًا في هذا؟.. حكى لها عن صديق له اعتاد أن يلبس الجرائد تحت ثيابه في سبتمبر لأنه يخاف البرد، فكان رأيها أن البرد مشكلة فعلاً وعلى الجميع أن يحترس منها.. ـ «في سبتمبر ؟» ـ «برد سبتمبر هو الأسوأ دائمًا ...» دائمًا عندها تفسير لأي شيء غريب، ودائمًا ما تلتمس الأعذار للناس... كان هذا يثير غيظه فعلاً. هناك فارق بين التخريف والتفكير المنطقي.. هناك حد أو خط يجب أن نتوقف عنده ونفتح أفواهنا غير مصدقين، أما أن يبدو كل شيء معروفًا من قبل ولا يثير الدهشة فهذا جنون في حد ذاته.. هناك أناس أغبياء ومعاتيه فلا يمكن أن نجد تبريرًا لهم في كل مرة. يقول لها إن فلانة تدعي المرض طيلة الوقت.. أمس زعمت أنها أصيبت بالعمى فلما فحصها الطبيب وجد أن عينيها بحالة ممتازة. قالت الزوجة: ـ «أنا أيضًا أصاب بالعمى أحيانًا .. « ـ «وتستعيدين بصرك ؟؟» ـ «يمكن أن يكون السبب هو انسداد وقتي في شريان العين ثم يزول فتستعيد العين قوتها.. قرأت أن نوبات الصرع قد تبدأ بعمى مؤقت..» يسألها وقد أوشك على أن يبكي: ـ «وهل فلانة مصابة بصرع ؟» ـ «هذا وارد.. قرأت أن الصرع أكثر شيوعًا مما نعتقد» ـ «وهل أنت مصابة بصرع ؟» ـ «لم أكن أعرف ذلك حتى اليوم !» هكذا كانت حالته النفسية تزداد سوءًا.. حتى جاء اليوم الذي قال لها فيه: ـ «يزعمون أن السماء سقطت على الأرض في شمال أيسلندا» فقالت له بلهجة خبيرة: ـ «هذه أمور معروفة.. السماء لابد أن تسقط على الأرض في لحظة ما» كانت هذه المحادثة قبل الطلاق طبعًا، وقبل محاولاتي الدؤوب لرأب الصدع بينهما لكن هذا صار مستحيلاً. لم يعد يتحمل الحياة معها.. وكان هذا هو الوقت الذي ظهرت فيه (فاتن).. وفاتن هي زميلته في العمل التي راحت تصغي له وهو يحكي عن الدمل الذي ظهر على أنفه.. فصاحت غير مصدقة: ـ «أنت مذهل ..!.. لا أصدق كل هذا الذي مررت به !» فلما حكى لها عن قدرته على التهام ثلاث شطائر من الفول كادت تفقد وعيها.. ـ «أنت فعلاً رجل .. رجل حقيقي» كانت تنبهر بكل شيء وتضحك من كل دعابة، وهكذا لم يطل الوقت حتى تم الطلاق وحتى تزوج فاتن.. المرأة التي أصغت له وانبهرت به.. زرت زوجته السابقة لأعزيها على رحيل زوجها.. قلت لها إنني أشعر بحرج شديد، وقد جئت بسيارة أجرة لأن سيارتي معطلة، فقالت في انبهار وهي ترتجف انفعالاً: ـ «ماذا ؟.. جئت بسيارة أجرة ؟.. سيارتك معطلة ؟.. أنت تثير ذهولي بكل هذه المغامرات التي تعيشها طيلة الوقت !» د. أحمد خالد توفيق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©