الثلاثاء 30 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ظهرت في برامج المهرجان ومسابقاته قدرات تنظيمية وإدارية لافته

ظهرت في برامج المهرجان ومسابقاته قدرات تنظيمية وإدارية لافته
25 أكتوبر 2012
منذ بداية الاحتفال الذي أعلنته أبوظبي وهي تحاور الآخر سينمائياً ظهرت المؤشرات على أن خيار إقامة مهرجان للسينما في أبوظبي له أهداف وغايات أهمها السعي لإنضاج التجربة المحلية بتعريضها لتجارب سينمائية عالمية لها ثقلها الفني والفكري، والارتقاء بالفعل السينمائي الإماراتي وربما الخليجي إلى آفاق أبعد تتطور بتطور المهرجان، وإقامة حوار ثقافي قائم على احترام الذات وتقبل الآخر وإتاحة مناخ من التبادل والتثاقف الكفيل بالتقريب بين الناس عبر المشترك الفني. لهذا جاءت الافتتاحية فيلماً يوثق لهذا المهرجان الذي تحاول أبوظبي أن تصنع حضورها الثقافي من خلاله. هكذا بدا لكل المتابعين أن وراء هذا العمل الذي كتب الكثير عن أهميته ونجاحه رغبة معلنة في اقتحام منطقة إبداعية مهمة، هي في الغالب نقطة لقاء ثقافي لكافة الشعوب والحضارات، لاستثمارها لصالح الثقافة العربية بشكل ما. ولكي لا يظل الحضور العربي فيها باهتاً أو أقل من المطلوب. ومن هنا، ربما، اعتنى الفيلم التسجيلي “احتفل بالسينما” الذي عرض لتطور مهرجان أبوظبي السينمائي بتسليط الضوء على العلاقة بين الأجيال ووحدة الثقافات. ولعل اختيار فيلم “أربيتراج” ليكون فيلم الافتتاح يندرج في الإطار نفسه، ففي الفيلم الذي أنتجه السعودي (محمد التركي) إشارة أخرى إلى ضرورة الدخول العربي إلى مضمار صناعة السينما العالمية الذي نتمنى أن يكون دخولاً مدروساً، واعياً، قادراً على التعريف بالثقافة العربية والاستفادة من الخبرات العالمية في إدخال مخرجين عرب إلى هوليوود، وليس لهدف الربح فقط. وتوالت المؤشرات المهمة على الدور الذي يضطلع به المهرجان والفوائد المبتغاة من تنظيمه، فقد تحققت الفائدة التي يجنيها المبدع الإماراتي من هذا المهرجان، عاماً بعد عام، في النضوج على المستوى الإداري المتعلق بشكل المهرجان وتنظيمه (وإن كنا نتمنى على المنظمين أن يعتنوا بشكل أفضل بالإعلام المحلي وأن يجد من العناية ما يجده الإعلام الآتي من الخارج)، وعلى المستوى الفني المتعلق بنوعية الأفلام التي أنجزها المخرجون الإماراتيون. على المستوى الأول، تحدث الجميع عن القدرات الإدارية والتنظيمية الجيدة التي ظهرت في البرامج ونوعيتها والأداء العام للأشخاص المشاركين في هذا العمل، كما لفت تولي شخصية إماراتية، هي المخرج المشهود له بالجدية والمثابرة علي الجابري، إدارة المهرجان وتسيير أموره، ناهيك عن وجود الإماراتيين في لجان التحكيم المختلفة. أما على الصعيد الفني فثمة تجارب لافتة، وأفلام تعكس النضج الذي يكتسبه المخرجون مرة بعد مرة، بحيث بدت أفلام مسابقة الإمارات علامة مميزة من علامات المهرجان. فيما ظهرت مشاركة المخرجات الإماراتيات لا سيما في أفلام الطلبة مدهشة بحق، بغض النظر عن مستوى الأفلام التي قدمت، والتي تعد بالكثير في حال حرصت المخرجات على بناء الذات الإبداعية سينمائياً وصقلها ثقافياً وفكرياً بشكل رصين، ومستمر... أما “سند” التي تعتبر من علامات المهرجان الفارقة والجميلة فيبدو أنها كانت بالنسبة إلى السينمائيين العرب سند بحق، فقد حصلت الأفلام التي أنجزت من خلال هذه المنحة على جائزة من الجوائز: “ما نموتش” لـ نوري بو زيد، “الخروج للنهار” لـ هالة لطفي، “لما شفتك” لـ آن ماري جاسر، “البحث عن النفط والرمال” لـ وائل عمر و فيليب ديب، “عالم ليس لنا” لـ مهدي فليفل، “يلعن بو الفوسفاط” لـ سامي تليلي، ، أما تلك التي لم تحصل على جوائز من لجان التحكيم فقد فازت بحضور جماهيري كبير وامتلأت صالات عرضها عن بكرة أبيها، وهي: “كما لو أننا نمسك بكوبرا” لـ هالة العبد الله، “محمد أنقذ من الماء” لـ صفاء فتحي، “بعد الموقعة” لـ يسري نصر الله، وعليه، يمكن القول إن المهرجان يفعل ويثمر وإن ببطء كعادة العمل الثقافي الذي تحتاج وروده إلى وقت طويل لكي تتفتح. أرض للجدل يقال إن المهرجان، أي مهرجان، هو أفلامه، بالقدر الذي تتميز فيه العروض يأتي متميزاً وناجحاً. لكن ثمة تتمة للعبارة ينبغي أن نضيفها، المهرجان هو أفلامه وما يثيره من جدل.. ولقد نجح مهرجان أبوظبي السينمائي في إثارة جدل كثير، ومتشعب، لم يقتصر على الندوات التي تعتبر واحدة من أهم ما شهده المهرجان بل امتد إلى الأروقة وأماكن عروض الأفلام التي شهدت لقاءات مثيرة بين مخرجي الأفلام والجمهور، ناهيك عن تلك الحلقات الرفاقية التي كانت تنعقد بين الأصدقاء بمجرد الانتهاء من مشاهدة الفيلم، حيث كان النقاش يستمر أحياناً إلى خارج صالة العرض. تلك الندوات والورش واللقاءات النقدية أكملت التثاقف الذي بدأته الأفلام التي قدمت ثقافة بصرية تفتح العين على جماليات الفن السابع وتطوعت بتقديم ثقافة سينمائية، نظرية وعملية، تهم كل صناع السينما، حيث عقدت حلقات دراسية مجانية تناولت موضوعات متنوعة مثل: “من محاكاة الوثائقيات إلى الدراما الوثائقية: طرق النجاح في خلط الأنواع السينمائية”، و “مهارات إدارية في أعمال الصناعة السينمائية: فيلمك، عملك، نجاحك” الذي يعالج الجانب العملي للإنتاج السينمائي وغير ذلك. لقد انتبهت البرامج الخاصة، التي تعمل بشكل جيد ولا يُلتَفت لها إعلاميا بشكل كاف بسبب الانشغال بالأفلام على تحقيق الغايات التي نظم من أجلها المهرجان أصلاً، إلى الكثير من المعطيات السينمائية التي حازت رضى النقاد والجمهور كالاحتفال بالسينما الجزائرية التي سلطت الضوء على قيم وتقاليد السينما في المغرب العربي، وفاحت فيها عطور الإبداع الجزائري بشكل خاص، وتسليط الضوء على السينما الكورية وما يجري في ذلك العالم سينمائياً على الأقل، وعرض كلاسيكيات السينما وجمالياتها الراسخة في الوجدان السينمائي العالمي في نسخة مرممة في نوع من التأريخ للجمال البصري وتعريف الأجيال الجديدة به. درس العجوز أوليفيرا تنوعت العروض التي قدمها المهرجان موضوعياً وأسلوبياً وشكلياً: روائية، وثائقية، تسجيلية، وأفلام تحريك، طويلة وقصيرة، عربية وعالمية من قارات العالم الست. وكان التنوع الاسلوبي والمضموني والتقنوي وتعدد الرؤى والطروحات الفكرية واختلاف المعالجات السينمائية للقضايا العامة والخاصة هو السمة البارزة في المهرجان. وحضرت الأفلام السياسية والرومانسية والتاريخية والدرامية وأفلام الجريمة والحرب والرعب والخيال والإثارة وافلام العائلة وتلك التي تهتم بقضايا النساء. وبدأ الحضور العربي في المهرجان واضحاً، وجاءت الأفلام المشاركة هذه المرة أفضل تقنياً وإخراجياً وأقوى على صعيد الطرح الفكري من سنوات سبقت، وهذا ما جعلها تحظى ببعض الجوائز كما حدث مع الفيلم المصري الإماراتي “الخروج للنهار”، والفيلم الفلسطيني الأردني الإماراتي “لما شفتك”، والفيلم الفلسطيني الإماراتي “عالم ليس لنا” الذي حصل على ثلاث جوائر. وبينما تغيب فلسطين وقضيتها عن شاشات الفضائيات منذ فترة تحضر أفلام تعالج وتعيد التذكير بفلسطين وجرحها التاريخي الذي لم يعد يفطن إليه أحد بقوة وتحصد جوائز من المهرجان. أما الأفلام التي لم تحصل على الجوائز فاتسم بعضها بسوية فنية محترفة مثل فيلم “صبر الملح” البحريني، و”تورا بورا” الكويتي، و”ما نموتش” التونسي، و”ثلاث عرائس وطائرة ورقية” السعودي، و”الأبواب المغلقة” المصري وغيرها. جاءت المشاركة العربية، إذا ما أضفنا لها التظاهرة الخاصة بالجزائر معبرة في مجملها عن مستوى السينما في بلدانها، لكن حبذا في المهرجان المقبل لو تم تخصيص نوعية ما من الأفلام وتمظهراتها في السينما العربية، لتركيز الضوء على المجتمعات العربية وما تطرحه السينما فيها وتحقيق تقارب أكثر وفهم أعلى بين هذه العوالم التي تختلف وتتشابك وتقترب وتبتعد في مستوياتها الفنية والتقنية وفي فهمها للسينما، فمن شأن ذلك أن يبرز مواهب ربما لا تجد مكاناً لها للعرض أو للحصول على فرصة إنتاجيىة لتحقيق أفلام أخرى.. كما أن من شأنه أن يبرز جماليات مشهدية عربية غابت في خضم الأوضاع السياسية التي تشهدها المنطقة، فضلاً عن أن بإمكانه أن يضخ الحياة في شرايين بعض الأنماط السينمائية الغائبة ويحرك الراكد السينمائي ليصبح فاعلاً ومنتجاً. وفي الحديث عن الأفلام المعروضة أو تلك التي حازت الجوائز ثمة دروس وعبر كثيرة مختفية خلف بريق فلاشات التصوير. وثمة تجارب مهمة على الصعيد الإنساني والحياتي ينبغي أن يتعلم المرء منها: أحد هذه الدروس هو المخرج البرتغالي العتيد مانويل دي أوليفيرا الذي يبلغ من العمر مئة عام وفوقها ثلاثة (103 سنوات) ومع ذلك لم يتوقف على العمل والعطاء. لم يتقاعد كما يحدث في عالمنا العربي ولم يصبح فائضاً عن الحاجة، بل ما زال مبدعاً، منتجاً، قادراً على إنجاز فيلم لا يعاني من أي مظهر من مظاهر الشيخوخة الإبداعية، وها هو فيلمه يخرج بجائزة. الدروس كثيرة لكن بعضها يتألق أو يلمع فيخطف البصر فيما يظل بعضها الآخر متوارياً خلف الكلام أو خلف الستارة التي أسدلت على عشرة من الأيام الإماراتية التي حفلت بالسينما، لكن تواريها لا يعني أبداً أنها أقل من تلك التي برقت ولفتت الأنظار.. فثمة في كل مهرجان جنود مجهولون، كثيرون، لا يعلمهم أحد، وربما يكون حضورهم هو السبب الرئيس وراء نجاح المهرجان أو ألقه. هؤلاء هم الذين شكرهم المهرجان في افتتاحية “الكاتالوج”الخاص بالأفلام، وحسناً فعل.. فهؤلاء المتطوعون، الذين عملوا ليلاً ونهاراً، سراً (خلف الكاميرات) أو علانية (أمامها) ينبغي أن يقول لهم أحد ما: شكراً... أخيراً، لا ينبغي نسيان هذه المدينة الجميلة، التي تجترح في كل عام فعلاً ثقافياً ما يميزها.. أبوظبي التي قررت في لحظة تاريخية أن تكون مدينة للروح والعقل، للعمران والإنسان، وأن تتجمل بالأخضر الثقافي الذي يستحق أن يشاهد عشاق السينما عروضاً للأفلام على سجادته لا سيما وقد طاب طقس اكتوبر الليلي واعتدل..
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©