الثلاثاء 30 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«حاول مرة أخرى» و «هوى بحري» لصالح كرامة يثيران أزمة الإنسان الوجودية ويطرحان أسئلته الكبرى

«حاول مرة أخرى» و «هوى بحري» لصالح كرامة يثيران أزمة الإنسان الوجودية ويطرحان أسئلته الكبرى
16 نوفمبر 2013 00:41
فاطمة عطفة (أبوظبي) - المسرح أبوالفنون فعلاً، بدأ مع الفلسفة في طرح الأسئلة الكبرى حول الكون والإنسان والحرية والفضيلة والجريمة والعقاب وغير ذلك. والأداء الذي شاهدناه في عرضين متتاليين مساء الأربعاء في مقر اتحاد كتاب وأدباء الإمارات فرع أبوظبي يؤكد ذلك، حيث احتشدت صالة الاتحاد بجمهور كبير من مختلف الأعمار والاهتمامات، وهذا الجمهور هو الذي يزيد من قيمة المسرح وأهميته الفكرية والثقافة والاجتماعية. أسئلة وجودية المسرحيتان من تأليف صالح كرامة، ومترجمتان إلى الإنجليزية، وموضوع كل نص يثير في نفس المشاهد من الأسئلة أكثر من أن يجيب. المسرحية الأولى بعنوان: “حاول مرة أخرى” من إخراج ماغي هنان، وتدور حول جريمة القتل وعقوبتها، حول الحرية وعقدة الذنب ومحاكمة الضمير. فالسجينة (بايا) تنتظر حكم الإعدام لأنها قتلت زوجها في حالة غضب وانتقام، بعد أن اكتشفت خيانته لها مع صديقتها، في حين سامحت تلك الصديقة وتركتها لتأنيب الضمير. يحاول محامي المتهمة أن يقنعها لتقول بأن القتل حدث خطأ برصاصة طائشة، إلا أن السجينة تصر على موقفها لأن الظلم الذي لحق بها سبب لها من القهر ما لا يمكن التخلص منه إلا إذا أخذت حقها بيدها. ومع تطور الأحداث نرى أن محامي الدفاع نفسه كان يعاني عقدة الذنب بسبب خيانته لزوجته التي شاهدته في وضع مشين مع عاملة المتجر، ولم تكن وحدها بل كانت معها ابنتهما في مشاهدة تلك الجريمة. والإشارة إلى شهادة الابنة ضاعفت من حجم جريمته وشعوره بالعار، فضلا عن دراسته وعمله كمحامٍ يدافع عن الحق بحرية وصراحة لا أن يرتكب جريمته ويحاول إخفاءها. وحين يرى أن السجينة مصرة على التمسك بحريتها ومسؤوليتها عن عملها، يزداد تأنيب الضمير لديه ويدخل في حالة هستيرية وكأنه يعاقب نفسه بالجنون. وفي لقاء مشابه بين السجينة وصديقتها الغادرة (باتينا) تكتشف هذه مدى الذنب الذي ارتكبته، وتشعر بالأسف الشديد، ولكن بعد فوات الوقت، فالجريمة وقعت وهي تحمل نصيبها مثل الزوجة وأكثر لأنها هي السبب والدافع وتتحمل المسؤولية مع الزوج الخائن. ومع تطور الأحداث وتتابع الحوارات يكتشف المشاهد أن الموضوع أكبر من الخيانة والجريمة والعقوبة، إنه موضوع الحرية بين الإنسان وضميره وبين الفرد والمجتمع الذي نشأ فيه، بين الخارج الذي يتمتع بحرية مزيفة كما هي حال المحامي والصديقة وبين كرامة السجينة وإرادتها الحرة داخل السجن، كل هذا يدور في كشف الخيانة على أنها ذنب مطلق يرتكبه كثير من الناس ويخفونه داخل نفوسهم ودوائرهم الضيقة ويذهبون به بعيدا عن المحاسبة والعقاب. النص المسرحي مكتوب بأسلوب شاعري شفاف يصل إلى حدود الرمز وكان الأداء رائعا، تعبيرا وحركة وموسيقى، وحتى في مواقف الصمت والتردد، وبذلك لا يبدو الموضوع مرتبطا بخيانة زوجية أو الانتقام في فورة غضب وإنما يرمز إلى كل خيانة وإلى حرية الإنسان وحدودها الفردية والاجتماعية وصحوة الضمير عند كل شخص أن يسامح لأن الخطأ عند الجميع يمكن أن يقع. أما نجوم هذا العرض الجميل فهم: “بايا” بدور السجينة، كريستين أستوريانو بدور (باتينا)، والمحامي (توفيق)، والممثل سانوب دينيش بدور الحارس. تشظيات الذات المغتربة وتدور أحداث المسرحية الثانية “هوى بحري” وهي أيضا من تأليف صالح كرامة وإخراج روبرت ليدنغتون. قام بدور البطل (سالم)، أديتيا فيكرام جها، فليسيا كورال بدور (نور) ، ماريان كاتالان كينيدي بدور (شريف)، جوزبي واليا شهبوري بدور (صمد)، سانوب دينش بدور (شافي). ترمز المسرحية، الحاصلة على أفضل نص مسرحي من دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة في 2007، إلى صراع الإنسان مع الغربة الداخلية والتشظيات الثنائية الناجمة عن وجوده في حصار متعدد الوجوه نفسية واجتماعية وما شابه، وذلك في مدينة غادرة لا تسمح له بالحياة الطبيعية الكريمة. أربعة أشخاص يبحثون عن الخلاص، كل واحد منهم على طريقته، ويسردون أحلامهم وهمومهم وآمالهم، في جو ثقيل من الضياع يريدون أن يذهبوا إلى البلاد وكلهم يسألون أين هي هذه البلاد؟ أين هو الوطن والخوف يتعقبهم؟ ومع ارتفاع وتيرة الأسئلة الحائرة يرتفع قلق الشخوص وتوترهم من خلال لعبة إخراجية معبرة، وذلك باستعمال الكرات المطاطة بألوانها المختلفة التي وفّرت دلالات رمزية تعبر عن حالات الانفعال وحيثيات المكان وتساؤلاتهم عن الأفق البعيد. هذا العمل الجميل كان قد قدم في بلدان عربية، وقد حصل على جائزة العرض المسرحي في مصر، وهو ينحو باتجاه التجريد في المسرح سواء من حيث الفضاء أو الشخوص الذين تتغير أدوارهم مثل سجان يأخذ دور كلب أو دور امرأة أو زوجها. بقيت الإشارة إلى أن العرضين أثارا الإعجاب والكثير من التساؤلات خلال المناقشات التي دارت بين الحضور.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©