الثلاثاء 30 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لا وفاق مع النفاق!

9 ديسمبر 2014 23:53
العيب والسم في الإناء والوعاء وليس في أي سائل يوضع بهما. إذا وضعت في الإناء والوعاء حليباً يتسمم وإذا وضعت عسلاً سائغاً للشاربين يتلوث. هذا بالضبط وصف وشأن المنافقين، وهذا هو المعنى الذي ورد في القرآن الكريم عن المنافقين: «وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم». هذا هو الوصف القرآني الأعظم والأبلغ للمنافق، هو إناء ملوث ومسمم لكنه من الخارج وفي المظهر براق، لسان وقلم مضيئان وقلب خرب ووجدان مظلم، المنافق بيت أو سور له باب ظاهره فيه الرحمة والرقة والتدين وباطنه فيه العذاب والإرهاب والشذوذ. الإناء مصنوع من مادة سامة فلا جدوى من أن تضع فيه عسلاً مصفى أو لبناً سائغاً للشاربين، الرائحة الكريهة مصدرها الجسد نفسه ومسام الجلد، فلا فائدة ولا معنى لأن يرتدي صاحب هذا الجسد ملابس أنيقة وجديدة، سوف تكتسب الملابس الجديدة رائحة الجسد الكريهة على صاحب الرائحة أن يغير جلده، وأن يغير لحمه ودمه لا أن يغير ويبدل ملابسه، وتغيير الجلد واللحم والدم مستحيل. والمد الذي يقولون عنه الآن إنه مد ديني ليس سوى مد نفاقي، مد الشكل والمظهر وليس مد الجوهر والمعنى والمضمون، وآيات النفاق الأربع أو خصاله الأربع متوفرة وحاضرة كلها في هذا الذي يقال عنه المد الديني.. كذب الحديث وخيانة الأمانة والغدر في العهد والفجور في الخصومة. أنت لا تقرأ ولا تسمع إلا كذباً، أنت لا ترى إلا خيانة أمانة وأعظم الأمانات التي نخونها أمانة الدين وأمانة الوطن. أنت لا ترى إلا مناظر جميلة ومخابر قبيحة. وقد فقدنا فضيلة التدبر والتأمل وإعادة النظر، فأصبحنا نحكم على البشر بالمظاهر المغشوشة والعطور الفواحة التي لا يمكن أن تخفي رائحة الوجدان الكريهة. وهناك مثلان عاميان مصريان يجسدان هذه الحالة بدقة، ولهما معنى واحد مع اختلاف الألفاظ وأحدهما يقول: (من بره الله الله ومن جوه يعلم الله).. والآخر يقول: (من بره وردة ومن جوة خردة)، ومثل آخر يؤدي نفس المعنى ويسير في نفس الاتجاه يقول: (أسمع كلامك أصدقك أشوف أمورك أستعجب).. كل هذا وغيره يتسع له المعنى القرآني العظيم: (وإن يقولوا تسمع لقولهم).. المنافقون هم الذين قال عنهم القرآن الكريم: (يحسبون كل صيحة عليهم.. هم العدو فاحذرهم). أفسد المنافقون السياسة، وأفسدوا الثورات، وأفسدوا الدنيا والدين. لأنهم أوعية مسممة تسمم كل شيء يوضع فيها. فإن وضعت فيها دنيا تسممت، وإذا وضعت ديناً تلوث، وإذا وضعت آخرة تشوهت. وهذه هي الإجابة الشافية عن السؤال الكبير: لماذا فشلت كل النظريات والمناهج السياسية في وعائنا العربي، وفي أمتنا بينما نجحت في أماكن كثيرة من العالم؟ لا ترهق نفسك ولا (تعور رأسك) بالبحث عن جواب.. وعليك أن تفتش عن النفاق والمنافقين عن هؤلاء الذين تحولوا إلى أغلفة وعلب وعبوات جميلة للفضيلة، بينما في داخلها سلعة الرذيلة، وكل الفرق التي إنْ تعدها لا تحصيها هي فرق اجتمعت على النفاق وتقاطعت جميعها في نقطة النفاق رغم اختلاف الأسماء والعناوين، كلهم إخوان في النفاق وكذب الحديث وخيانة الأمانة والعهد المغدور والخصومة الفاجرة.. والمذهب الواحد الذي يجمع هؤلاء جميعاً هو مذهب النفاق. يلتقي في ذلك المنافق السُني مع المنافق الشيعي مع الجهادي والسلفي.. إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإنْ يقولوا تسمع لقولهم. ويعجبك قولهم في الحياة الدنيا ويشهدون الله على ما في قلوبهم، وهم ألد الخصام، وهم أفجر الخصوم. وهؤلاء يرعبوننا ويرهبوننا بتصوير أنفسهم وإيهامنا بأنهم الدين نفسه وليسوا فقط مجرد متدينين، الحديث الناقد لمظهرهم وسلوكهم يصورونه على أنه هجوم على الدين، حرام أن نقول إن النقاب ليس أصلاً في الإسلام وحرام أن نقول إنهم ينقبون الأجساد، ويتركون الوجدان والقلوب سافرة وعارية وفاضحة، الزي عندهم دين والمظهر دين، وكلهم يرتكبون الجرائم الشنعاء ويقولون: إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً.. يقنعون السذج بأن التصويت لهم في الانتخابات مثلاً هو تصويت للإسلام وهو كفارة للذنوب، وأكثر الناس انحرافاً وفسقاً يصوت لهم تكفيراً عن ذنوبه وظناً وظنه إثم أن الله سيغفر له بالتصويت للمنافقين الذين أفسدوا علينا ديننا ودنيانا. وقد نجحوا تماماً في نشر دعوة الخوف. نحن نخاف من الهجوم عليهم وانتقادهم لأنهم أوهمونا بأنهم الدين وأنهم الإسلام، ويحلو لي ألا أستخدم وصف ومصطلح الإرهاب والإرهابيين مع هؤلاء، فالوصف الأدق والأكثر واقعية هو الشذوذ والشاذون، لا يمكن بأي حال أن يكون هؤلاء المنافقون أسوياء.. والشذوذ الفكري أو حتى الديني أخطر تعقيداً من الشذوذ الجسدي.. ودعوات هؤلاء تجد صدى لا لأن هؤلاء على حق ولكن لأننا نربطهم بالدين ونرى أنهم هم الإسلام ونخشى انتقادهم، ولا ينبغي لنا أن نحايد مع هؤلاء الشاذين الذين لو اطلعت على عقولهم وقلوبهم ووجدانهم لوليت منهم فراراً ولملئت منهم رعباً، فلا تشربوا سائلهم ولو كان ترياقاً لأنهم أوعية مسممة، طاردوهم، حاربوهم، لا تخافوا ولنرفع جميعاً شعار: لا وفاق مع النفاق ولن نلوذ بالشذوذ! محمد أبو كريشة* * كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©