حينما انتهى من تصفح بعض الصحف والمجلات الأخرى التي بجانبه، لمح في ذاك الصحن كسرة خبز، فرغب في أن ينهيها هي الأخرى، ولاكها بين أضراسه، وعيناه تتجه الى الباب تاركاً خلفه عقب السيجارة المشتعل بجانب السرير، أخذ نفساً عميقاً ثم توجه خارج المبنى ولكن فجأة تذكر تلك السيجارة·· أسرع لإطفائها، ثم هم بالرحيل متوجهاً الى عمله وفكره تائه في أمور عمله، كانت طبيعة عمله تحتّم عليه ان يباشر كل شيء بنفسه، وكل صغيرة وكبيرة هي من الأهمية التي تتطلب عدم إهمالها·
بعد أيام قادته المصادفة الى اكتشاف طريقه لتحسين ظروف حياته وشرع برسم خطة أخرى لتكثيف أعماله، فها هو يزيد في نشاطه وابراز مجهوده في العمل ونمطية مختلفة للإدراك والوعي، فزاد عدد العملاء وكان يفكر جدياً بالزواج فقد جاوز عمره الخامسة والثلاثين، ووالدته تشتاق ان تعانق أحفادها، فهو الوحيد الذي لديها والأكبر بين ست بنات، كان تفكيره ان يعيش بقية حياته مع والدته بعد ان توفي والده العام الماضي اثر مرض عضال، وهو الوحيد الذي كان بجانب والده آنذاك، وخاصة حين سافر معه للعلاج خارج الوطن، بدأ أخيراً في نسيان ما حدث لوالده وحاول إشغال نفسه في العمل وكرّس جهده ومثابرته في تحسين أحواله المعيشية، بجانب انه يسكن وحيداً في إمارة من إمارات الدولة بعيداً عن والدته الكبيرة السن واخوته الصغار، استمر على هذا الحال كثيراً والعمر يمضي به والحياة تزيده أسى، لولا رحمة الله ودعوات أمه له، ونال ما رغبه من طموح الشباب وتحدى الصعوبات التي اعترضته في فترة عصيبة·
وقد وصل الى منصب يحسده الآخرون عليه، ولأنه كان صادقاً مع نفسه قبل ان يكون صادقاً مع الآخرين، فقد حرص على ان يتحكم في ظروفه الصعبة وتخطى حواجز الفشل بالإرادة وتحدي الذات البشرية الضعيفة بعض المرات ،والتي كانت تزيده ايضاً معرفة وقدرة على لملمة فشله في بعض الأحداث، ومرت الشهور ووقف شامخاً وتحت قدميه أرض صلبة لا يزعزعها فشل ولا انتكاسة عقل، كما كان شاباً طموحاً يشع الذكاء من عقله وتبدو على محياه سحنة الإيمان وغريزة النباهة والفطنة، مما كان أكثر إيثاراً مع من بجانبه وأسرته في المقدمة·· كان وكان وأخيراً منح لنفسه الحق في الزواج والحق في احتضان والدته ومنحها أول حفيد لها، ليكون قد برّ بوالدته واثبت انه أوفى بحقها بعد كل ما قدمته له للوصل الى ما وصل اليه، وليثبت للجميع ان الانسان قادر على الوصول حين يرسم هدفه بدقة ويكون قادراً على تحقيق امنياته، حين يتوشح بالإرادة والعزم الصادق·
موزة عوض
عدد اليوم
