الثلاثاء 30 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بيتر لامب يروي قصة بناء جامع الشيخ زايد

بيتر لامب يروي قصة بناء جامع الشيخ زايد
18 مارس 2010 19:52
بعد انتهائه من تصوير فيلمـه الوثائقي عن مراحل بناء جامع الشيخ زايد، الذي ســـيعرض قريباً على قناة “ناشيونال جيوجـرافيك”، يتحدث المخـرج بيتر لامب،الذي سبق له أن أنجـز الكثير من الأعمال الوثائقيـة المتعلقـة بمشــاريع عملاقــة، متناولاً الخصوصية التي يجسدها مشروع المسجد، فيقول لــ”الاتحاد”: ما كنت أصبو إليه في البداية، عندما كنت في ملبورن في أوائل الستينيات، هو أن أصبح مهندساً مدنياً وأقوم بإنشاء مبانٍ ضخمة؛ فأبي كان يعمل مصممًا في مجلس كهرباء ولاية فيكتوريا، كما عمل أيضاً لفترة طويلة في وضع خطط للحفارات الميكانيكية الضخمة ألمانية التصميم التي كانت تجمع الفحم البني من المناجم الضخمة المفتوحة. كان الفحم الذي يستخرجونه يدير مولدات الكهرباء بالولاية. وبذلك، فإن آلات جمع الفحم المتحركة الضخمة والهائلة هذه كانت بمثابة الماكينات العملاقة الأولى التي أراها في حياتي، وقد تراءت لي مذهلة ومدهشة. لقد كانت تزحف ببطء وكأنها كائنات خيالية في أحد أفلام الخيال العلمي. حب العمارة يضيف المخرج: “كصبي صغير، كان يدهشني ما يفعله أبي، وكغيري من الصبية الصغار تمنيت لو سرت على دربه ولكن على نطاق أكبر؛ ولكن ما لبثت أن قاربت السادسة عشرة من عمري، حتى تحولت وجهتي مدفوعاً بولعي بالأفلام والتليفزيون فاتخذ مساري الوظيفي اتجاهاً مختلفاً كلياً؛ إلا أنني لم أفقد حبي للعمارة، فظللت طيلة النصف الثاني من القرن العشرين أسعى لا شعورياً نحوها؛ وعندما أطالع آلاف الصور التي ألتقطها حول العالم، أجد أن العمارة مثلت أكثر من نصف موضوعات هذه الصور. فتتنوع ما بين الجسور ومراسي القوارب والمباني الضخمة والمباني الصغيرة والتصميمات الخارجية والداخلية للمباني. قمت على مدار حياتي بتسجيل إنجازات أصيلة ومنتقاة في كل من برلين ولندن وباريس وبروكسل وأمستردام وفيينا وروما وبراغ وموسكو وبكين والعديد من المدن الأخرى؛ وعلى الرغم من أن محور تفضيلي كان هو العمارة التاريخية التي تعود إلى ما قبل القرن العشرين، فقد جمعت أيضاً أنماطاً معمارية مثل آرت نيفو وآرت ديكو وبعض الأنماط المعاصرة الرائعة الأخرى. والعمارة بالنسبة لي هي الفن على نطاق ضخم! مفاجأة المشهد يتابع متطرقاً إلى المشاعر التي انتابته أثناء العمل: لك الآن أن تتخيل سعادتي عندما أوكلت إليّ مهمة تسجيل أعمال تشييد تحفة معمارية حديثة كهذه؛ لقد أبهجتني فرصة حصولي على هذا المشروع – فيلم تسجيلي عن جامع الشيخ زايد الكبير كجزء من مسلسل ناشونال جيوجرافيك التليفزيوني الهياكل العملاقة؛ بل وقد زادت سعادتي أكثر بمجرد أن حللت بالموقع فعلاً في أبوظبي، وشاهدت جامع الشيخ زايد الكبير للمرة الأولى. فتوجهت ومعي المصور تحت حرارة الصباح الباكر ومع اقترابنا من الموقع ذهلنا من ضخامة العمل؛ فعلى الرغم من أننا شاهدنا صوراً مسحية للجامع، لم يكن أي منا متصوراً أن الجامع بهذا الحجم الهائل؛ وعلى الرغم من أنه مازال هناك الكثير من الأعمال التي لم تكتمل، إلا أن المنظر كان مهيباً. خصوصية مميزة يستعرض لامب تجاربه السابقة قائلاً: لقد تجول مسلسل ناشونال جيوغرافيك التليفزيوني بين الهياكل العملاقة في كل مكان تقريباً، وقام بكل ما يمكن أن يحتويه برنامج من نفس نوعه تقريباً؛ لذا لم تكن مواصلة السير على هذا النهج بالأمر الهين؛ ولكن جامع الشيخ زايد الكبير هو واحد من المباني العملاقة، ولهذا فقد قدم إمكانات جديدة تثير التحدي. لقد أيقنت أن الأمر يسترعي تحقيق أعلى درجات الإتقان التي يمكن أن يكون عليها “فن الهياكل العملاقة”؛ فيحب أن يقدم ليس فقط باعتباره من الهياكل العملاقة التي تتميز بالقوة والملاءمة للغرض والفخامة، بل يجب أن يتجاوز هذا المعنى. وعليّ أن أعترف بأن بعض مهام التصوير يمكن إنجازها بطريقة آلية وتظل مع هذا، تتسم بالاحترافية الكاملة، ولكن في يومنا الأول من التصوير كنا متلهفين جداً لأن ما نستهدفه كان شيئاً مثيراً، وهو ما جعلنا متحمسين للبداية. في أول أيام التصوير، تجولنا بسرعة في جميع أرجاء الجامع، وكأننا نخشى ألا نجده عند مجيئنا في اليوم التالي؛ والأرجح أن حماسنا قد دفعنا كثيراً في اليوم الأول إلى تصوير كافة الزوايا والتفاصيل. فسارعنا في الانتقال من وضع تصوير إلى وضع آخر دون أن نضع اعتباراً للشمس الحارقة وسرعان ما كنا نتصبب عرقاً؛ فقد كانت زرقة السماء صافية والشمس ساطعة، فساورنا القلق ألا يصادفنا جو مثالي كهذا مرة أخرى. ومع عودتنا في اليوم التالي، سعدنا بأن نجد جامع الشيخ زايد الكبير كما هو لم يختفِ كسراب الصحراء! كان الجامع ما يزال موجوداً وكان الجو ما يزال صحواً؛ فأجبرنا أنفسنا على التمهل وبدأنا نفكر بإمعان في أفضل طريقة للتصوير بدلاً من الجري الهستيري مثل أطفال المدارس المتحمسين. وفي هذه المرحلة لم نكن نعلم تحديداً عدد الزيارات التي سوف تتم للموقع على مدار الأعوام الثلاثة المقبلة. الشمس تجعل العالم مكاناً أفضل متعمقاً في توصيفه يقول لامب: إنه لشرف نادر أن ترى قطع الرخام الضخمة تستخرج من أنفاق الجبال في شمال إيطاليا، وترى الفسيفساء المعقدة تُجمَّع في ميلان، وترى الرخام الذي سوف يكسو أعمدة قاعة الصلاة لاحقاً يُشكل ويُزخرف في الصين. لقد تمثلت سعادتي الشخصية التي غمرتني لتصوير تقدم العمل في هذا المشروع في متابعة مجهودات أعداد لا حصر لها من الأفراد من مختلف البلدان، الجميع يسهم في إخراج قطعة معمارية رائعة. لقد حظيت بمشاهدة جميع الأجزاء التي أعطت في النهاية قاعة الصلاة الرئيسية الرائعة. ولكم استمتعت بمشاهدة الجامع وهو يلبس أبهى حلله من الرخام الأبيض ببطء داخلاً وخارجاً، ويتشح بالبهاء والمجد في كل مرة أعاود فيها زيارته. لقد نشأت وعشت في أستراليا لمدة 40 سنة وتتجاوز درجة الحرارة هناك في الصيف 100 درجة فهرنهايت فتكون حارقة جافة؛ وبالتالي، لم تواجهني أي مشاكل في تلك الأجواء الحارة التي وجدتها في أبوظبي؛ فقد كانت جميعها مألوفة بالنسبة لي، كما أنها كانت أكثر ملاءمة من تلك الحرارة الممتزجة بالرطوبة في سنغافورة التي أعيش فيها الآن. أحب سماء أبوظبي الزرقاء وضوء شمسها الساطع لأنها بالرغم مما تبدو عليه من قيظٍ، فإنها تجعل العالم مكاناً أفضل لأن تكون فيه. إن إشراقة الشمس هي البسمة المرتسمة على وجه العالم. بينما تمثل رمال الصحراء الناعمة التي تحملها الرياح الساخنة القوية مصدر إزعاج لأي من البشر، نجدها لم تتمكن من صد أولئك الرجال عن العمل. غير أن الأمر يختلف كلياً بالنسبة لدقة التصوير وكاميرات الفيديو الباهظة؛ فهي قد تدمر الكاميرا والشريط الذي يدور بداخلها؛ فمع كل شريط جديد يتم إدخاله إلى الكاميرا يكمن خطر تسرب حبيبات الرمال إلى الداخل عند تبديل الأشرطة، وهو ما كان يمثل قلقاً دائماً في ظل الظروف العاصفة. وسواء كان الجو عاصفاً أم لا، فقد كنا ننظف الكاميرا وكافة المعدات بعناية فائقة في كل مساء عقب التصوير؛ كما كنا أنا والمصور في حاجة إلى التنظيف بعناية أيضاً بعد أن تكون حبيبات الرمال الدقيقة قد كستنا نحن أيضاً! في عمق الروح لقد كان هذا الفيلم شيئاً يختلف تماماً عن البرامج السابقة من مسلسل الهياكل العملاقة؛ نظرًا لما يتضمنه من الجانب الروحاني؛ فهو لا يتحدث عن جسر أو نفق أو مطار، ولا يتحدث عن مجرد مبنى، إنه يتناول مكاناً لعبادة المسلمين. إن نفس الفولاذ والخرسانة والزجاج والرخام يمكن تطويعها وتشغيلها لتخدم أي غرض دُنيَويّ أو غرض آخر خاص، ولكن في هذه المرة ما كان يتم إنشاؤه هو شيء أسمى من ذلك بكثير؛ ولا يقل أهمية عن ذلك مشاركة الكثيرين من بلدان عدة في بنائه وتجميله؛ لقد كان الأمر بمثابة خبرة مشتركة بقدر ما أن الإيمان بوجود الله هو أيضًا خبرة مشتركة؛ ومن المنظور نفسه، أعتقد أنا نفسي أن جامع الشيخ زايد الكبير مشروع متفرد روحانياً. لقد عملت في صناعة الأفلام والتليفزيون الأسترالية والسنغافورية بل والعالمية لنحو 46 عاماً في مجموعة متنوعة من المشروعات التليفزيونية، ويمكنني بصدق إن أقول إن هذا المشروع كان يجمع بين التجربة الفريدة و”العمل بحب”؛ وهو برنامج يندر جدًا أن تعمل في واحدٍ مثله، وأنا مسرور لكوني حظيت بهذه الميزة.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©