الثلاثاء 30 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشاعر ينتصر على الأيديولوجيا

الشاعر ينتصر على الأيديولوجيا
10 ابريل 2008 02:12
حين مضى الشاعر التشيلي بابلو نيرودا إلى مثواه الأخير، قبل نحو خمسة وثلاثين عاماً، أودع حياته بين ضوءين: الشعر والقضية· كان يدرك أنه راحل إلى حيث بإمكانه أن يترك إحدى عينيه مفتوحتين على العالم· اختار أن يراقب الناس البسطاء، من ثقب المدى· أولئك الذين حمل إليهم عبق الكلمة، مفتوحة على ألف سؤال· هذا العام يستعيد الشاعر اللبناني بول شاوول ضمن سلسلة ''من الشعر العالمي'' (صدرت عن دار النهضة العربية)، قصائد مختارة جاءت تلبية لدعوة الوطن الأم تشيلي في أن يكون العام هو عام نيرودا في العالم كله· تغلّب القصائد ''انتصار الشاعر على الأيديولوجيا''· تعرّب أحلام شاعر كبير، وتراجيدي كبير، استخلص في شعره عصارة قارة كاملة، بكل تواريخها، وأساطيرها، ونضالاتها، وديكتاتورييها، وسجونها· شاعر يصفه شاوول بأنه: ''الشاعر القارة''· يعترف شاوول في تقديمه للقصائد، بأن إعادة مراجعة دواوين نيرودا، بدءاً من كتاباته الأولى في العشرينات وحتى كتاباته الأخيرة في السبعينات، وما صدر بعد رحيله، بمثابة إعادة اكتشاف لحجم الشاعر· ذلك أنه بعد تبدد الهالات التي كانت تغلّف شعره، وتحجب طاقاته الهائلة، وتوجهه توجهاً أحادياً، ظهر الآتي: ''ان الاحزاب اليسارية العربية أساءت الى هذا الرجل، عندما قدمته في صورته الطاغية ''كمناضل سياسي''، وأغفلت ما تناءى من شعره عن سياساتها''· وهناك سبب آخر يحتّم إعادة قراءة نيرودا بعيداً من الأحكام المسبقة: ''أن تقرأ عاري الذهن، نصاً، تريد أن تتوغل فيه، لا بحثاً عن أفكار ومواقف أيديولوجية وثورية وملتزمة، وإنما بحثاً عن طاقات هذه الشعرية وتعابيرها''· يرى شاوول أن نيرودا شاعر الحب الغنّائي بامتياز· يقطع بخلاصته تلك، الطريق على اتجاهات راهنة تنكر على الشعر أي غنائية أو عاطفية أو حتى رومانسية· وبذلك يعيد نيرودا إلى جذوره: ''ينتمي نيرودا في غنائيته إلى سلالة ضاربة الجذور في أميركا اللاتينية وفي أوروبا، منذ ردنار، ودوبيليه وحتى الرمزية (في بعض جوانبها) مروراً بالينبوع المتدفق، الرومانطيقية: من لامرتين إلى هولدرلين الى كيتس وبايرون وويتمان وغوته ونوفاليس''· كما يصفه بأنه ''شاعر الداخل الذي يتدفق على الخارج· وشاعر الخارج الذي يمتزج في الداخل· شاعر الذات بقدر ما هو شاعر الآخر، تخرج غنائيته إلى ما هو أرحب: إلى الشارع، إلى المصانع، إلى السجون، إلى المنافي، إلى الفقراء··· إلى التفاوت الاجتماعي، والديكتاتورية، غنائية نقدية إذاً في بعض جوانبها''· يجمع الكتاب نحو 40 قصيدة، يتنقل الشاعر المترجِم من خلالها في رحلة لسبر أغوار الشاعر المترجَم· فاذا به يبدأ برسم طقوس نيرودا في فهمه للحب: ''أحب الحب الذي يتقاسم بالقبل، في السرير والخبز·/ حب يمكن أن يكون أبدياً/ وربما أيضاً عابراً· حب يريد أن يتحرر/ ليعاود الحب من جديد''· وفي وقوفه عارياً أمام الأسئلة التي لا تفارق مخيلته· يسأل عن الموت: ''هل تعرف من أين يأتي الموت:/ أمن فوق؟ أم من تحت؟/ أمن الجدران أم من الجرائم؟ أم من الشتاء أم من الحروب؟· يسأل عن الحبيبة: ''من كانت تلك التي كانت تحبك/ في الأحلام، عندما كنت نائماً؟· ويسأل عن الحلم: ''أين تمضي أشياء أحلامنا؟ أفي أحلام الغير؟''· يطلب البحث عنه، هناك في ضوء الزبد: ''لأنني سأعود إلى هناك من دون أن أقول شيئاً،/ بلا صوت، بلا فم، صافيا/ سأعود الى هنا وأكون حركة/ الماء، قلبه/ المتوحش،/ وسأكون هنا تائها ومستعادا/ هنا قد أكون حجارة وصمتاً''· وتبقى القضية حاضرة: ''اذا سلمت حشودك يا أميركا الشمالية/ لتدمير هذه الحدود النقية،/ والاتيان بجلاد شيكاغو/ ليحكم الموسيقى والنظام/ الذي نحب/ سنخرج من الحجارة والهواء/ لننهشك/ سنخرج من النافذة الأخيرة/ لنسكب عليك النار''· بدوره يسأل شاوول في خاتمة تقديمه للقصائد المختارة: هل يمكن إدراج نيرودا ضمن لائحة الشعراء الشعبيين؟· يجيب: ''نيرودا، هو أصلاً ذو انعطافات شعبية بطبيعة تركيبه وتوجهاته ومفهومه لدور الشاعر والمثقف·· لكنه ليس شاعراً شعبياً بالمفهوم الاستهلاكي أو السياسي أو الآني· فشعره يحتاج إلى تأمل· وإلى درجة ما من الثقافة، والوعي الجمالي، والتلقي الإيجابي، أي أنه شاعر تهيأ ليُقرأ في كتاب· لا ليسمع في مهرجان''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©