الثلاثاء 30 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

سيدة التوابل.. والطاقة السحرية

سيدة التوابل.. والطاقة السحرية
5 مايو 2016 18:56
سيدة التوابل The Mistress of Spices هي الرواية الأولى للكاتبة الهندية شيترا بانرجي ديفاكاروني، المقيمة في أميركا، وقد نالت الرواية إطراء النقاد في أميركا، حيث أسبغوا عليها الكثير من آيات الإعجاب والإشادة، ووصفوها بأنها: باهرة، مدهشة، رائعة، فاتنة، ساحرة، لا تقاوَم.. كما لقيت رواجاً كبيراً، إذ ظلت ضمن قائمة الكتب الأعلى مبيعاً لمدة 15 أسبوعاً.. وبهذه الرواية كرّست ديفاكاروني نفسها كواحدة من بين أكثر الكتّاب الجدد إثارة للاهتمام في أميركا. ديفاكاروني، في روايتها «سيدة التوابل»، وبلغة يتداخل فيها السرد والشعر، تمزج النقد الاجتماعي مع البعد الرومانسي للعلاقات العاطفية، معبّرة عن الوضع البشري وعن ألغاز الطبيعة البشرية، لكن ضمن نسيج من الواقعية السحرية، التي فيها يتلاشى ذلك الانقسام بين العالم السرمدي الحافل بالأسطورة والسحر (حيث تحوير أساطير هندية غابرة، مع إعادة ابتكار أسطورة الطائر الذي، مثل الفينيق، يُبعث من الرماد) والعالم الواقعي الذي فيه تتفاعل حيوات المهاجرين الهنود في أميركا، خصوصاً أولئك الذين يرتادون دكان التوابل ويستشيرون صاحبته في مساعيهم لتحسين أحوالهم المعيشية: الاجتماعية، العائلية، العاطفية، الاقتصادية. وإليها وحدها، تيلو، سيدة التوابل، يكشفون عن أحلامهم، رغباتهم، آمالهم، توقعاتهم، أحزانهم، آلامهم، حالات الفقد، والفجوة التي يصعب ردمها أو تخطيها بين ثقافتين وحضارتين. لكل فصل تابل عالم هذه الرواية زاخر بالسحر، بما هو كامن وراء نطاق الواقع اليومي. لكن إلى جانب كونها حكاية خرافية ذات مغزى إلا أنها أيضاً رواية واقعية، ليس فقط عبر تصوير الأماكن والأجواء الأميركية المعاصرة، لكن الشخصيات نفسها تحمل هموماً ومشاكل راهنة. كل فصل من الرواية معنون باسم تابل معيّن: الكركم، القِرفة، الفلفل، الشُمْرة، حب الفلفل.. وغيرها من التوابل المتنوعة. ومع القراءة تتوصل إلى فهم العلاقة بين العنوان والموضوع، بين التوابل والشخصيات المتباينة.. ذلك لأن للتوابل قوى سحرية، وينبغي أن تستخدم هذه التوابل على نحو صحيح ولائق كي تقدر أن تمارس سحرها: الكركم يمنح الأمل بولادة جديدة، الفلفل يطهّر النفس من الشر، الشمرة تهدئ الأمزجة وتسكّن الانفعالات، الحُلْبة لجعل الجسد حلواً وعذباً، الشعير لتخفيف الألم والمعاناة، الكركم لمساعدة المرأة التي تتعرض لسوء المعاملة والإيذاء الجسدي، ورق نبات النيلوفر لقضايا الحب. في الواقع، التوابل هي التي تحكم وما على السيدة، تيلو، إلا أن تصلي وتتضرع لها كي تطلق طاقاتها السحرية، القادرة على علاج أوجاع البدن وأمراض الروح. تيلو &ndash وقد سمّيت كذلك تيمناً ببذور السمسم &ndash كان اسمها نايان تارا، وتعني حرفياً: الزهرة التي تنمو قرب طريق الغبار. ولدت في زمن آخر، وعصر آخر. يتيمة منذ طفولتها، منبوذة في القرية الهندية الصغيرة، ولكي تتخلص من الظلم والإذلال، ترمي بنفسها في البحر لكن القدر يسوقها، بعون من أفاعي البحر، إلى جزيرة سريّة، خفيّة، متوارية عن الأنظار. على هذه الجزيرة الأسطورية، «حيث على جلودنا يتساقط المطر الدافئ مثل حبات الرمان»، تلتقي بنسوة شابات يتدربن على يد «الأم الأولى» كيفية التعامل مع التوابل &ndash التي تفشي همساً بأسرارها - لاكتساب قوى تؤهلهن، بعد أن يغادرن أشكالهن الأصلية وينتحلن أشكالاً وهويات متغيّرة أخرى، لأن يسافرن إلى زمن آخر، وإلى أماكن بعيدة يزاولن فيها علاج النفوس والأبدان المريضة. الأم الساحرة، العرّافة، تعرّف تيلو على عالم التوابل والأعشاب. تعلّمها كيف تعيّن هوية كل تابل، تركيبه، بنيته، صفته المميزة، نكهته، شذاه، ملمسه، قوته، تاريخه، موقعه، صوته، حاجته، رغبته. من الأم تتعلم كيف، بمجرد النظر إلى التوابل، تعرف فيم تفكر. وتتعلّم كيف، بمجرد الاحتكاك بكائن بشري آخر، تعرف ما هو التابل الخاص بهذا الكائن، فكل كائن له تابله الخاص به، وبإمكانها استحضار تركيبات من التوابل لمساعدة الكائن في مداواة حالته وتجاوز أزمته المادية والروحية. تصبح تيلو سيدة التوابل الخالدة، الساحرة، العارفة، ولكي تسكن على حافة الواقع مع توابلها، يتعيّن عليها أن تطيع وتعمل وفق قوانين التوابل الصارمة وتلتزم بالقواعد الثلاث: ألا تغادر الدكان في أي ظرف أو حالة، ألا تستخدم التوابل لأغراضها الشخصية ورغباتها الخاصة، ألا تلمس شخصاً آخر بدافع الرغبة والاشتهاء. أي انتهاك لأي من هذه القوانين أو المحظورات سوف يعرّضها لعقاب التوابل. طابع رمزي الحكاية، بطابعها الرمزي الصوفي، مرويّة من وجهة نظر تيلو، المرأة الهندية الشابة القاطنة في جسد امرأة عجوز، والتي انتقلت إلى أوكلاند بكاليفورنيا، لتدير محلاً لبيع التوابل، حيث تستخدم معرفتها بالقوى السحرية، السريّة، للتوابل في مساعدة زبائنها من الهنود المهاجرين، الذين يناضلون من أجل لقمة العيش من جهة، ومن أجل تكييف مثُلهم وقيمهم مع قيم العالم الجديد، المختلف، غير المألوف.. هذا التضارب الذي يفضي غالباً إلى الإحساس بالغربة، بالانسلاب، بالعزلة، والحنين إلى الوطن. في دكانها، الأشبه بعالم مصغّر، حيث أعداد لا تحصى من الوجوه تأتي، وكل وجه يسرد قصة.. قصص حزينة ومأساوية، وأخرى سعيدة ورائقة. وتيلو تكرّس نفسها لتحسين حيوات هؤلاء الأفراد: الزوجة التي تتعرض لسوء المعاملة والإيذاء من زوجها، الشاب المضطرب، سائق السيارة الذي يريد أن يحقق حلمه بالثروة، الرجل المحافظ على قيم العالم القديم، والذي يتصادم مع حفيدته التي يحبها ولا يريد أن يخسرها.. إلى هؤلاء تقدّم جرعاتها السحرية. إن بوسع تيلو أن ترى الكامن في قلوب الآخرين وعقولهم، وتعرف أن تقرر أي تابل يحتاجه الشخص ليحقق رغباته.. لكن ماذا عن رغباتها هي؟ مع أنها سجينة جسد امرأة عجوز، ومحظور عليها أن تغادر الدكان، إلا أنها مع مرور الوقت، وتفاعلها الإيجابي مع مشكلات الآخرين، تشعر بأنها غير قادرة على الامتثال للتعليمات الصارمة، والاحتفاظ بالمسافة المشروطة بينها والآخرين: «ليس بعيداً أكثر مما ينبغي، ليس قريباً أكثر مما ينبغي». إنها لا تستطيع أن تكبح نفسها من التأثر والتورط، ليس فقط في التعاطف والانحياز تجاه معاناة الجالية الهندية، بل إنها تنجذب عاطفياً إلى رجل أميركي، يدعى رافن، وجدت صعوبة في قراءة وتأويل أفكاره الأكثر إيغالاً. مع ذلك هو يجد العلاج النفسي والروحي من خلال عشقه لها، فيحثّها على الهرب معه بعيداً والعيش في مكان ريفي يصفه بالفردوس الأرضي. العلاقة المركّبة، غير المتوقعة، تتنامى إلى عاطفة مشبوبة لا يمكن السيطرة عليها. مثل هذا الفعل يمثّل تمرداً وعصياناً فاضحاً على التعاليم، وانتهاكاً للتعهدات والنذور، وهذا لا يهدّد مسار العلاقة فحسب، بل أيضاً وجودها المقدّس الفعلي، إذ تجد نفسها مرغمة على الاختيار بين الخلود والفناء، بين السحر والهامشية. لكن الرواية تنتهي بإشارة إيجابية: ثمة أمل. ديفاكاروني: التوابل علاج لأمراض الروح في حديثها عن الرواية قالت ديفاكاروني: «اعتمدت على الحكايات الشعبية التي أتذكرها من طفولتي، مثل المدينة النائمة تحت المحيط والأفاعي الناطقة، لكنني تقريباً غيّرتها كلياً. الشيء نفسه بالنسبة للتوابل. في المعتقد الشعبي الهندي، التوابل لا تُستخدم فقط كمواد تضفي نكهة مميّزة للطعام، بل إن لها قوى سحرية بذاتها، حيث توفّر دواءً للعلل الجسدية وعلاجاً للأمراض الروحية. في الرواية حوّلت القواعد إلى قوانين تفرضها المملكة المقدّسة، قوانين لا تستطيع تيلو أن تنتهكها بلا عواقب خطيرة. الرواية قائمة على المجاز. الشخصيات مجازية، لكنها أيضاً واقعية، إنسانية جداً. إنها توجد على كلا المستويين في آن أردت أن أقيم جسراً بين العالم الواقعي، على نحو صرف، والعالم الأسطوري. أن أجسّر الحواجز، أن ألغي التخوم، ليس فقط التخوم بين الحياة والموت، العالم اليومي والعالم الأسطوري، لكن أيضاً تلك التخوم التي نخلقها في حيواتنا والتي هي ليست حقيقية.. التخوم التي تفصل بين الجماعات والناس. بإلغاء التخوم نصل إلى الثيمة الرئيسية للرواية: أن السعادة تأتي من الاستغراق في عالمنا الإنساني. أردت أن أعالج موضوعي بلغة الشعر والنثر بحيث تكون للغة الرواية خاصية غنائية ملائمة لنوعية الواقعية السحرية. تأثرت كثيراً بكتابات غابرييل غارثيا ماركيز، إيزابيل ألييندي، وكتّاب الواقعية السحرية. تأثرت بالكون السحري الذي خلقوه. السحر عنصر مهم جداً في أعمالي. تثير اهتمامي العوالم المتخيلة، التي تحتوي على كل ضروب القوانين المختلفة، والتي تختلف عن عالمنا». شيء عن الكاتبة شيترا ديفاكاروني، مؤلفة رواية «سيدة التوابل»، شاعرة وكاتبة قصص قصيرة. ولدت في الهند وعاشت فيها حتى العام 1976. كانت في التاسعة عشرة من عمرها عندما غادرت كلكتا وانتقلت إلى الولايات المتحدة. أكملت دراستها في حقل اللغة الإنجليزية وحصلت على شهادة الماجستير من جامعة رايت ستيت في دايتون بأوهايو، ثم حصلت على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة كاليفورنيا، بركلي. أثناء الدراسة، ولكي تعيل نفسها مادياً، اضطرت إلى مزاولة عدة مهن غير منتظمة: جليسة أطفال، بائعة في بوتيك هندي، عاملة في مخبز، منظفة أجهزة في مختبر علمي. بعد ذلك قامت بتدريس الكتابة الإبداعية في كلية فوتهيل في لوس ألتوس هيلز بكاليفورنيا، حيث تولت رئاسة منظمة تعنى بالنساء الآسيويات من ضحايا سوء المعاملة والإيذاء البدني، كذلك مارست التدريس في جامعة هوستن. حازت على العديد من الجوائز الأدبية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©