الثلاثاء 30 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

فيتالي نعومكين: ينبغي المحافظة على إرثنا الثقافي المشترك

فيتالي نعومكين: ينبغي المحافظة على إرثنا الثقافي المشترك
17 مارس 2011 00:01
قال الدكتور علي راشد النعيمي عضو الهيئة الاستشارية لجائزة الشيخ زايد للكتاب: “لقد وضعت الإمارات نفسها في موضع متقدم فيما يتعلق بفهم الآخر وتقبل التعايش مع الثقافات الأخرى ومما قدمته هذه الثقافات من إنجازات للإنسانية والبشرية”. وفي معرض تقديمه مدير معهد الاستشراق في موسكو الدكتور فيتالي نعومكين في محاضرته عن”الجسور الثقافية التاريخية بين العرب وروسيا” في مجلس الحوار بمعرض أبوظبي للكتاب أضاف النعيمي: “أنت تعرف هذا العالم من خلال تلامذته الذين ربّاهم على التشرّب الحقيقي للثقافة العربية”. ثم استهل الدكتور فيتالي مداخلته بالإشارة إلى أول احتكاك مباشر بين العرب والشعوب الروسية آنذاك، مركزاً حديثه على أبرز المعالم التاريخية في هذه الجسور، “فالناس هنا وهناك مطلّون نسبياً على الآداب فحسب عبر الترجمات بين الروسية والعربية لكن معرفة هذه الجسور معدومة أو شبه معدومة”. وأشار فيتالي إلى أن المعرفة بين الشعبين بدأت في القرن السابع الميلادي أو الأول الهجري عند دخول الجيوش العربية إلى مدينة “باب الأبواب” في القوقاز الشمالي (داغستان الآن)، فكانت بذلك أول نقطة التقاء بين حضارتي روسيا والعرب. فكانت هذه المدينة في القرن السابع الميلادي محطة للفتوحات العربية حيث افتتحها عبد الرحمن بن ربيعه وشقيقه سلمان اللذان أرسلهم عمر بن الخطاب على رأس جيش لمحاربة الخزر فاستشهد سلمان في معركة الفتح حيث لا تزال هناك مقابر يزورها الناس حتى اليوم . وقال: “كان ذلك سنة 22 هجرية فحددت المدينة وعبر قرون لاحقة مستقبل شعوب المنطقة على المستوى الثقافي. والذين أطلقوا لقب الروس أو الصقالبة على الروس هم التجار فضلا عن وجود أعداء مشتركين بين العرب والروس هم الخزر. فكان فتح باب الأبواب بقلعتها الشهيرة التي لا تزال قائمة حتى الآن فكانت لصد هجمات الخزر”. وأضاف: “لقد كتب الكثير من المؤرخين عن “باب الأبواب” كالمستقري، ومنذ ذلك الوقت وحتى القرن الحادي عشر بدأ العرب يستوطنون في داغستان وقد جاء أغلبهم من سوريا حيث يشار إلى أن عددهم قد بلغ مئة ألف شخص اختلطوا في الناس المحليين”. ثم تطرق فيتالي إلى قلعة “دار الأبواب” وأهميتها الاستراتيجية في محاربة الخزر ونشر الدين الإسلامي متطرقا إلى وصفها جغرافيا ومعماريا حيث عُدّت أعجوبة على هذا الصعيد، أما المدينة ذاتها فتشبه في طرازها المدينة العربية في القرون الوسطى شارحا ذلك بالتفاصيل المرفقة بصور تلفزيونية. أما النقطة الأخرى التي تطرق إليها فكانت منطقة حوض الفولغا في وسط روسيا، حيث اعتنقت بعض الجمهوريات الديانة الإسلامية، فبدأ النقل المتبادل بين الكتب الروسية والأخرى العربية في إطار حضاري مشترك. اما منطقة البلغار فاستعان ملكها بالخليفة العباسي المقتدر بالله وطلب منه دعاة إسلاميين لنشر الإسلام في دولته، اما الروس فقرروا أخذ الدين المسيحي من بيزنطة في القرن العاشر. وقد أرسل المقتدر بعثة إلى البلغار في حوض الفولغا على رأسها أحمد بن فضلان فكتب رسالته المشهورة “رسالة بن فضلان” والتي بفضلها تعرفنا على الكثير عن ماضينا والعربي، كذلك عرفوا أشياء كانت مجهولة بالنسبة لهم لولا رحلة ابن فضلان فكتب عن القبائل التركية في الصحاري وعن مناطق روسيا الباردة، لكن بفضل هذه البعثة اعتنق البلغار الإسلام سنة 922م ليتحد بذلك تاريخ جديد للثقافة والفن لهذه الدولة. أيضا تحدث فيتالي عن أهمية “رسالة ابن فضلان” لجهة الجانب الاستكشافي حيث التقى شعوبا وقبائل لم يكن أحد من قبله يعلم شيئا عنها خاصة فيما يتعلق بعاداتهم وتقاليدهم. ثم انتقل فيتالي إلى المسيحيين الروس ورحلاتهم إلى الديار المقدسة من سنة إلى أخرى ثم إعجابهم بها، حيث ساعد على ذلك تداول العملة العربية في ورسيا القادمة عبر القوقاز الشمالي والبلغار وآسيا الوسطى. ثم تحدث عن رحلة دانييل الراهب المعروفة التي حدثت في القرن الحادي عشر (وقد ترجمت إلى العربية عن دار الشروق والنشر في عمان تحت عنوان “رحلة دانيال الراهب إلى الديار المقدسة”) فباتت هذه المذكرات أساسا للعلاقات التي قامت بناء عليها العلاقات بين روسيا والشرق العربي لمدة طويلة. وهو كتاب شهير منذ 900 عام حيث تم الاحتفال السنة الماضية بصدور هذا الكتاب بالروسية لأول مرة، فكان كتابه دليلا على اهتمام الروس بالمشرق العربي وتحديدا العتبات المقدسة والاهتمام الحضاري بالمنطقة، فوصف بدقة عجيبة المباني كما قدر المسافة بين المدن الفلسطينية وبين قبرص ويافا وبين يافا والقدس على اليابسة وكانت دقيقة جدا ولا أحد يعرف حتى الآن كيف تمكن من قياسها على هذا النحو. وكتب عن القدس بأنها مدينة عظيمة بجدرانها ومبانيها المتوازية وانها مسقوفة من الجهات الأربع ولا أنهر فيها ولا ينابيع وتعيش على مياه الأمطار وكل مواسمها خصبة كما تكلم عن نهر الأردن وأن مياهه تجري بسرعة وكانه نهر كبير ولاحظ فيه وجود الأسماك. وتطرق فيتالي إلى العلاقات الثقافية بين روسيا والعرب خلال القرنين الأخيرين في مجالات الأدب والفن والعلم. فأشار إلى علم الاستعراب الروسي الذي وصف تقاليده بأنها عظيمة. فقال بأنه نشأ في عهد بطرس الأكبر أواخر القرن التاسع عشر واشترك في تأسيس نظام تدريس اللغة العربية في روسيا مثقفون عرب، مثل الشيخ طنطاوي وحمدي سلام من مصر وآخرين من فلسطين. ثم تحدث عن تأثر الأدب الروسي بالأدب العربي والإسلامي، فتأثر المبدعون الروس بذلك مثلما تأثر المبدعون العرب بالأدب الروسي، وأشار إلى ترجمة المعلقات إلى الروسية وكذلك ترجمة القرآن الكريم التي تأثر بها أعظم شعراء روسيا بوشكين في قصيدة تحدث عنها عن قصة نمرود. واخيرا، تحدث عن العلاقات بين المثقفين الروس والعرب في شتى المجالات، فقد تبادل تولستوي الرسائل مع محمد عبده في السنوات الأخيرة. ثم استنتج فيتالي نعومكين أن التاريخ المشترك يعلمنا أننا نرتبط بعضنا ببعض وأن الحضارة الروسية مرتبطة تاريخيا بالحضارة العربية، ومهما كانت الظروف السياسية فإنها ملائمة للروس والعرب إلى حدّ يدفعنا للحرص على هذا التراث المشترك والتواصل لأهميته للشعبين الروسي والعربي.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©