الثلاثاء 30 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكندي.. «سبعيني» أمضى حياته في الصيد والزراعة

الكندي.. «سبعيني» أمضى حياته في الصيد والزراعة
14 مارس 2013 21:37
كانت الحياة في البدية بالفجيرة قديماً كسائر المناطق الأخرى في الدولة بشكل عام، صعبة وشاقة ومليئة بالمتاعب، ولكي يوفر الشخص لقمة العيش لأسرته عليه أن يركض خلف الرزق. وتعب كثيراً أبناء المنطقة في البحث عن مصادر الرزق، ومنهم حسن خصيف الكندي 70 عاماً، حيث كانت شحيحة وينضب معينها في أوقات كثيرة من العام، ما يضطر الأهالي إلى هجرة أماكنهم للبحث عن الرزق في البحر، وكان يقترض الواحد 10 روبيات من «النوخذة» قبل خروجه إلى رحلة تستغرق أحياناً 4 أشهر، لتعتاش أسرته على 8 روبيات، وتبقى لها اثنتان. (الفجيرة)– كان المواطن حسن خصيف محمد الكندي أحد هؤلاء المواطنين الذين كدوا وتعبوا، وسافروا في رحلات عديدة تستغرق الواحدة منها قرابة 3 - 4 أشهر للبحث عن اللؤلؤ، مصدر الرزق الحلال الذي يريده خصيف لأسرته، ويبذل من أجله العرق والجهد، حتى يشب أولاده من رزق حلال. وكانت البدية في عصر ما قبل النفط واحة من واحات الفجيرة الكبيرة التي يأتي إليها الناس من كل حدب وصوب لما تضمه من مزارع غناء، وما بها من مختلف صنوف المحاصيل الزراعية، باستثناء أنواع معينة من الفواكه، لم تكن قد دخلت بعد إلى مزارعها في تلك الآونة، مثل البرتقال والمانجو. وكان الكندي يعمل بالزراعة، بالإضافة إلى عمله الرئيسي في صيد الأسماك والغوص بحثاً عن اللؤلؤ، وربما يعد العمل في الزراعة والصيد من الأشياء النادرة في الفجيرة، إذ إن حياة الصيد والغوص تقتصر على أهل البحر، بينما حياة الزراعة وجني المحاصيل وتربية الماشية تقتصر على أهل البر والبادية، وفي البدية جمع كثير من أهاليها الحرفتين، نظراً لوجودها مباشرة على البحر، ولوجود مزارعها أيضا بجوار ميناء الصيد. قلوب محبة ويقول الوالد حسن الكندي: كانت الحياة في السابق قبل دخول عصر المدنية الحديثة حياة بسيطة للغاية، وكل شيء فيها تقليدي جداً، كما كانت تمتاز بوجود قلوب سليمة ومحبة لبعضها بعضاً، وكان الحقد نادراً جداً في تلك المجتمعات، وكان أهم ما يميز مجتمع البدية القديم البحث عن الرزق طوال اليوم، ولم يكن هناك وقت للحقد، ولم يكن هناك متسع أمامنا للكلام والحسد في مجتمع يصلي الفجر في جماعة، ويبدأ رحلته اليومية بحثا عن الرزق. وأضاف: كنا إذا خرجنا إلى الغوص الذي نبقى فيه قرابة 4 أشهر تزيد أو تقل، حسب ظروف الرحلة نقترض 10 روبيات من النوخذة الذي نعمل معه، ثم نتركها إلى أسرنا لتنفق منها حتى العودة من الغوص، وكنا نفاجأ كثيرا بأن الروبيات العشر قد فاضت منها روبية أو اثنتان، وقد أنفقت الأسرة قرابة 7 - 8 روبيات فقط، حيث كنا نشعر بالبركة، بالرغم من قلة الموارد وضآلة المال معنا، إلا أنه كان يفيض في كثير من الأحيان وهذا كرم من المولى سبحانه وتعالى علينا، وخلال تلك الفترة مارست الغوص مع حداثة سني وعهدي به، حيث كان عمري عشر سنوات، وكنت اذهب مع والدي للصيد، ومن ثم الغوص على عمق 9 أمتار، وبدأت بالغوص بالقرب من شواطئ مناطق البدية وزبارة واللؤلؤية، وكنا نحصل على محار اللؤلؤ هناك، لكن بشكل محدود. رؤوس الجبال وفي سن العشرين، بدأ خصيف الكندي الغوص في مناطق بعيدة عن شواطئنا، حيث أصبح مؤهلاً، لذلك، وامتلك قدرات الغواص الذي يمتاز بطول النفس في أعماق البحار، حيث كان يمكث نحو 15 دقيقة تحت المياه، وهو أمر لا يتوافر لكثيرين من الصيادين العاديين، لكن كانت البدية لديها فريق كبير متخصص في الغوص والبحث عن اللؤلؤ. وكانت معظم الرحلات في الغوص تتجه صوب منطقة رؤوس الجبال «نسبة إلى منطقة تسمى بهذا الاسم في محافظة مسندم بسلطنة عمان الشقيقة»، وهي من المناطق البحرية وليس لها صلة بالجبال، لكنه مجرد مسمى فقط وهي بحرية صرفة، وكان يمكث هناك من 1 - 4 أشهر حسب بالظروف الجوية وطبيعة البحر مستقراً أم مرتفعاً، وكان يجني الكثير من اللؤلؤ من منطقة رؤوس الجبال، وبعد العودة إلى الديار في البدية يقوم ببيعه إلى التجار في دبي أو البحرين أو عمان، وكان لؤلؤاً مميزاً ثم يقوم برد الـ 10 روبيات، التي اقترضها من النوخذة صاحب رحلة الصيد، ويجني الأرباح الأخرى التي تغطي نفقات كل أسرة لفترة ما إلى حين العودة من جديد إلى رحلة ثانية وثالثة ورابعة، وعلى مدار العام. وأصعب ما كان يواجه تلك الرحلات عملية التجديف، التي كانت يدوية تماما، وتعتمد على المجهود والقوة البدنية لأفراد الرحلة، وكان منهم من يصاب بالمرض لتقلبات الأجواء في البحر، أو من فرط الإنهاك البدني أو لظروف أخرى، قد تعترضهم في البحر، ولم يكن لها أي حلول غير المقاومة والمواجهة. وعن طعام الرحلة خلال الفترة الطويلة في البحر، أوضح الكندي أنه كان جميع الأفراد يعتمدون على التمر كغذاء رئيسي لهم طوال فترة الرحلة، وكانوا يجنونه من مزارع بالبدية التي تشتهر بزراعة النخيل وأجود أنواع التمور، وكما هو الحال في إمارات الدولة بشكل عام، حيث كان التمر هو الغذاء الاستراتيجي لأهالي الإمارات قبل عصر النفط. مزارع البدية وكان في البدية أكثر من مزرعة تزرع فيها جميع أنواع الخضراوات من الجرجير والبصل حتى البطيخ، وكان جديداً على أهالي المنطقة، ووفقاً لما ذكره الكندي لم يعرف في تلك الأثناء فواكه البرتقال بجميع أنواعه ولا المانجو، كما كان أهالي المنطقة يزرعون الغليون، مثل بقية أهالي الفجيرة الذي كان يزرع في مزارع دبا وفي ضدنا والفرفار ووادي مي وغيرها من المناطق، وكانوا يخزنونه بعد تجميعه في على شكل حزم ثم يأتي إليهم تجار من البحرين لشراء المحصول، وكان محصولاً مربحاً ومفيداً، فقد كانوا يحصلون على 10 روبيات من خلف هذا المحصول في كل مره خلال جنيه، وهذا مبلغ جيد بالنسبة لهم ولظروفهم القاسية التي عاشوها دون تململ وبكل رضا. وقال حسن خصيف الكندي، إن البدية تعد من ضمن المناطق التي امتازت بالجمع بين حرفتين متناقضتين، قلما توجد في منطقة واحدة وهي الصيد والزراعة، وقد امتلك الصيادين في البدية مزارع كثيرة، كما كان لأهل الزراعة السبق في العمل بصيد الأسماك والغوص بحثا عن اللؤلؤ في أعماق البحار. أطنان من الأسماك وعن الفرق بين مهنة الصيد حالياً، وفي الفترة السابقة، أوضح أنه المهنة اختلفت حالياً عن الماضي، خاصة عام 1950 تقريباً، وكان وقتها في سن 23 تقريباً، وكان يخرج مع والده أو بمفرده، وكان الصياد يصطاد مع نهاية كل رحلة منذ الصباح حتى قبل غروب الشمس ما يقارب الطن من الأسماك على اختلاف أنواعها وأحجامها، وأحياناً كان يصطاد كمية تتعدى طنين في الرحلة الواحدة، لأن الأسماك كانت متوافرة بشكل كبير جدا، وكانت هناك بعض الأنواع النادرة، التي لم تعد موجودة الآن للأسف الشديد. وكان يقوم الكندي ببيع كمية من الأسماك والبقية، تتوزع على أهل البدية وهذا ما يفعله كل صياد في البدية في عصر كان الحب سمة أهل المنطقة وكان الرضا هو الطابع الأساسي لهم جميعاً. وكانت الرحلة تصطاد سمكة الخباط المعروفة بكميات كبيرة جداً، حيث كان الصياد الواحد يصطاد ما يفوق ألف سمكة في الرحلة الواحدة، وكان يقوم بتمليحه بعد تجفيفه ثم يضع كل 100 سمكة مجففة ومملحة فوق بعضها البعض، ثم بيعها بـ 500 روبية لتجار من خارج البدية، أما اليوم فيورد الكندي أن الرزق كثر، وتعددت سبله المريحة، وأصبح الأبناء يعملون في وظائف تجلب لهم آلاف الدراهم، وركبنا أحدث السيارات، وسكنا بيوتاً فسيحة لم تكن تخطر على بالنا، ولم تمر علينا حتى في الأحلام، وعرفنا المدينة والحداثة والتطور، وأصبحنا دولة لها سمعة طيبة وباع كبير في الرقي، لكن مع كل هذا التطور الكبير والرزق الوفير والجهد البسيط تباعدت بعض القلوب، فلم تعد مثل الزمن الماضي متقاربة عفية وفية، وانتشرت بين البعض في المجتمع صفات غير حميدة. الاستعداد لفصل الشتاء عن الاستعداد لفصل الشتاء قديماً، أشار الوالد حسن خصيف الكندي إلى أنه إذا ما قدم فصل الشتاء كان يتم الحفر بالقرب من المسجد القديم الموجود على الطريق الرئيس للبدية حفرا تنصب عليها بيوت من العريش ينام فيها الأهالي فيها طيلة فترة الشتاء هربا من البحر. وأضاف: عند انقضاء الشتاء وقدوم الصيف ننفر جميعا من تلك البيوت إلى شاطئ البحر هنا بالقرب من ميناء الصيد، حيث كانت اليابسة بعيدة عن ميناء الصيد الحالي، ونظل نسكن هنا حتى ينتهي موسم القيظ نحن وأسرنا وجميع ما نملك من أغنام وماشية كانت حياة بسيطة، ولكنها كانت جميلة ومليئة بالود والحب، ربما لأن المجتمع كان في السابق صغيرا ومتقاربا. موقع البدية تقع منطقة البدية على طريق الفجيرة / دبا كما يقع على ذات الشارع مدينة خورفكان ومناطق زبارة واللؤلؤية التابعتين لخورفكان بالشارقة، كما يقع عليه مناطق أخرى تابعة للفجيرة، منها شرم وضدنا ورول ضدنا وجميعها مناطق شاطئية، ولها عمق داخل الجبل، لذا فهي مناطق تمتاز بأنها تجمع بين بيئتي البحر والبر. وتقع البدية على بعد 35 كيلو متراً من مدينة الفجيرة، و30 كيلو متراً من دبا الفجيرة، وحوالي 5 كيلو مترات من مدينة خورفكان ويصل عدد سكانها إلى قرابة 5 آلاف نسمة، ومن أهم معالمها السياحية مسجد البدية القديم الذي شيد قبل 150 عاما، ولا زال قائما حتى الآن، ويتوافد عليه الزوار من جميع الجنسيات. ويعمل أكثر من 90% من أهالي البدية بالوظائف الحكومية المختلفة، بينما تعمل نسبة 5% بالزراعة و5% بمهنة صيد الأسماك.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©