الثلاثاء 30 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العربية.. لغة القرآن

العربية.. لغة القرآن
14 ابريل 2011 20:20
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ *إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (سورة يوسف، الآيتان (1 - 2). لقد منَّ الله على البشرية ببعثة سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم-، حيث أنزل عليه أفضل كتبه، ليكون دستوراً للأمة وهداية للخلق ونوراً يستضاء به، ومعجزة للرسول- صلى الله عليه وسلم-، والقرآن الكريم كتاب ختم الله به الكتب، وأنزله على نبي ختم به الأنبياء، برسالة عامة خالدة ختم بها الرسالات، ومن المعلوم أن القرآن الكريم هو كلام الله المعجز، وكتابه الخالد، مادة الإسلام وأساس الحياة والنظام، فهو دستور الخالق لإصلاح الخلق، وقانون السماء لهداية الأرض، أحكم الله فيه كل تشريع، وأودعه كل سعادة، وناط به كل تقدم وفلاح. وهو ثورة الحق على الباطل، وحمْلةُ الإيمان على الطغيان، يعمر القلوب يقيناً، ويملأ النفوس اطمئناناً، يصون الأرض ومن عليها من الفتن الماحقة والمذاهب الهدامة والمبادئ الضالة، ويحارب بحزم لا هوادة فيه كل فحش ومنكر، ويكافح الإثم والجريمة، ويوفر للحياة أجواء الطهر والعفة والفضيلة. لم يكن هذا الكتاب الإلهي «المعجز» إلا تذكرة للنفوس الحائرة، وإنقاذاً للقلوب الجامدة البائسة التي لا تفهم إلا لذائذ الحياة وشهواتها الدنيئة، وإخراجاً للناس من الظلمات إلى النور، به يتصل العبد الضعيف بإلهه وخالقه، وبه يستنزل رحمته، وبه يهتدي لأقوم سبيل وأحسن طريق (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) (سورة الإسراء: الآية - 9). لقد أكرم الله سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- بمعجزات مادية كثيرة، كما أكرمه بالمعجزة الباقية وهي القرآن الكريم، حيث كان العرب وقتئذ قد وصلوا إلى درجة كبيرة من الفصاحة والبلاغة، حيث إنهم كانوا يناطحون الصخور في قوة بلاغتهم، ومع ذلك عجزوا عن أن يأتوا بمثله (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) (سورة البقرة، الآية: 23 - 24). لقد فهم المسلمون الأوائل كتاب الله عز وجل، فقدروه حق قدره، واتبعوا هديه، واتخذوه هادياً ومرشداً، فكان نوراً أضاء طريقهم، وسعادة رفرفت فوق حياتهم، حتى بلغوا به ذروة المقام الأسمى، وجلسوا في مكان الصدارة من العالم. وقد ذكرت كتب السيرة والتاريخ بأن آيات من القرآن الكريم كانت سببا في إسلام سيدنا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- وهي (طه*مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) (سورة طه، الآيتان 1- 2)، كما أن سيدنا عمر- رضي الله عنه- سمع قارئا يقرأ أول آيات من سورة الطور حتى وصل القارئ إلى قوله تعالي: (... إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِن دَافِعٍ ) (سورة الطور، الآيتان (7- 8)، فخر مغشياً عليه أياماً، ولا أحد يعرف سبب مرض أمير المؤمنين، كما أن القرآن الكريم كان سببًا في كسب موقف النجاشي عندما أرسل أهل مكة وفدًا برئاسة عمرو بن العاص- رضي الله عنه- إلي الحبشة لتأليب النجاشي- ملك الحبشة- على المسلمين المهاجرين من مكة المكرمة إلي الحبشة، فقرأ جعفر بن أبي طالب- رضي الله عنه- على النجاشي قول الله تعالي (يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا..) (سورة مريم، الآية - 28)... إلخ الآيات، وبذلك استطاع جعفر بن أبي طالب- رضي الله عنه- إفشال مهمة عمرو بن العاص، وبقي النجاشي يعامل المسلمين معاملة حسنة. ومن الجدير بالذكر أن اللغة العربية أشرف لغة على وجه الأرض، وكفاها فخراً أنها لغة القرآن الكريم، كما أنها لغة أهل الجنة، فاللغة العربية هي المدخل لفهم كتاب الله وسنة رسوله {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (سورة فصلت، الآية- 3)، فاللغة العربية مرتبطة بالدين ارتباط الروح بالجسد، وإذا فقدت الأمة لغتها فقد فقدت الدين والتاريخ الوطني. إن المسلم المعاصر يتحرق ويذوب كمدًا وأسى لواقعه المؤلم وأزمته الحضارية الطاحنة في هذه الأيام، وكما يتعرض العرب والمسلمون لمسلسل من الهجمات والانتكاسات، فإن لغتهم تتعرض أيضاً لما يُشبهه، مع العلم أن اللغة العربية لها خصوصية تتمتع بها دون سائر اللغات الأخرى تستمدها من كونها لغة القرآن الكريم، كما أنها جزء من الحقيقة الإسلامية، وهي أيضاً إحدى دعائم عروبتنا الأساسية إن لم تكن أهمها على الإطلاق، وهذا الارتباط بين اللغة والعقيدة والهوية سمة تفردت بها اللغة العربية، مما جعلها محل استهداف أعداء الإسلام الذين يرمون إلى تقويض العقيدة في النفوس بإعمال معاولهم لهدم اللغة العربية لكونها سياج هوية الأمة، فاللغة أساس وحدة الأمة، ومستودع حضارتها، ومرآة فكرها. وقبل أيام طالعت مقالاً مهماً لأخي العالم الجليل فضيلة الدكتور أحمد الحداد كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي حول مقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي: (اللغة العربية مكون رئيس للهوية الوطنية)، حيث قال فضيلته: (إنها لغة القرآن المحكم، والشرع الرباني الأعظم، ولغة النبي الخاتم الذي بُعِثَ رحمة للعالمين، بلسان عربي مبين. هذه اللغة التي كان بها الإعجاز، ولها كثير من الإنجاز الحضاري والمعرفي)، وتابع قائلاً: (هذه اللغة التي عدَت عليها العوادي في مبناها ومعناها، فتنكرت لها المناهج، وتجنبها التخاطب، وتغيرت لها الكتابة والمراسلة، وتنكبها التعامل المادي والاجتماعي، وحل محلها في كل هذه الحقول لسان دخيل، غدا عنوان المدنية والحضارة الإنسانية في زعمهم، ونسوا أن من ليس له ماض فلا حاضر له). لذلك فإننا نؤكد على وجوب أن تكون اللغة العربية لغة عالمية، فهي اللغة الوحيدة للوحي الإلهي الباقي على ظهر الأرض! وتعليمها وتعميمها فرض عين على المدرسين العرب، وعلى المجامع والمعاهد التي خصصت لذلك، لأن القرآن لا يسمى قرآناً إلا فيها، والصلاة لا تكون صلاة إلا بها، لذلك سارع المسلمون عبر تاريخهم إلى تعلُّمها والتكلم بها والتأليف فيها، والتعصب لها، والدفاع عنها، والدعوة إليها، حتى حلّت محل الفارسية في العراق، والرومية في الشام، والقبطية في مصر، والبربرية في المغرب، وأصبحت في عصر بني العباس- وهو عصرها الذهبي- لغة الدين والأدب والعلم والسياسة والإدارة والحضارة في أكثر الدنيا القديمة. لذلك يجب علينا ضرورة المحافظة على المكانة اللائقة للغة الضاد في الاضطلاع بأدوارها الحيوية في المجتمع، وحتى تضطلع اللغة العربية الفصحى بدورها هذا، لابد أن تكون لغة التعليم الأساسية في جميع مراحله، وكذلك لغة الخطاب السياسي والرسمي للدولة، كما يجب أن ننأى بأنفسنا عن استخدام بعض المصطلحات الأجنبية التي تبوأت مكان اللغة العربية، كما قال حافظ إبراهيم: وَسـِعتُ كِتابَ اللهِ لَفظـاً وغايـــة وما ضِقْتُ عـــن آيٍ به وعِظـــاتِ فكيف أضِيقُ اليومَ عن وَصفِ آلةٍ وتَنْسِـــــيقِ أســـماءٍ لمُخْترَعــاتِ أتَوْا أهلَهُـــــم بالمُعجــِزاتِ تَفَنُّنًـا فيا ليتَكُــــمْ تأتـــونَ بالكلِمَـــاتِ أَيهجُرنِي قومِي- عفا اللــه عنهــمُ إلى لغـــــةٍ لـــمْ تتّصــــل بِـــرواة كما ويجب علينا أن نتكلم اللغة العربية الفصحى لأنها لغة القرآن الكريم، وأن نعمل جاهدين على عدم مزاحمة اللغة العامية للغة الفصحى، لأن الدعوة إلى العامية معاداة للقرآن، وسلخ للأمة عن دينها، وقطيعة معرفية مع تراثها وتاريخها وهويتها الحضارية، وجزى الله القائل خير الجزاء: للـــه درُّ لســــان الضــاد منزلــة فيها الهدى والندى والعلم ماكانا الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©