الثلاثاء 30 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تركيا وأرمينيا على المستطيل الأخضر

تركيا وأرمينيا على المستطيل الأخضر
4 سبتمبر 2008 01:12
هنا وفي أركان الأناضول المختلفة يعيش الآف من الأرمن غالبيتهم يحملون الجنسية التركية، أما البقية فهم طلاب قادمون من أرمينيا يتلقون العلم في جامعات أسطنبول؛ وبين هذا وذاك هناك آلاف آخرون يأتون بطرق ما غير شرعية للبحث عن عمل، وينجحون في التغلغل نحو عدد من المدن التركية تحت سمع وبصر الأمن الذي يغض الطرف عنهم· المهم أن صرخات البعض في الداخل التي تدين تركيا، لا تواجه بأي قمع أو حظر، بل أحيانا تترك السلطات العنان لهم في قول ما يريدون، وعندما غدر شاب قومي متطرف (17 عاما) بالناشط الصحفي الأرميني الأصل ''هرانت دينك'' (52 عاما) في يناير العــام الماضي، هبت النخبة بأكملها تدين العمل الإجرامي الذي نال حياة مواطن تركي، وقد اصطف رموز الحياة السياسية ومندوبان عن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة جنبا إلى جنب مع مسؤولين جاءوا من العاصمة ''بريفان'' في جنازتــه· ورغم أن أنقرة اعترفت باستقلال أرمينيا عن الاتحاد السوفييتي السابق عام ،1991 إلا أنها رفضت إقامة علاقات دبلوماسية معها حتى تكف عن ترديد مزاعم المجازر التركية في حق الأرمن أثناء الحرب العالمية الأولى؛ وهو الحق الذي يصر عليه الأرمن طوال الوقت، بل وحث العالم لكي يضغط على الأناضول لكي يقر بجرم العثمانيين في حق مليون ونصف المليون أرميني؛ وأمام هذا المشهد من الذي يمكن تخيله، فلا أمل من حديث يدعو إلى الصداقة أو التآخي بل العكس تجذير العداوة وتعميق الجراح· ودون أن يرد بخلد الكثيرين من أبناء الشعبين المتجاورين في تلك البقعة، جاءت الصدفة فقط ولا غيرها، فرغم عنادهما وجدا نفسيهما معا على موعد مع القدر، فـ'' الفيفا'' وضعت دون قصد تركيا وأرمينيا أمام تحد كبير، فلا مفر سوى أن يلتقيا رغم مرارة الماضي؛ على البساط الأخضر، يمثلهما منتخبا بلديهما لكرة القدم بالعاصمة الإرمينية ''بريفان'' في مستهل التصفيات المؤهلة لخوض منافسات كأس العالم التي ستقام بجنوب أفريقيا بعد عامين من الآن· لكن القرعة رغم كونها في النهاية مسألة حظ، إلا أنها بدت أكثر عنادا مع وريثة ''الأمبراطورية العثمانية '' بشكل خاص، وذلك بوضع فرنسا في نفس مجموعة ''الآلام'' -إن جاز هذا التعبير- لفرط ما تحمله من صور مأساوية دفينة، فضلا عن قراءات بعضها مغلوط، بيد أنه نجح في صياغة أحادية للحقيقة، وجعل الأخيرة في نهاية المطاف مطلقا لا يجوز نقضه أو حتى إعادة قراءة جديدة بشكل منصف وبناء· والحق أن أنقرة -التي بوغتت بنتائج السحب العشوائي وبالطبع ليس واردا اتخاذ موقف حتى لا تكون نشاز- لم تكن سعيدة، فكأن الأناضول لم يعد يكفيه عداوة واحدة تنطلق من خلف جبال ''آرارات'' الشاهقة أقصى الشرق، وها هو الاتحاد الدولي لكرة القدم يضيف أخرى ثانية ألا وهي فرنسا، فتلك الدولة التي تصنف سياستها بالازدواجية تارة، والكيل بمكيالين تارة ثانية، وأخيرا بالنفاق السياسي، لم تكتف بمعارضتها الشديدة لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي فحسب، بل أخذت على عاتقها ومنذ فترة ليست بالقصيرة، ترويج مزاعم إبادة الأرمن عام ،1915 متحدية غضب ملايين الأتراك من جانب ومتفوقة على جميع البلدان الأوروبية· الكرة إذن سوف تجمع المتنافرين في منافسة قد تكون مثيرة، لكن الأهم هو أن عنوانها الروح الرياضية، ولم تخف قطاعات مهمة في المجتمع التركي سعادتها للقاء الكروي، والأدبيات الصحفية السيارة، لم تخل بدورها من أمنيات قد يحققها تلاقي البلدين المشتركين في حدود طويلة تمتد لمئات الكيلومترات، فربما تدفع المباراة العاصمتين أنقرة و''بريفان'' إلى طريق، قد يكون طويلا، متعرجا وغير معبد، لكنه -مع إخلاص النوايا- يمكن أن ينتهي إلى تقريب في الرؤي وتغليب المصالح على معضلات الماضي· وحتى إذا كان الأخير عصيا على النسيان، فلا بأس من التوصل إلى حل وسط بشأن تحديد إحصاءات أكثر دقة للنفوس التي وئدت في ذلك الشتاء القارس البعيد والذي بالكاد نجت منه الجبال، ثم تقديم تنازلات من هنا· إن هناك مؤشرات إيجابية من كلا الجانبين، فبعض الصحف التركية لم تنس وهي تشجع الجمهور على الذهاب إلى العاصمة ''بريفان'' لمؤازرة منتخبها الوطنى من أن تضع خطوطا حمراء، لا للاستفزازات أو إثارة الشغب، ودعته بالتحلي بسعة صدر في حال تعرضوا لنعرات أو مظاهرات غضب من بعض الأرمن· كما أظهرت وسائل الأعلام التركية نفسها، رغبة المسؤولين الأرمينيين ودعوتهم للجمهور التركي للمجيء إلى بلادهم، وللحق فقد زخرت عدد من الصحف بإعلانات نشرت خلال الأسابيع القليلة الماضية، وكانت كلها بمثابة دعوة مفتوحة لجميــع الأتراك للسفر إلى جارتهم أرمينيا، وفي المقابل وتسهيلا للجمهور فقد تقرر إلغاء الحصول على تأشيرة مسبقة، مما يمكنهم دخول الأراضي الأرمينية فقط بإبراز هويتهم· والآن تركيا ستكــــون في أرمينيا بشكــــل أو بآخر، صحيح نتيجة صدفة صاغها القدر، لكن الأمر لا يمنع من استثمارها بطريقة إيجابية، إن لم تستطع أن تقرب فعلى الأقـــــل لا تزيد من التباعد؛ وأصوات التطرف هنا أوهناك لن تدع تلك الأماني تتحقق، وقد لا يستطيع الرئيس ''عبدالله جول'' من الذهاب إلى ''بريفان'' وحضور المباراة التاريخية، وذلك استجابــــة للمعارضــــة في بلاده، التي رفضت مبدأ الزيارة، حتى وأن كانت غير رسمية، فعلى حد ما قاله رئيس الشعب الجمهوري ''دنييز بيكال''، فإن مجرد ذهاب رئيس الجمهورية التركية إلى أرمينيـــا سيعني اعترافا غير مباشر، بكل ما تدعيــــه أرمينيـــا في حـــق تركيـــا، ورغـــم كــــل ذلــــك يرى أصحاب الأقلام في الميديا المقروءة أنه لا داعي لليـــأس بل مقاومة أصوات التشدد فحل المعضلة الأرمينيـــة لا شك سيذلــل عقبة أمام مسيرة الجمهورية الكمالية للظفر بالعضوية الكاملة للاتحاد الأوروبــــي· سيد عبد المجيد- أنقرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©